شذرات بيئة وتنموية...سيدة الأشجار ونظافة غائبة وأمن أخضر ورسائل سوداء...
خاص بآفاق البيئة والتنمية

الزيتون في فلسطين بمثابة الذهب الأخضر
"نفظ" وذهب
يشبه الزيتون النفط بالنسبة لفلسطين الفقيرة في هذه الثروة، وهو أيضا "الذهب الأخضر" ورمز صمود ومقاومة، وموسمه مناسبة اجتماعية واقتصادية. وتغطي أشجاره ما يقارب 45% من مساحة الأراضي الزراعية، ويعتبر الأكثر انتشاراً بنحو80% من مساحة الأراضي المزروعة بالأشجار المُثمرة. وتمتد أشجاره المباركة على 938 ألف دونم ( وفق إحصاءات عام 2009)، فيما تحتضن حقول فلسطين وجبالها ومساحاتها نحو 11 مليون شجرة منه، ويصل معدل إنتاج الواحدة بين 1,8 كغم- 2,5 كغم. أما الدونم في الحقول القديمة فينتج 20 كغم بالمعدل، وفي الجديدة 28,5 كغم. ويصل عدد المعاصر إلى 294، ويبلغ عدد العاملين في معاصر الزيتون عام 2010 نحو 1522. ومتوسط إنتاج السنة الماسية من زيت الزيتون إلى 33 ألف طن، تتراجع في السنة الشلتونية ( الرديئة الإنتاج) لتتراوح 4-7 آلاف طن. في وقت تقدر التكلفة التشغيلية للدونم الواحد بـ 100 دولار، ويصل صافي الربح للدونم نحو 84 دولارًا، فيما تتراوح تكلفة الأيدي العاملة في الإنتاج بين 30-50%. وتصل مساهمة الزيتون في السنوات الجيدة إلى حوالي 13%من قيمة الإنتاج الزراعي السنوي.
بالرغم من كل هذه الأرقام ودلالاتها الهامة ورمزية الزيتون، إلا أن سيدة الأشجار على الأرض تتعرض لهجرة وإهمال وسوء إدارة. وكعينة مما تتهددها: عدم العناية بالشجرة والحقول المزروعة إلا وقت القطاف، والاستخدام الُمفرط للكيماويات في التخلص من الأعشاب، والكف عن التقليم، وإشعال النيران في الأشواك الجافة داخل الحقول، واستعمال العصي في جني المحصول على نطاق واسع، والتبكير في القطاف، وسوء تخزين الثمار قبل استخراج الزيت، والتعامل غير السليم مع مخلفات المعاصر، وسوء إدارة المعاصر، واستخدام العبوات البلاستيكية في تخزين المحصول، وبعضها يعود لعبوات مواد كيماوية وأسمده، والجهل بتشبيب الأشجار القديمة، والرعي الجائر، والقطع لأغراض التدفئة، واستهداف الأشجار المعمرة لتنفيذ مشاريع تمدد عمراني، والتخلص من النفايات الصلبة والجيف ومخلفات المصانع والكسارات في الحقول.

أكوام النفايات العشوائية تنتشر في مختلف الأنحاء بالضفة الغربية
15 أيلول
يحل في 15 أيلول كل عام يوم النظافة العالمي، وهو ما بدأته منظمة Clean up the World الاسترالية عام 1993، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتحول إلى مناسبة يشارك فيه 35 مليون متطوع في 130 دولة، بهدف التوعية بأضرار النفايات، وأهمية الحفاظ على البيئة.
وتشوه النفايات كل مكان، وتنتشر معها الكثير من الممارسات الخاطئة كالحرق، وسوء التخلص من النفايات الطبية الخطرة، ويتم هدر فرص تصنيع الأسمدة العضوية، أو تحويل النفايات إلى مصدر للطاقة.
وبحسب الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة 2010-2014، تقدر النفايات المنزلية بنحو( 1710) أطنان في الضفة، و(611) طناً في غزة كل يوم. وينتج الفرد الواحد 700 غرام من النفايات في محافظات الضفة الغربية، و400 غرام في غزة يومياً. ولا تشوه أكوام النفايات العشوائية في كل مناطق فلسطين، البيئة فحسب، بل تتسبب بالمزيد من الكوارث جراء عدم معالجة النفايات السليم وخاصة الطبية منها، وحرق النفايات، وعدم فرزها، وإهدار فرصة تصنيع الأسمدة العضوية "الكمبوست".
ويؤدي حرق النفايات إلى تداعيات كثيرة، وتضر انبعاثاتها على الصحة والبيئة، إذ تنتج عمليات الحرق جسيمات دقيقة، ومواد (الديوكسين)، وأول أكسيد الكربون، والرصاص، والفورمالدهايد، والزرنيخ، وثاني أكسيد الكبريت، ومواد مُسرطنة وسامة أخرى كالكروم والزئبق وكلوريد الهيدروجين، التي تتسبب بأمراض عديدة أبرزها: الجهاز التنفسي، والسرطان، ونقص المناعة، والإضرار بالدماغ، والكلى، والقلب.
وتعتبر 60-70% من إجمالي النفايات الصلبة للمنازل في فلسطين عضوية "قابلة للتحلّل".ويمكن تقليل النفايات لأكثر من النصف، لو جرى التعامل معها بطرق سليمة، وتحويلها إلى سماد عضوي، بعد فرزها.
علينا العودة إلى مبادئ الاستهلاك البيئي ( (4Rالأول: تقليل الاستهلاك والترشيد في استهلاك السلع المختلفة، وبالتالي تخفيض إنتاج النفايات من المصدر. والثاني: إصلاح الأدوات المختلفة، وتجديد استعمالها بدل رميها، والثالث: إعادة الاستعمال للأدوات المختلفة وإجراء عمليات تبادل لها. والرابع: التدّوير بإعادة تصنيع المخلّفات المنزلية أو الصناعية أو الزراعية. ولكن، من دون أن تتحول النظافة إلى هاجس يومي، وثقافة تشكل التربية الأسرية والمدرسية والمجتمعية، مع فرض غرامات على الملوثين، سنظل نراوح مكاننا.

