هل هناك علاقة بين التصحر الذي تتعرض له السفوح الشرقية لجبال فلسطين الوسطى والتنمية فيها؟
الآء عبد القادر / جامعة بيرزيت (دائرة الجغرافيا)

الملخص: جاءت هذه الدراسة للحديث عن ظاهرة التصحر في السفوح الشرقية لجبال فلسطين الوسطى والعوامل الطبيعية والبشرية التي ساعدت في تسريع انتشار الظاهرة، وإبتلاعها لمساحات رعوية واسعة، وآثار ذلك على البشر والتربة والحيوانات والتنوع الحيوي، أي "تقييم خطورة الظاهرة" عبر تناول درجات التصحر الذي تتعرض له المنطقة، والإشارة للطرق التي من الممكن استخدامها للعمل الميداني وحتى الدراسة النظرية، ومن ثم القيام بوضع عددٍ من الحلول التي تساعد في الحد من الظاهرة.
المقدمة: تعاني مناطق السفوح الشرقية لجبال فلسطين الوسطى من مشكلة خطرة باتت تنتشر بشكل سريع وتعيق عمليات التنمية على مختلف المستويات والتي تعرف بالتصحر، وقد عُرّفت هذه الظاهرة من قبل منظمة اليونيب UNEP التابعة للأمم المتحدة على أنها عبارة عن انخفاض أو تدهور تدريجي في مستويات القدرة الإنتاجية البيولوجية للأرض ذات القابلية الزراعية والرعوية وأراضي الغابات في المناطق الجافة وشبه الجافة والمناطق القاحلة شبه الرطبة، وذلك نتيجة التأثير المزدوج من تغير الظروف المناخية وتذبذبها بفعل الأنشطة البشرية ذات التأثير السلبي الخطير والعوامل الطبيعية، ما يؤدي إلى أوضاع شبه صحراوية، تسبب صعوبة التأقلم خاصة إن لم يكن هناك حلول جدية وجذرية من قبل الجهات المسؤولة، وينعكس ذلك على عمليات التنمية على كافة المستويات.
وقد بات اليوم من المهم إيلاء تلك الظاهرة الصدارة في خطط التنمية قريبة المدى أو البعيدة، عبر التعاون بين الدول على مختلف المستويات، لأن التدهور في الأنظمة البيئية الناتجة عن التصحر يؤثّر سلباً على الأنظمة البيئية البرية كماً ونوعاً.
وقد حوّل التصحر السفوح الشرقية إلى مناطق جافة بسبب طبيعة النظام البيئي الهش وتراجع الخصائص الطبيعية، وقد ترتب على ذلك تراجع الغطاء النباتي الطبيعي وإنقراض الكثير من الأنواع بالإضافة إلى التراجع الكبير في مساحة المراعي، ولا يمكن حصر نوع بعينه من الموارد الطبيعية تحت قائمة الأنواع أو الموارد المعرضة للتصحر، ولكن يمكن القول بأن الموارد الطبيعية على مختلف أنواعها تعاني من تصحرٍ شديد يبدو جلياً على السفوح الشرقية لجبال فلسطين الوسطى(الجوذري، 2002).

إن تضافر العديد من العوامل الطبيعية والبشرية ساهمت في تغيير النظام البيئي الطبيعي وإخلال توازنه، ومن العوامل البشرية التي لعبت دوراً في ذلك حسب العديد من الدراسات ومنها: (شعبان، 2011) و(جرينجر، 2002) و(الجوذري، 2016 ) عمليات التحطيب في ظل غياب خطط لاستزراع الأشجار بنفس الدرجة، الأمر الذي أدى إلى تعرية التربة في مناطق السفوح الشرقية، التي لا تعاني فقط من التعرية وإنما من الإنجراف نتيجة ازدياد معدل الإنحدار، وينعكس ذلك على كثافة الغطاء النباتي عدا عن الاستخدام المكثف للمبيدات الكيماوية، والقطع الجائر والمبكر والرعي الجائر والزحف العمراني على حساب الأراضي الزراعية والرعوية، وإستنزاف الموارد المائية بشكل مكثف في ظل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة وتذبذب كميات الأمطار الساقطة وتراجعها سنوياً، وهبوب رياح الخماسين وزحف الكثبان الرملية.
كما تؤدي الحرائق إلى إفساد المواد العضوية الموجودة داخل التربة، عدا عن تراجع أعداد الكائنات الحية جراء تناقص جودة ومساحة المراعي والتي تلعب دوراً هاماً في إخصاب التربة.
