خاص بآفاق البيئة والتنمية
حر
نعيش ربيعًا حاراً، ومتقلب المزاج، بعد شتاء خجول. تبدو الأرض في حال حزين، الأعشاب البرية، والمحاصيل الشتوية، والأشجار، وكل شيء تقريبًا يبدو منهكًا بفعل يومين حارين في قلب الربيع، فقد كان 21 و22 نيسان الفائت وكأنهما من آب أو تموز، بدرجات حرارة متطرفة، فاقت المعدل العام بـ 12 درجة، فيما هبطت الحرارة يوم 23 نيسان، وفي غضون 24 ساعة إلى ثلاث درجات أقل من المعدل، بفارق 15 درجة عن اليوم السابق!
|
|
أرض عطشى خلال شهر نيسان في مرج ابن عامر |
|
يبدو أننا سنكون رهائن للشمس، وسنشهد جفافًا، وجنونًا في الصيف القادم، وربما سيدفع المزارعون الثمن الباهظ للتغير المناخي، فهم في سباق مع القرص الأصفر لتأمين احتياجات مزروعاتهم من المياه، في المقابل تعاني الآبار السطحية التي يملكونها تذبذباً، ولم تتجاوز الأمطار ثلاثة أرباع الموسم الشتوي، فيما تنهب مياهنا منذ خمسين سنة.
توصيف
أنجب السبعيني أمين يوسف أبو عرّة 19 من الأبناء والبنات، و95 حفيدًا، وارتبط بزوجتين، وأخرجه والده من المدرسة لرعي الغنم في سن الثامنة، وصار يعمل في حراثة الأرض قبل الثانية عشرة، وانتقل إلى التجارة، والعمل داخل الخط الأخضر، ثم افتتح مطحنة للقمح.
يقول: في السابق كانت الحياة أفضل، وكنا نفطر على الكراديش ( خبز الذرة أو الشعير)، ونشرب الماء والبصل معًا، واليوم لا طعم لما نُدخله إلى أجسامنا. وكل الخضروات التي نتناولها مسمومة، ولا رائحة لها.
ويتحسر أبو عرة على الزمن الجميل الذي مضى، ويرفض حمل الأجهزة الخليوية، ويؤكد أن الحياة اليوم معقدة، وصحة الناس متدهورة، بسبب ما يأكلون، مثلما انتزعت البركة من الأرض، وتراجعت الأمطار.
أشجار زيتون مهملة تماما
تقصيّر
تراقب منذ فترة هجرة الناس لأرضهم في ميزة تبدو غالبة، وهو أمر مؤسف، تقابله بعض النماذج الإيجابية التي تبادر وتعود إلى الثرى.
المُعيب أن نشاهد حقولاً وأشجار زيتون مهملة تمامًا، إذ تخفي الأعشاب والأشواك أحيانًا الشجرة أو تفوقها في الارتفاع.
تفتش عن أسباب ذلك، فتجد أنها عائدة لتراجع التربية وتعزيز الانتماء للأرض، وعدم تعليم الأبناء الالتصاق بها، والكسل والخمول والعجز لفئات كثيرة، والانشغال بأولويات بعيدة عن الأرض، ومرض أو وفاة الحرس القديم من المزارعين والمالكين، وتفتت الملكية على عدد كبير من الأبناء، وتعامل الشبان تحديدًا مع الأرض باستعلاء، باعتبار أن من يشتغل في أرضه سيخسر، واختلاق الذرائع بأن الأرض ليست منتجة اقتصاديًا، أو أنها تحتاج لصاحب بنية قوية، وغيرها.
تستعير المثل الهندي الأحمر: "الأرض لم نرثها من أسلافنا، وإنما نوفرها لأحفادنا." وتكتشف حجم الفجوة بين الأرض وحراسها المفترضين.
"فيس"
تتخذ منذ مطلع الخريف الماضي قراراً بعدم النشر أو التفاعل مع مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) و(توتير)، وتكتفي باستخدام المراسلات الإلكترونية الفورية التي توفرها بعض التطبيقات.
