تدريب الفاحصين الفلسطينيين على كيفية استخدام أجهزة فحص االانبعاثات من المركبات
أعلنت وزارة النقل والمواصلات عن منتصف شهر آذار موعدا لإطلاق دورية السلامة البيئية للمركبات على الطرق بشكل رسمي، بهدف فحص ومراقبة الأدخنة المنبعثة من العوادم. خطوة قابلتها سلطة جودة البيئة بالترحاب، وعبرت عن أملها في أن تكون بدايةً لضبط التلوث الناتج عن وسائل النقل.
وجاءت خطوة الوزارة بعد ثلاثة أشهر من تحقيق استقصائي أعدته شبكة أجيال الإذاعية، ونشرته مجلة آفاق البيئة والتنمية في العدد الأخير من العام الماضي، وكشف عن تراخي مراكز فحص المركبات (الدينموميتر) في إجراء الفحوص اللازمة لنسب الغازات المنبعثة من المركبات قبيل تجديد ترخيصها، وسط ضعفٍ للرقابة من قبل الوزارة على هذه المراكز وعددها 15 في مدن الضفة الغربية.
وبيّن التحقيق أن عملية فحص العوادم ليست جزءاً أساسياً من الفحص كما نصت عليه اللوائح التنظيمية لوزارة المواصلات، التي تؤكد على أن المركبة لن تنجح في الاختبار إلا إذا تم إجراء كل الفحوص المطلوبة.
دورية السلامة البيئية...فحوص عشوائية على الطرق
منذ أواخر شهر شباط، تجري وزارة النقل تدريبا لفاحصيها في مختلف المديريات بكل المدن على كيفية استخدام أجهزة فحص الأدخنة، تحضيرا لانطلاق العمل الرسمي لهذه الدورية منتصف آذار. وتحاول الوزارة في الفترة التحضيرية تشكيل حالة من الوعي لدى السائقين، من خلال تنبيههم بضرورة إصلاح الأعطال المسببة لانبعاث نسب عالية من الأدخنة والغازات دون تحرير مخالفات أو غرامات.
لكن هذا الحال لن يبقى على حاله بعد انتهاء فترة التدريب والتوعية، فالسيارات المخالفة سيتم إنزالها عن الشارع (إلغاء ترخيص المركبة ما يستدعي اصدار ترخيص جديد وإجراء الفحوص اللازمة)، وتحرير مخالفة لسائقيها، وفق فاروق عبد الرحيم مدير عام سلطة التراخيص في وزارة النقل والمواصلات.
وأضاف عبد الرحيم: "هذه الدورية ستلجأ إلى فحص المركبات بشكل عشوائي سواء كانت تعمل بوقود البنزين أو الديزل، للتأكد من عدم انبعاث كميات كبيرة من الأدخنة التي تؤثر على البيئة والصحة العامة".
دورية السلامة البيئية للمركبات على الطرق
الدورية الجديدة ستراقب على أداء مراكز الدينمو ميتر
لن يقتصر عمل دورية السلامة البيئية للمركبات على الطرق بفحص عشوائي للسيارات التي تسير على الشوارع الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، إنما سيكون من ضمن مهامها مراقبة المركبات لدى خروجها من مراكز الدينموميتر، بعد تجديد تراخيصها للتأكد من خضوعها لفحوص الأدخنة.
وبيّن عبد الرحيم أن هذه الخطوة تهدف إلى التأكد من قيام مراكز الفحص بدورها في إجراء كل الفحوص المطلوبة، وتابع: "الدورية ستقف أمام هذه المراكز بشكل عشوائي، وستفحص السيارات التي حصلت على تراخيص جديدة، للتأكد من أن عملية تجديد الرخصة تمت بعد التأكد من صلاحية المركبة، وعدم التلاعب فيها".
وأضاف: "نسعى في المستقبل لتزويد دوريات السلامة على الطرق بأجهزة فحص العوادم، حتى نستطيع تغطية كل المدن، بالإضافة إلى تكثيف الرقابة على أعمال مراكز الدينموميتر".
ويبلغ عدد المركبات المسجلة لدى وزارة النقل والمواصلات في الضفة الغربية، 339 ألف مركبة حتى تاريخ 15-1-2017، من بينها 115 ألف مركبة تعمل بوقود الديزل. ويلاحظ بالعين المجردة، أثناء السير في الشوارع الفلسطينية إنبعاث أدخنة سوداء من المركبات القديمة على وجه التحديد.
وتشترط وزارة النقل والمواصلات توفر أجهزة لفحص عوادم مركبات البنزين والديزل داخل مراكز الدينموميتر كشرط لمنحها التراخيص لمزاولة عملها، وهي مراكز تتبع لمستثمرين أو بلديات لفحص المركبات قبل حصولها على الترخيص الذي يسمح لها بالسير على الشوارع، وتحصل على ترخيصها من قبل وزارة النقل والمواصلات سنوياً.