درجات التصحر: تعتبر ظاهرة التصحر من المشاكل الهامة ذات الآثار السلبية لعدد كبير من دول العالم، خاصة تلك الواقعة تحت ظروف مناخية جافة أو شبه الجافة وشبه الرطبة، وقد ظهرت أهمية تلك المشكلة مؤخراً في العقدين الأخيرين بشكل كبير وذلك للتأثير السلبي الذي خلفته على مختلف الأصعدة سواء البيئية، الإقتصادية، الإجتماعية والسياسية. وعلى الرغم من قدم ظاهرة التصحرّ، إلا أنها باتت مؤخراً تشكّل تهديداً لمساحات كبيرة جداً وأعداد هائلة من السكان بالجوع والتشرد والقحط.
وقد أكدت العديد من الدراسات أن هناك إختلافاً بحالات التصحر ودرجات خطورته من منطقة لأخرى، تبعاً لإختلاف نوعية العلاقة بين البيئة الطبيعية من جهة، والإنسان من جهة أخرى.
وهناك أربع حالات للتصحر وفق دراسة للأمم المتحدة تتمثل في:
- التصحر الخفيف Slight Desertification: وأهم ما يميزه إنخفاض نسبة كثافة وأنواع النباتات عالية الإستساغة خاصة النباتات المعمرة، وزيادة نسبة النباتات منخفضة الإستساغة.
-التصحر المعتدل Moderate Desertification: وأهم ما يميزه زيادة ملوحة التربة.
-التصحر الشديد Sever Desertification: يتميز بازدياد نشاط إنجراف التربة بفعل الماء والهواء، الأمر الذي يؤدي إلى تعرية التربة وتكوين الأخاديد الكبيرة.
-التصحر الشديد جداً Very Severe Desertification وهو الذي يفقِدُ البيئة معظم قدراتها البيولوجية ويحيلها تقريباً لنمط من الصحاري يسود الإقليم الصحراوي.
دلائل التصحر في السفوح الشرقية
وقد أكدت دراسة (شعبان، 2011) ودراسة (جرينجر، 2002) أن مناطق السفوح الشرقية تمر بدرجات متفاوتة من الدرجات سابقة الذكر، لذا لا بد من إيجاد حلول سريعة، لتفادي انتشار التصحر لمساحات أكبر وفقدان الكثير من الأراضي التي كانت صالحة للزراعة.
مما سبق يمكن إجمال دلائل التصحر في السفوح الشرقية لجبال فلسطين الوسطى بالتالي :
التغيرات المناخية كإحدى الدلائل الطبيعية والتي تتمثل بتذبذب كميات الأمطار والجفاف الأمر الذي أدى إلى تدهور التربة المتمثل بالإزالة الجزئية أو الكلية للمواد المفككة التي تتكون منها التربة، سواء كان ذلك بفعل المياه أو الرياح عدا عن التكشفات الصخرية، بالإضافة إلى تملح التربة الذي يؤدي إلى إعاقة نمو النباتات نتيجة لصعوبة إمتصاص جذور النباتات الرطبة، وكذلك إتلاف أنسجة الأوراق وتدهور الغطاء النباتي والذي يتمثل بإختفاء العديد من الأنواع المستساغة وظهور الأنواع الغير مستساغة. أما الدلائل البشرية على التصحر في المنطقة فتتمثل فيما يلي:
نمط الحياة البدوية وانتشار بيوت الشعر والصفيح، بالإضافة إلى تناقص أعداد الحيوانات نتيجة الجفاف وإرتفاع أسعار الأعلاف وهجرة الأراضي الناتج عن قلة الماء، والتحول لمهنٍ أخرى الأمر الذي جعل الأراضي عرضةً لخطر التصحر والممارسات الخاطئة سابقة الذكر.
التصحر والتنمية
لم ترقَ وسائل مكافحة التصحر بعد إلى مستوى التهديد الذي يمثله على مستوى الأصعدة البيئية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية والسياسية والأمنية، لذا بات من الضروري إعطاءه قمة الصدارة في خطط التنمية كنظرة بعيدة المدى وإدارة رشيدة لموارد البيئة الطبيعية على كافة المستويات، بالإضافة إلى التعاون العربي والدولي والإقليمي لعدم وجود حلول سريعة لتلك الظاهرة.
ولأن الإنسان يتفاعل مع البيئة بصورة لا يراعي فيها تحقيق أهدافه ومصالحه على المستوى البعيد، فهناك على سبيل المثال إستنزاف غير رشيد للموارد الطبيعية والبيئية في منطقة السفوح الشرقية لجبال فلسطين الوسطى، والذي يتمثل في إقامة المناطق السكنية والتوسع الحضري على الأراضي الزراعية وتحويلها من أراضي خصبة منتجة تمد السكان بمكونات الحياة إلى مناطق عمرانية.
