خاص بآفاق البيئة والتنمية
للكرة الأرضية مصادر بيئية معينة يتم تطويعها في سبيل توفير خدمات بيئية للبشر من أجل الرفاه الاجتماعي. هذه المصادر محدودة ولذلك مرتبطة بقيود. إذا تم تجاوز هذه القيود، قد نواجه خطر استنزاف قدرة الأرض على التجديد وبالتالي توفير المصادر والخدمات البيئية للبشر. ومع ازدياد الضغط البشري على المصادر البيئية، فإن الحاجة لإدارة حذرة ولتغيير على مستوى الكوكب يعدُّ ضرورياً (بوروك وآخرون، ٢٠١٣).
ما هي البصمة البيئية؟
البصمة البيئية هي أداة محتملة تستخدم لحساب حدود الكوكب البيولوجية بالإضافة إلى مدى تجاوز البشرية لهذه الحدود. هناك مقياسين يتم أخذهما بعين الاعتبار عند حساب قيمة الطلب والتزويد للخدمات البيئية المهمة، وهما البصمة البيئية والقدرة البيولوجية. البصمة البيئية تستخدم لقياس كمية الطلب السنوية التي تفرضها البشرية ونشاطاتها على النظام البيئي. أما القدرة البيولوجية فتستخدم لقياس مساحة الأراضي والمناطق البحرية البيولوجية الفعالة وقدرتها على تزويد البشرية بخدمات النظام البيئي (بوروك وآخرون، ٢٠١٣) .
البصمة البيئية تتمثل أساساً بتقسيم الأراضي بناء على استخداماتها اللازمة لتزويد الاحتياجات البشرية بخدمات النظام البيئي. وبالتالي، هناك خمسة أنواع أراضٍ كالتالي:
١. الأراضي الزراعية: هي المناطق المخصصة لزراعة المحاصيل الزراعية بالإضافة إلى منتجاتها، مثل الأعلاف الحيوانية وإنتاج الزيوت.
٢. أراضي الرعي: هي المناطق المخصصة لدعم وتربية المواشي، كالمروج أو المراعي.
٣. مناطق الصيد: هي المناطق المخصصة لقياس الكمية السنوية من الإنتاج البحري التي تضمن استمرارية الأنواع البحرية.
٤. أراضي الغابة: هي الغابات التي يتم استخدام مصادرها لتصنيع منتجات الخشب، أو من أجل إنتاج الوقود، ويتم قياسها سنوياً.
٥. الأراضي المخصصة للبناء: هي الأراضي التي تستخدم في تطوير البنية التحتية البشرية، مثل طرق المواصلات، المساكن البشرية والمباني الصناعية.
البصمة الكربونية:
هي أداة مخصصة لقياس كمية غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن مخلفات الانبعاثات التي تطلقها غازات الدفيئات الحرارية، كنتيجة للنشاطات البشرية. من الجدير بالعلم أن القدرة البيولوجية للبصمة الكربونية هي الوحيدة الغير محددة بوضوح حتى الآن.

(Global Footprint Network, n.d)البصمة البيئية
كيف تقوم بحساب بصمتك البيئية؟
هناك شبكة تدعى الشبكة العالمية للبصمة البيئية والتي تضم معظم المتمرسين في مجال البصمة البيئية. هذه الشبكة تمكن الأفراد والجماعات وحتى الدول من حساب المنطقة البيولوجية الفعالة اللازمة لتوفير المصادر التي يحتاجها البشر، بالإضافة إلى قدرة الكوكب على امتصاص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن النشاطات البشرية.
تتم العملية الحسابية بالأساس عن طريق إضافة المتطلبات البشرية للمصادر الطبيعية مع بعضها البعض، والتي تم ذكرها سابقاً كأنواع استخدامات الأراضي، ومن خلالها نستطيع معرفة مدى مساهمة كل فرد، أو مجموعة للبصمة البيئية العالمية. مجموع هذه المتطلبات والاستهلاك البشري للمواد بالإضافة للمخلفات الناتجة عن هذا الاستهلاك يتم التعبير عنه بالهكتار العالمي لكل فرد أو دولة. الهكتار العالمي هو وحدة قياسية تضم المتوسط السنوي البيولوجي الفعال لمساحة الأرض والبحر (شبكة البصمة العالمية).
