شهادة وفاة نهر الأردن
أفضل وصف للاتفاق الأخير المتعلق بالمرحلة الأولى من قناة البحرين الإسرائيلية-الأردنية-الفلسطينية هو محاولة فلسطينية الهروب إلى الأمام أو التقدم إلى الخلف، وما يؤلم فعلياً بأن الكل يعرف بأنه خيارٌ صعبٌ تمت الموافقة عليه لحل مشكلة العطش الذي تضرب أطنابها المدن الفلسطينية وهي مشكلة مفتعلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وكان بالأحرى أن يكون نص الاتفاق هو أن تقوم إسرائيل باستيفاء كلفة التزود لمياهنا التي يسرقها المحتل من باطن الجوف أو من نهر الأردن، وأن لا تكون المبالغ المحددة هي قيمة المياه. كما كان بالأحرى، لحفظ ماء الوجه، أن يكون هناك سقفٌ زمنيٌ لهذا الاتفاق ينتهي مع انتهاء الاحتلال، حيث انه افتراضياً سيكون لدينا عندها سيادة على إدارة مواردنا المائية وبناء البنية التحتية وحفر آبار مياه، بدون موافقة اللجان المشتركة، لضخ المياه الجوفية وتزويد المدن الفلسطينية.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية

عندما تصبح كلفة التزود لوحدة المياه مساوية أو أعلى من قيمة المياه نفسها (الكلفة الحدية) نستطيع أن نتفهم لماذا تتم المفاوضات والصفقات تحت مبدأ الربح للجميع. ففي اتفاقية واشنطن التي وقعت عام 2013 واعتبرت في حينها المرحلة الأولى من اتفاقية البحرين، وافق الأردن على إنشاء محطة تحلية لمياه البحر الأحمر في العقبة، وعلى بيع إسرائيل 50 مليون متراً مكعباً من المياه المحلاة بسعر دولار للمتر المكعب الواحد، لتزويد مدينة إيلات ومناطق جنوب إسرائيل. وفي المقابل سيقوم الأردن بشراء 50 مليون متراً مكعباً من مياه بحيرة طبريا وبسعر مخفض لاستخدامها في شمال الأردن.
ولتوضيح الفكرة، فإن تكلفة نقل المياه المحلاة من العقبة إلى شمال الأردن ستكون باهظة، وينطبق ذلك أيضا على الحالة الإسرائيلية في حال نقل المياه من الشمال (بحيرة طبريا على الخصوص)، إلى الجنوب، مما يعني أن تكلفة النقل والصيانة من خلال الناقل القطري الإسرائيلي ستكون أيضا عالية بالرغم من انسياب المياه بفعل الجاذبية. الطرف الوحيد الذي كان موجوداً وشاهدَ كل شيء ولم يحصل على شيء هو الطرف الفلسطيني. كل ما حصلنا عليه هو موافقة إسرائيل على بيع 30 او 32 مليون متر مكعب من المياه للفلسطينيين (بدون تحديد المصدر خاصة لمياه الضفة الغربية). وللعلم فإن مذكرة التفاهم التي وقعت عام 2013 اعتبرت وثيقة سرية ولم يتم نشر محتوياتها او تفاصيلها إلى هذا اليوم، وبالرغم من إن معظم الخبراء والفنيين الفلسطينيين، في حينها، اعتبروا هذه الاتفاقية أو مذكرة التفاهم مخزية وسيئة، إلا إنها اعتبرت نصراً على المستوى الإعلامي في تموز 2017، واطلق عليها مسمى الحصول على الحقوق الفلسطينية من مشروع قناه البحرين، لأنها ستخفف من حالة العطش في الأراضي الفلسطينية، والمفتعلة من قبل إسرائيل.
سيقوم الفلسطينيون بشراء 32 مليون متراً مكعب من المياه، منها 10 ملايين مخصصة لقطاع غزه، من محطة تحلية مياه البحر في أسدود وبسعر 3.2 شيقل (90 سنت أمريكي) واصل إلى معبر ناحال عوز وهذا يعني أن السلطة ستدفع قيمة المياه، وهذا واجبها، لان أهلنا في غزة غير قادرين على شراء مياه بقيمة 4 شيقل (1.12 دولار أمريكي) للمتر المكعب الواحد، ولأن 97 % من المياه التي تستخدم للشرب حالياً في غزة هي مياه لا تصلح للاستهلاك الآدمي.