وتعتمد مبادئ التنمية المستدامة على التخطيط السليم لإستخدامات الأرض والمحافظة على الأراضي الزراعية، وعدم إهدار تربتها أو تلويثها أو تعرضها للتصحر، لأنها مصدر إنتاج الغذاء للسكان المتزايد عددهم عاماً بعد آخر، فتلك الممارسات تتنافى مع مبادئ التنمية التي تحثُّ على الإستهلاك الرشيد للموارد، ولا ننكر أيضاً أن بعض العوامل الطبيعية وأهمها التغير المناخي أحد العوائق أمام التنمية، ولكن ساهمت أيضاً الأنشطة البشرية في ذلك، ما يلزمُ الإنسان في البدء بتغيير سلوكياته من أجل القدرة على تطبيق البنود والحلول التي توضع بشأن ذلك، حيث لا توجد تنمية ما دام البشر مستمرون بتلك التوجهات السلبية وبالتالي المزيد من المشاكل الخطرة المحدقة بهم.
يجمع العديد من الكتاب كأمثال الجوذري بأن التصحر إحدى مظاهر التخلف الذي يؤدي إلى وقوع الدول والبشر الأكثر فقراً ضحية خطر الجوع والحرمان والتشرد، وقد أشار جرينجر إلى أنه يمكن تفسير أسباب عدم نجاح جهود مكافحة التصحر نتيجة نقص الإهتمام أو الوعي لدى الحكومات والهيئات التنموية، وما زالت بعض الحكومات حتى الآن تتعامل مع التصحر على أنه مجرد مشكلة بيئية أكثر من التعامل معه كمصدر تهديد للزراعة وتقويض آمال وطموحات التنمية الإقتصادية والقومية.
على الرغم من التقدم التكنولوجي العالمي في مختلف المجالات، إلا أن مناطق الأراضي الجافة ما زالت تعاني من ضعف نسبي في مستويات التكنولوجيا، مما يعني أن أي إستيراد تكنولوجي يجب أن يسير ضمن أطرٍ من العناية خاصة في ظل عدم وجود فنيين مؤهلين، وإن دلّ على شيء فيدل على أن التقدم والتنمية يقتصران فقط على مناطق معينة، فيما تُحرم المناطق التي تتعرض للتصحر منها.
نتائج الدراسة
بعد دراسةِ ظاهرة التصحر في المنحدرات الشرقية لجبال فلسطين الوسطى، تم التوصل إلى العديد من النتائج والتي أكدتها عدد من الدراسات ومنها دراسة (شعبان، 2011) ودراسة (عبد الله، 2010) بالإضافة إلى دراسة (نسيم، 1994 )، حيث أن أهم تلك النتائج يتمثل في: تضافر العديد من العوامل الطبيعية والبشرية في تصحر السفوح الشرقية لجبال فلسطين الوسطى عدا عن أنشطة السكان المحليين غير الرشيدة والتي تتمثل في التحطيب والقطع الجائر والرعي الجائر والمبكر بالإضافة إلى المخلفات الصناعية والتي كان لها الدور الأكبر بتعرية التربة والتأثير على كثافة الغطاء النباتي مسببة في ذلك تسريع إنتشار ظاهرة التصحر.
كما أن نقص المصادر المائية في ظل التغيرات المناخية، أدى أيضاً إلى تضاءل أعداد الماشية والتأثير على إنتاجيتها وإنتاجية المراعي، وساهم في تعرض التربة للانجراف أيضاً، ويمكن القول بأن ذلك يؤدي لتدهور خصائص التربة الكيميائية والفيزيائية كارتفاع نسبة ملوحتها ما أدى إلى التأثير على التنوع الحيوي وإختفاء بعض الأنواع، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة النباتات غير المستساغة والتي من المحتمل أن تزداد أكثر في المستقبل، والتمدد العمراني على حساب الأراضي الرعوية، بالإضافة إلى شق الطرق الإلتفافية، عدا عن محدودية أراضي الرعي وتركيزها على مناطق معينة.