عن طريق أخذ الاختبار المرفق في الرابط التالي، تستطيع أن تقوم بحساب بصمتك البيئية، واكتشاف عدد الكواكب اللازمة لدعم طريقة حياتك (من المفضل الضغط على زر "إضافة تفاصيل لتحسين الدقة" داخل الاختبار من أجل نتيجة أكثر دقة).
http://www.footprintcalculator.org/
البصمة البيئية في الإمارات العربية المتحدة وفلسطين
الدولة التي احتلت المرتبة الأولى عالميا بمعدلات البصمة البيئية هي الإمارات العربية المتحدة، بحيث أن نصيب الفرد من البصمة البيئية فيها هو أكبر نصيب للفرد في العالم بناء على تقرير قامت به الشبكة العالمية للبصمة البيئية عام ٢٠٠٦. بلغ نصيب الفرد فيها ١٢ هكتار عالمي، أي ما يعادل ١٢٠ دونماً للفرد. قامت الشبكة العالمية للبصمة البيئية بالاتحاد مع الحكومة الإماراتية بالإضافة إلى عدد من الوزارات البيئية الإماراتية بمبادرة من أجل فهم الأرقام والمنهجية وراء هذا التصنيف الذي حصلت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة. هذه المبادرة وضعت الإمارات في طريقها لتصبح ثالث دولة في العالم بعد سويسرا واليابان لإجراء بحث معمق عن بصمتها البيئية. وهي الآن تطرح نموذجا هاما للدول في استخدام البصمة البيئية لقياس أنماط الاستهلاك البشري، وترشيد سياسات فعالة للتخفيف من البصمة البيئية (شبكة البصمة العالمية، ٢٠١٥).
أما في السياق الفلسطيني، فإن البصمة البيئية في فلسطين وبالأخص في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة كما عبر عنها كرزم (٢٠١٦)، فبلغت ٤.٦ دونماً للفرد في عام ٢٠١٣ مقارنة بالمعدل العالمي للبصمة البيئية (٢٢ دونم للفرد أي ما يعادل ٢.٢ هكتار عالمي). بينما القدرة البيولوجية هي عبارة عن ١.٣ دونم للفرد في فلسطين، ولذلك فإن العجز الفلسطيني يتمثل ب ٣.٣ دونم. هذا العجز هو نتاج الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، والمتمثلة جزئيا بالاستيلاء على الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى تهجير الفلسطينيين عن أراضيهم ومواردهم المائية، وما يترتب على بناء المستوطنات من تدمير للأراضي والتنوع البيولوجي.
البصمتان الفلسطينية والإسرائيلية
بالإضافة إلى الممارسات الإسرائيلية من مصادرة للموارد الطبيعية وحرمان الشعب الفلسطيني منها، فإن هناك عوامل أخرى قد تفسر سبب العجز الذي تعاني منه فلسطين على مستوى البصمة البيئية. فمحدودية المساحة المتوفرة في ظل الكثافة السكانية المرتفعة وفي غزة بشكل خاص، يترتب عليها زيادة في استهلاك المياه ومصادر الطاقة، ما يزيد من كمية العجز البيولوجي الذي تعاني منه الضفة والقطاع في السنوات الأخيرة. هناك أيضا زيادة في كمية النفايات الناتجة في فلسطين، إذ ازدادت لتصبح ١.٧٠ مليون طن تقريبا في عام ٢٠١٥. ومع أن الضفة والقطاع تعانيان عجزا معينا بالقدرة البيولوجية إلا أن بصمتهما البيئية هي الأقل مقارنة بالدول المحيطة بها (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ٢٠١٥).
من الجدير بالذكر أن اسرائيل تعتبر من أكبر الدول التي تمتلك بصمة بيئية عالية، فقد بلغت بصمتها البيئية أي كمية الطلب على الموارد البيئية ٥٥ دونما للفرد، بينما تعاني عجزاً بالقدرة البيولوجية بما يعادل ٥١ دونماً للفرد. السبب وراء هذا العجز الكبير هو سوء استخدام إسرائيل للموارد الطبيعية التي تم نهبها من الفلسطينيين لحد الاستنزاف ( كرزم، ٢٠١٦).
معدلات الخصوبة والازدياد السكاني الكبير في إسرائيل هما من العوامل الرئيسية المساهمة في بصمتها البيئية الكبيرة. المعدل الإنجابي للمرأة الإسرائيلية يعادل ثلاثة أطفال لكل امرأة، وهذا تقريبا ضعف معدل الخصوبة للمرأة في الدول الصناعية.
