مع تزايد حجم المشكلات البيئية تطور إهتمام الفكر الإنساني بالبيئة خاصة في الدول المتقدمة منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، في حين أن الدول النامية لم تعطِ الاهتمام والمبادرة الكافية لحماية البيئة آنذاك، حيث اهتمت بالتنمية الصناعية، ولم تتفاعل بشكل إيجابي مع قضايا البيئة التي اعتبرتها قضايا ثانوية وهامشية.
إن ما حدث من تفاقم للمشكلات البيئية على مستوى العالم، كان نتيجةً للتركيز على رفع مستوى النمو الاقتصادي من خلال تزايد الاستغلال والاستنزاف للموارد البيئية، دون الاهتمام بالآثارالسلبية المضرة به وبمحيطه البيئي.
ومع تزايد الضغوط البيئية من النمو الاقتصادي تحولت التحديات لتحقيق التنمية المستدامة من خلال التحول من النمو غير المستدام بيئيًا، والمعروف بالنمو أولاً ثم النظيف أخيرًا نحو مفهوم جديد يقوم على النمو الاقتصادي المستدام بيئيًا فيما يعرف ( بالإقتصاد الأخضر)، فالإقتصاد الأخضر ليس جديدًا فهو ينمو جنبًا إلى جنب مع الحركة البيئية، ويطرح رؤية لحياة اقتصادية عادلة ومستدامة .
لقد أثبتت الدراسات التي قام بها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن تطبيق منهج الإقتصاد الأخضر يعود بنتائج إيجابية بصفة عامة في مختلف القطاعات، كما أثبتت الدراسات أيضًا أن الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة يخلق فرص عمل أكثر من الاستثمار في مجال الطاقة التقليدية.
إن المرحلة الانتقالية التي تمر بها الدول العربية في الوقت الحالي تتطلب تبني منهج غير تقليدي للتنمية، بحيث يمكّن الدولة من مواجهة التحديات الإقتصادية، والإجتماعية التي تواجهها حتى يضمن حياة كريمة وعادلة للمواطنين، فالمرحلة الحالية تحمل الكثير من التحديات التي تمنح صانع القرار فرصة سانحة لصياغة رؤية مستقبلية وتصوُر لتحقيق التنمية في الوطن العربي بما يتفق مع الأولويات والمتطلبات التي تفرضها المرحلة، وأيضًا الاتجاهات العالمية للتنمية المستدامة.
لقد افتقدت الدول العربية لسنوات عديدة وجود رؤية إستراتيجية ومستقبلية لتحقيق التنمية، لذلك فإن تبنيها منهج التنمية المستدامة والتحول إلى الإقتصاد الأخضر كنمط ابتكاري وغير تقليدي للتنمية يمكن أن يمثل رؤية مستقبلية لما يمكن أن يساهم به هذا المنهج في إحداث طفرة نوعية (غير عادية) للتنمية مقارنة بالتنمية التي انتهجتها الدول المتقدمة، وبالمثل سارت على هذه الخطوات معظم الدول النامية وأدت إلى فشل ذريع في تحقيق التنمية المستدامة التي تضمن نوع اقتصادي متوازن، وتوزيع عادل لمصادر الثروة، وخلق فرص عمل دون إهدار للموارد الطبيعية والنظم البيئية.
ويتمثل هذا الفشل في :
- استمرار اتساع الفجوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وكذلك اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء في نفس البلد.
- استمرار التدهور البيئي والمتمثل في تغير المناخ، وندرة الموارد الطبيعية والذي انعكس بظلاله على ندرة مصادر المياه والطاقة والتنوع البيولوجي مما أنعكس بالتبعية على ارتفاع في أسعار الغذاء والطاقة.
إن تبني منهج الإقتصاد الأخضر لابد أن يصاحبه حزمة من السياسات المتكاملة تشمل نظام حوكمة جيد يضمن تطبيق الشفافية، والمحاسبة، والمشاركة المجتمعية، ووضع قوانين ولوائح، وتفعيل آليات السوق، والتنمية البشرية، وتوفير التمويل والسياسات الداعمة للتحول نحو الإقتصاد الأخضر التي تهدف إلى تشجيع الاستثمار في المجالات الآتية:
- مشاريع تدوير المخلفات.
- تطوير العشوائيات والقرى الفقيرة، وبناء المدن والقرى الخضراء التي تقوم على أساس ترشيد الطاقة، واستخدام الطاقة المتجددة، وتدوير المخلفات.
- الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح.
- الزراعة المستدامة والعضوية التي تقوم على ترشيد المياه، والتقليل من استخدام الأسمدة الكيماوية، والمبيدات الحشرية.
- تشجيع الصناعات النظيفة والصديقة للبيئة.
- نظم النقل المستدامة المتمثلة في النقل الصديق للبيئة مثل توفير مساحات للدراجات والمشاة، والتقليل من الازدحام والتلوث.
وهناك مقترحات من الممكن أن تساعد الدول العربية في حالة تبنيها نحو دعم التحول إلى الإقتصاد الأخضر:
• تكامل ودمج السياسات لضمان تكامل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية
• والبيئية أثناء عملية التخطيط وصياغة السياسات والخطط والبرامج.
• الكفاءة في توزيع واستخدام الموارد الطبيعية، والعمل على تجنب وتخفيض وإعادة تدويرالمخلفات.
• وضع الحوافز والسياسات التي تشجع على إتباع أنماط الاستهلاك والإنتاج الأكثر استدامة.
• الفصل بين التنمية الاقتصادية والتدهور البيئي.
• الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا الصديقة للبيئة، لدعم عملية التحول للإقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة.
• استخدام مؤشرات للتنمية تعكس البعد البيئي والاجتماعي والاقتصادي لقياس معدلات التنمية الحقيقية للبلاد.
• الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية والنظم الايكولوجية، وعدم الإضرار بها وإهدارها.
وفي الختام فإنه من وجهة نظري أن تطبيق الإقتصاد الأخضر كفيل بتحقيق حلم العدالة، حيث أن العدالة حلمٌ يراود البشر، فحين تغيب العدالة أو يختل ميزانها تختل موازين الحياة بين الأفراد والمجتمعات، بل وبين الدول فيختفي الأمن وتشتعل النزاعات، ويظهر الإرهاب وتقوم الانتفاضات والثورات، وتشتعل الحروب بين الدول.
ويمكن القول أن الإقتصاد الأخضر إن لم يكن تحقيق العدالة هو هدفه الأوحد أو الأكبر، إلا أنه يحمل بين ثناياه ما هو كفيل بتحقيق العدالة بمجالاتها ومستوياتها المختلفة.