الحلول
بعد الإطلاع على نتائج الأبحاث التي اختصت بمنطقة الدراسة تبين أنها أجمعت على العديد من الحلول التي من الممكن أن تحدّ من مشكلة التصحر، ومن بين تلك الدراسات دراسة (القصاص (1999 ودراسة (الجندي 2013 )، ومنها:
- العمل على تنمية الموارد الرعوية وخاصة الغطاء النباتي عن طريق إيجاد حلول للحد من إنتشار النباتات الغير مستساغة والعمل على حماية وإكثار النباتات المستساغة كالرتم، حيث أن منطقة السفوح الشرقية لجبال فلسطين الوسطى تتعرض لتصحر تدريجي إبتداءً من التصحر الخفيف إلى التصحر الشديد جداً، لذا يجب العمل على حماية الجزء الذي تعرض للتصحر الخفيف، ومن ثم ذلك الذي تعرض لتصحر شديد وشديد جدا.
التوصيات
أهم ما يلفت انتباه أي باحث هو نقص البيانات الحيوية المتعلقة بالمنطقة، ولا سيما البيانات المناخية والبحث عن عوامل أخرى أدت إلى تعرض المنطقة لخطر التصحر لذا توصي الدراسة بـ:
-ضرورة عمل الدراسات المسحية على الرغم من أنها مكلفة وصعبة، إلا أن لها دوراً هاماً في توفير قاعدة معلومات متجددة على الموارد الطبيعية ووضعها تحت تصريف الباحثين والمهتمين في المجالات والمؤسسات المختلفة.
- قيام الجهات المختصة بتنظيم الرعي بما يتناسب مع واقع المراعي وحمولتها الرعوية.
- تعزيز مفهوم الوعي البيئي لدى السكان وتعريفهم بأهمية التوازن البيئي للحد من الممارسات السلبية تجاه البيئة ووضع مخالفات مالية على من يقوم بتلويثها.
- العمل على إعداد الخطط التنموية المستدامة كإنشاء المحميات وزراعتها بنباتات رعوية مستساغة كالرتم والقطف، من أجل مكافحة التصحر وحماية الغطاء النباتي من التدهور.
- حفر الآبار من أجل تخزين مياه الأمطار والقدرة على مجابهة نقص المياه الذي يتعرض له السكان.
-العمل على إعداد مراكز ومؤسسات لتدريب وتخريج فنيين لديهم القدرة على مواجهة المشاكل والتغيرات البيئية.
الخلاصة
توصّلت الدراسة إلى أن التصحر في السفوح الشرقية لجبال فلسطين الوسطى، من أخطر المشكلات البيئية التي تواجه المناطق الفلسطينية، ويضع ذلك السكان تحت طائلة الجوع والتشرد والتردي الاقتصادي وتراجع صحة وأعداد الحيوانات. كما كان لسوء استخدام الأرض والفقر والتأخر الإقتصادي أثر لازدياد ظاهرة التصحر، عدا السياسات الحكومية غير الموجهة والتي تغض البصر عن صيانة أو تحسين الأنظمة الزراعية التقليدية.
مشكلة التصحر تتيح لنا النظر في العلاقات القائمة بين البيئة والتنمية، وتكشف عن مدى القصور في قدرتنا على إدارة الموارد الطبيعية، ومدى الإهمال العالمي تجاه تلك الظاهرة .
المراجع :
القصاص، محمد عبد الفتاح . 1999 . التصحر "تدهور الأراضي في المناطق الجافة . الكويت : المجلس الوطني للثقافة الفنون والآداب .
الجندي، محمود . 2013 . أثر التوجه الجغرافي في خطط التنمية في الوطن العربي "التصحر نموذجاً". مجلة المستقبل العربي . مج 36 : ص 55-73 . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية .
الهيتي، صبري . 2011 . التصحر "مفهومه- أسبابه- مخاطره-مكافحته" . دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع .
الجوذري، علي حمزة . 2016 . التصحر "مفهومه-مظاهره-حالاته-أسبابه الطبيعية والبشرية وبعض تأثيراته البيئية ووسائل مكافحته . عمان : الدار المنهجية للنشر والتوزيع .
جرينجر، آلان . 2002 . التصحر "التهديد المجابهة" . صادر عن المجلس الأعلى للثقافة .
حسن، محمد . 2014 . مقومات التصحر وأشكاله والكثبان الرملية . المكتبة المصرية للنشر والتوزيع .
شعبان، أسامة . 2011 . التصحر . دار الفجر للنشر والتوزيع .
عبد الله، جدوع . 2010 . التصحر : تدهور النظام البيئي . عمان : دار دجلة للنشر والتوزيع .
نسيم، جورجي . 1994 . تصحر الأراضي مشكلة عربية وعالمية . الإسكندرية : منشأة المعارف للنشر والتوزيع .
Dudeen, Basim Ahmad (2007): Land Degradation In Palestine Main Factors, Present Status and Trends, Recommended Action. Land Research Center, Soil and Environment Department, Jerusalem.