الازدياد السكاني يضع بطبيعة الحال ضغطا كبيرا على الموارد البيئية كما تم ذكره سابقا، لكن الازدياد السكاني هو ليس المساهم الوحيد في هذا الاستنزاف للموارد. إن مستوى الاستهلاك المرتبط بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي يلعب دورا كبيرا، إلى جانب كمية الواردات والصادرات بحيث أن إسرائيل تصدر معظم منتوجها الغذائي، وتستورد أكثر من ٥٥٪ من سعراتها الغذائية (ديجان، ٢٠١٧).
إن ما تقوم به إسرائيل هو ليس استنزاف للموارد الطبيعية فحسب، بل هي تساهم بشكل كبير في الارتفاع الحراري في عدة مناطق تشمل المنطقة الساحلية الوسطى والنقب. لقد أدى الارتفاع الكبير في مستويات الغازات المنبعثة وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون إلى تغيير مناخي ملحوظ، فقد زادت درجات الحرارة بنسبة درجة ونصف والتي تعادل تقريباً ضعف معدل التسخين العالمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد إسرائيل حتى الآن على طرق بدائية لتوليد الطاقة وبالتحديد عن طريق حرق الفحم، يزيد من نسب انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون. وبناء على ذلك، فإن المعدل السنوي للانبعاثات الغازية في إسرائيل يساوي أكثر من ١٢ طناً للفرد مقارنة ب ١٠.٥ طن للفرد في الدول الأوروبية، و ٠.٨ طن للفرد في الضفة وقطاع غزة (كرزم، ٢٠١٦).
هناك اختلاف كبير في البصمة البيئية ومستويات العجز بين كل من مناطق السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهذا الاختلاف ناتج أساسا عن الأسباب التي تم ذكرها سابقا. لكن بشكل عام، وبناء على تقرير قامت به الشبكة العالمية للبصمة البيئية مستندةً على معطيات لعام ٢٠١٠، فإن جميع دول حوض البحر الأبيض المتوسط تعاني عجزا بيئيا يختلف من دولة لأخرى.
وقد تمت ملاحظة علاقة بين مستوى دخل الفرد ومستوى العجز البيئي. فالدول التي ترتفع فيها مستويات الدخل الفردي، يرتفع طلبها على الموارد البيئية وبالتالي يزداد الضغط الواقع على القدرة البيولوجية لتلك المنطقة.
أما الدول التي تعيش في رفاهية على حساب الدول ذات مستويات الدخل المتدنية كالمثال الفلسطيني الإسرائيلي، بحاجة لإعادة تقييم سياساتها وترشيد استهلاكها للموارد الطبيعية بهدف الوصول لمستوى متساوٍ بين القدرة البيولوجية والطلب. النتيجة ستكون التقليل من حجم البصمة البيئية العالمية، بالإضافة إلى الفروقات الكبيرة في مستويات المعيشة بين هذه الدول.
المصادر:
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. ٢٠١٥. الإحصاء الفلسطيني يصدر بياناً صحفيا عشية يوم البيئة العالمي. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. متواجد على: http://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=1414
الشبكة العالمية للبصمة البيئية. لا تاريخ. دراسة وتحليل: مبادرة البصمة البيئية لدول منطقة البحر المتوسط. الشبكة العالمية للبصمة البيئية.
كرزم، ج. ٢٠١٦. الدور الإسرائيلي في تفاقم ظاهرة التغير المناخي. مجلة آفاق البيئة والتنمية، عدد (٨٨).
Borucke, M. et al. 2013. Accounting for demand and supply of the biosphere’s regenerative capacity: The national footprint accounts’ underlying methodology and framework. Ecological indicators 24, pp. 518-533.
Deegan, B. 2017. Israel’s overshoot of biocapacity: The highest in the OECD. The Jerusalem post. Available at:
http://www.jpost.com/Opinion/Israels-overshoot-of-biocapacity-The-highest-in-the-OECD-501445 [Accessed: 27 September 2017]
Global Footprint Network. 2015. United Arab Emirates. Global Footprint Network. Available at: http://www.footprintnetwork.org/2015/11/18/united-arab-emirates/ [ Accessed: 26 September 2017]
Global footprint Network. n.d. FAQs. Global Footprint Network. Available at: http://www.footprintnetwork.org/faq/ [Accessed: 26 September 2017]
Resources:
The ecological footprint measures. N.d. Global Footprint Network. Available at: http://www.footprintnetwork.org/our-work/ecological-footprint/ [Accessed: 26 September 2017]