نفايات بين المنازل في منطقة جنين
أخبار قاسية
يحمل بريدك الالكتروني ثلاث رسائل متعاقبة، كلها من مدينتك، وتتحدث عن ممارسات قاتلة ضد الصحة والبيئة. يقول الأول: "أصدرت محكمة جنين (...) حكماً بالسجن لمدة عامين على مزارع بعد أن تم ضبطه يقوم بري مزروعاته بالمياه العادمة.
وذكر مصدر أمني في جنين أن جهاز الأمن الوقائي وبناءً على قرار من النيابة العامة وبالتعاون مع الضابطة الجمركية والزراعة، قاموا بإتلاف ثلاثة دونمات من البيوت البلاستيكية مزروعة بمنتج الخيار المروي بالمياه العادمة. وكانت قد أثارت قضية ري المزروعات بالمياه العادمة في جنين قبل أيام عند ضبط المزرعة، صدمة لدى الرأي العام الفلسطيني، سيما وأنها تمس مرتكزات الأمن الغذائي، ما يشكل كارثة صحية وعبثا بأرواح المواطنين."
أما الثاني فقال:" أتلفت طواقم الضابطة الجمركية ووزارة الزراعة اليوم الثلاثاء ألف كرتونة بيض غير صالحة للاستخدام في محافظة جنين. وأفادت إدارة العلاقات العامة والإعلام بالضابطة الجمركية في بيان لها، بأنه تم ضبط الكمية خلال القيام بأعمال الدورية الاعتيادية داخل سيارة نقل (شاحنة) بالمحافظة، حيث تم ضبط الكمية والتحفظ عليها بحضور جهة الاختصاص بوزارة الزراعة التي عاينت الكمية وتبين عدم صلاحيتها للاستخدام كونها مستعمله وتظهر عليها علامات العفن وانبعاث روائح كريهة منها وتتسبب في نقل الأمراض، حيث قررت اللجنة إتلافها على الفور استنادا لقرار وزارة الزراعة رقم 4202 الصادر بتاريخ 7/9 /2015 واستكمال الإجراءات القانونية اللازمة."
ويأتي الثالث على هذا النحو: "أتلفت دائرة الصحة والبيئة في بلدية جنين كمية من الطحين الفاسد غير الصالح للاستهلاك الآدمي، حيث تم ضبط 3600 كغم بأحد المخازن التجارية في المدينة .وأوضحت لجنة الإتلاف المكونة من البلدية ومديرية الاقتصاد الوطني ومديرية الصحة أنه بعد فحص العينات تبين وجود كميات كبيرة من السوس داخل الطحين نتيجة سوء التخزين، وتم مصادرة وإتلاف تلك الكمية بموجب محضر إتلاف..."
أما الأسئلة على خلفية هذا الأخبار القاسية فهي: لماذا لا يتم نشر أسماء الواقفين وراء هذه التجاوزات البيئية والصحية الخطيرة؟ وهل الأحكام والغرامات والإجراءات المرافقة تتناسب وحجم الأضرار؟ وماذا عن حالات الانتهاكات والتجاوزات المستمرة لصحتنا وبيئتنا، والتي لم نصل إليها بعد، أو لن نصل إليها في القريب؟ ومتى سنصل إلى "الأمن الأخضر" الحريص على البيئة ومكوناتها؟
 |
 |
حقل الخيار مروي بالمياه العادمة في جنين |
خيار مروي بالمياه العادمة |
عناوين مؤلمة
تتراكم في ذاكرة هاتفك رسائل قصيرة عديدة لأخبار وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) العاجلة. في الوارد أخبار لا تسر صديقاً على الأغلب، كحال: "الشرطة تضبط مخدرات وأشتال وأدوات للإنتاج والتعاطي بقيمة 70 مليون شيقل منذ مطلع العام الجاري"، و" الدفاع المدني يغلق إحدى مدن الملاهي، و6 منشآت تفتقر لشروط السلامة العامة في رام الله"، و" الشرطة والاستخبارات تضبطان 700 شتلة ماريجوانا في منطقة جبلية بين عبوين وعطارة"، و" الاقتصاد الوطني يتلف ما يقارب نصف طن لحوم فاسدة في الخليل"، و"إغلاق مسبح غير مستوفي لشروط السلامة والوقاية في محافظة جنين"، و"جودة البيئة تغلق مكب نفايات عشوائي، وتخطر بوقف عمل منشآت مخالفة في الخليل"، و"الزراعة تضبط 94 رأس غنم في دورا جنوب الخليل مهربة من إسرائيل ومصابة بالحمى المالطية والشرطة تعتقل المهرب"، وغيرها.
ما نحتاجه لوقف تتابع هذه الأخبار: تفعيل القانون بحزم، واعتبار البيئة والصحة خط مقدس، وصولًا إلى الوقاية لا المعالجة، وفرض عقوبات أشد وأقسى على أصحاب الضمائر العفنة.

aabdkh@yahoo.com