خلال ثمانية أشهر ( 240 يومًا بالتمام)، تكتشف حقيقة غائبة حاضرة: إذا كنت تنفق يوميًا ساعتين في هذا المكان المُتخّيل، فأنك وفرت 480 ساعة ( 20 يومًا بليلها ونهارها)، ستكون كفيلة مثلاً بأن تغرس حقلاً كاملاً، أو تمشي في الطبيعة الخلابة، أو تصنع الطعام، أو تجلس مع العائلة، أو تمارس هواية ما.
الجميل في هجرة "العالم الأزرق" توفير الوقت، والتخلص من حوارات لا طائل منها، تنتهي في الغالب إلى جدل بيزنطي عقيم، وتكشف عن أزمة كبرى في عدم قبول الآخر والمختلف.
لنتصور أن في حسابك 1500 صديق، وعليك الاهتمام بكل ما ينشرونه، عندها ستخصص 5 ساعات على الأقل في اليوم الواحد لتتبعهم ولمناقشتهم والإعجاب بما يقدمونه، وبين أخذ ورد، ورد مضاد، ومجاملة، وحديث، وتفاعل ستحتاج لتمديد إضافي.
العالم الافتراضي يفتت الوقت، والغريب أنه متداخل جدًا، فخلال دقيقة واحدة أو أقل، تتنقل بين الفرح، والحزن، والمطبخ، والأزياء، والسياسة، والصحة، والوعظ، والرياضة، والأدب، والطبيعة، والخيال، والعلم، والشعر، والصدق، والكذب، والنفاق، كما أنك تتطوع بالمجان للكشف عن مكان وجودك، ومزاجك العام، ورأيك، ومعتقداتك، وخصوصيتك، وطعامك، وشرابك، ومناسباتك الخاصة، وغيرها.
برأيي أننا لم نفهم بعد مقاصد "الإعلام الجديد"، ولا يمكن مثلاً لمن يسجل إعجابًا على إعلان وفاة عزيز لأحد الأصدقاء بوسعه الدفاع الموضوعي عن أهمية وسائل التواصل السريعة، أو حيويتها، أو ضرورتها، أو أدوراها، فجل استخداماتنا لها، تبعدنا عن الحوار الفعّال، والنتيجة المرجوة، وليس غريباً أن نجد تخوينا،ً أو تحقيراً، أو تكفيرًا، أو كذبًا، أو تصفيقاً في عالم ندعي أنه وجد للتواصل الإنساني الحافل بمشاعر الصدق والود!
ورغم ذلك، هناك مساحات ومبادرات جميلة في هذا العالم الافتراضي، لكنها قياسًا بعدد "الغارقين" فيه متواضعة.
حوار
تحاور شابًا لبنانياً عبر الهاتف، يقول إنه يمتلك تحليلات جوية غير مألوفة، وسبق أن وصلت توقعاته إلى نحو 85% من الدقة.
بدأ زين الشمري، المولود في طرابلس عام 1995 توجهاته المناخية قبل سنة ونصف، وتتلمذ في معهد بريطاني، ويقول إنه يعتمد على "اليوغا" التي لا تقتصر على التأمل بل قوة التفكير والتنبؤ، وينحاز للخرائط البريطانية، ويقدم توقعات لخمسة عشر شهراً، ويؤكد أننا سندخل عصراً جليديًا وشيكًا، ويربط بين عدم تساقط ثلوج كثيفة ومتكررة هذا الموسم في الأردن وفلسطين بتجارب استمطار خلفت مادة (الكميترل) التي أربكت المناخ، ويتوقع زلزالاً في الخليج العربي بسبب الفروقات الهائلة في الضغط الجوي!
مما يتوقعه الشاب خريج إحدى المعاهد التقنية، والعامل في المفروشات: نشاط ممطر ورياح قوية وحرارة قليلة في أيار، ونشاط مطري مماثل في حزيران وأجواء صيفية معتدلة، وموجة حارة واحدة في تموز، وموجة مماثلة في آب ومنخفض ممطر، وأجواء شتوية في أيلول، وأمطار غزيرة وحرارة منخفضة في تشرين الأول، وأجواء شتوية ثقيلة في تشرين الثاني وكانون الأول 2017 وكانون الثاني 2018!
تنشر توقعات الشمري بتحفظ، وتتابع ما سيحمله لنا الصيف والخريف والشتاء القادم، وتتمنى أن نعيش شتاء واحدًا يعيد العافية لبيئتنا العطشى.
aabdkh@yahoo.com