وعندما شاركت في احدى اللجان الفنية برئاسة سلطة المياه الفلسطينية قبل 11 سنة لبحث موضوع إمكانية شراء 5 مليون متر مكعب من نفس محطة التحلية في اسدود لضخها داخل الخط الناقل للمياه في غزة الذي تم إنشاءه بتمويل من مكتب المساعدات الأمريكية، تم رفض الفكرة في حينها بسبب ارتفاع السعر المعروض، وبسبب اعتبارنا بأن القبول بالفكرة هو تنازل عن الحقوق المائية الفلسطينية، بالرغم من موافقة النرويجيين على تمويل الشراء لمدة سنة واحدة فقط. لم يخطر في بال المشاركين آنذاك أن الموافقة ستعتبر نصراً بعد مرور 11 سنة.
إن شراء المياه من شركة ميكروت الإسرائيلية وهي شركة خاصة تدار سياسياً من قبل الحكومة الإسرائيلية سيجعلنا تحت رحمة الاحتلال وسيطبق المقولة التي تفيد بأن الفلسطيني ما هو إلا زبون جيد يستفيد من الخدمات التي يقدمها الاحتلال الإسرائيلي. كما أصبح صانع القرار أسيرًا لنهج إدارة الأزمات والخروج من كل مأزق، هو وبشكل واضح سيكون مقدمة لمأزق أكبر وأعمق.
أفضل وصف للاتفاق الأخير حول المياه هو محاولة الهروب إلى الأمام أو التقدم إلى الخلف، وما يؤلم فعلياً بأن الكل يعرف بأنه خيارٌ صعبٌ تمت الموافقة عليه لحل مشكلة العطش الذي تضرب أطنابها المدن الفلسطينية وهي مشكلة مفتعلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وكان بالأحرى أن يكون نص الاتفاق هو أن تقوم إسرائيل باستيفاء كلفة التزود لمياهنا التي يسرقها المحتل من باطن الجوف أو من نهر الأردن، وأن لا تكون المبالغ المحددة هي قيمة المياه. كما كان بالأحرى، لحفظ ماء الوجه، أن يكون هناك سقفٌ زمنيٌ لهذا الاتفاق ينتهي مع انتهاء الاحتلال، حيث انه افتراضياً سيكون لدينا عندها سيادة على إدارة مواردنا المائية وبناء البنية التحتية وحفر آبار مياه، بدون موافقة اللجان المشتركة، لضخ المياه الجوفية وتزويد المدن الفلسطينية. ومع إننا لم نحفر أي بئر للاستخدامات الزراعية منذ عام 1967 بسبب رفض الاحتلال الإسرائيلي المهيمن على جميع الموارد الطبيعية، ومع أننا لا نعرف عدد الآبار التي تم حفرها في المستوطنات الإسرائيلية بشكل غير شرعي، وهي تقدّر بالعشرات، إلا إننا نعرف بأن المياه المحلاة التي ستنتج من قناة البحرين مستقبلاً لن نستطيع دفع أثمانها بسبب ارتفاع كلفة ضخها إلى التجمعات الفلسطينية في القدس او رام الله أو بيت لحم او الخليل بسبب وجودها على ارتفاعات عالية، وبالتالي سيتم شراءها من قبل الاحتلال الإسرائيلي وستذهب لتنعش وتسمن المستوطنات في الأغوار وذلك بسبب الدعم العالي الذي يخصص للمياه المستخدمة في المستوطنات الجاثمة بشكل غير شرعي على الأراضي الفلسطينية.
في الختام، عند مراجعة توصيات دراسات الجدوى، لإنشاء قناة البحرين، التي أعدتها مؤسسات عالمية، نجد أن هناك توصيات تفيد بأن على الدول المعنية التي تريد حل مشكلة البحر الميت أن تعمل أيضا على حلِّ مشكلة نهر الأردن، وعلى هذه الدول أن لا تعالج النتائج وتهمل المسببات، وان إسرائيل عليها أن تضخ مياهاً لإعادة الحياة لهذا النهر الذي له قيمة تاريخية ودينية وتراثية واقتصادية. التساؤل المهم الذي علينا أن نطرحه هنا، هل نحن، عن قصد أو بدون قصد، وقعنا على شهادة وفاة نهر الأردن رسمياً وبالتالي أقرينا بأن جميع الحقوق المائية الفلسطينية في هذا النهر قد ماتت ودفنت مع المتوفى.