ومن خلال التحقيق الاستقصائي تبين وجود هذه الأجهزة، بصفتها متطلبا من متطلبات الحصول على رخص مزاولة المهنة من قبل الوزارة، لكنها كانت لا تستخدم في إجراء الفحص. وتعكف الوزارة منذ بداية العام على تشديد اجراءاتها والتأكد من إتمام كل الفحوص المطلوبة.
معدات فحص الانبعاثات من المركبات الفلسطينية
الشرطة: كنّا نعتمد على العين المجردة
تنص المادة (275-1) من اللائحة التنفيذية لقانون المرور الفلسطيني على أنه :"لا يجوز لأحد قيادة مركبة أو إيقافها في الطريق، إذا كان ينبعث منها غاز أو دخان أو تلفظ زيتاً أو وقوداً بقدر ما ينفثه أو يلفظه عادة هذا النوع من المركبات حسب المواصفات المعتمدة أو بقدر قد يزعج عابري الطريق أو يمس سلامتهم". لكن بالرجوع إلى مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية، تبين عدم وجود مواصفة تحددُّ النسب المسموح بها من الانبعاثات. في حين أن مواصفة مكونات الديزل المعتمدة فلسطينياً هي ذات المواصفة الإسرائيلية التي تعتمد في الأساس على المواصفات الأوروبية، بمعنى أن الديزل الذي تستورده هيئة البترول الفلسطينية، هو بذات المواصفات الإسرائيلية (السلطة الفلسطينية تستورد 100% من احتياجاتها البترولية من إسرائيل).
يعتبر العقيد أبو زنيد مدير عام شرطة المرور، أن اللائحة التنفيذية لقانون المرور الفلسطيني غير كافية لإصدار مخالفات، في ظل غياب مواصفة فلسطينية تحدد نسب الغاز أو الدخان المنبعث من المركبات. "لذلك يخضع تنفيذه لاجتهاد الشرطي، في حال لاحظ شرطي المرور بالعين المجردة انبعاثاً كثيفاً من أي مركبة يقوم بإنزالها عن الشارع ويطلب إعادة ترخيصها".
سلطة البيئة: خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن...
رحبت سلطة جودة البيئة بخطوة وزارة النقل والمواصلات واعتبرت أنها في الاتجاه الصحيح، وعبرت عن أملها في أن تكون مقدمة لتقليل نسب تلوث الهواء المحيط الناتج عن وسائل المواصلات التي تعد من الملوثات الأساسية للهواء في فلسطين، إذ أن 60% من الوقود يذهب لأسطول النقل.
وقال أيمن أبو ظاهر مدير عام التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة إن "هذه الخطوة ممتازة، لكنها بحاجة للتنسيق بين سلطة البيئة ووزارة النقل حتى يأخذ الموضوع بعدًا بيئياً ويحقق مبتغاه بزيادة الوعي لدى الجمهور بمخاطر وأضرار التلوث الناتج عن وسائل النقل".
وبين أبو ظاهر في حديثه لآفاق البيئة والتنمية، أن هذا الأمر بحاجة لتنظيم ونقاشات أعمق ولا بد من وضع طواقم وزارة النقل في صورة بعض التفاصيل الخاصة بالتلوث والمواصفات المتعلقة بجودة الهواء المحيط. واعتبر أن "التنزيل عن الشارع لا يكفي، فيجب فرض غرامات حتى يكون هناك رادع من جانب، وتوعية بأهمية الموضوع من جانبٍ آخر".
واعتبرت سلطة جودة البيئة أن مثل هذه الخطوات تمنح مناطق السلطة الفلسطينية التميز في مجال التقليل من انبعاثات غازات الدفيئة، وكذلك التميز في تطبيق الاتفاقيات المتعلقة بالتغير المناخي، وبالتالي من الممكن أن تكون هذه الدورية ورغم أنها مركبة واحدة فقط، مقدمة لجلب تمويل لدوريات أخرى، ما يعني تعميم وتوسيع التجربة، حسب أبو ظاهر، الذي أضاف أن "اتفاقية الحد من تأثيرات تغير المناخ، خصوصًا أن المركبات تصدر أكاسيد الكربون والنيتروجين وغازات الدفيئة التي تؤثر على الغلاف الجوي".
وزارة النقل الفلسطينية تجري تدريبا لفاحصيها على كيفية استخدام أجهزة فحص الأدخنة
عوادم الديزل مسبب لسرطان الرئة
وتجدر الإشارة إلى أن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية كانت قد أكدت سنة 2012 على أن أبخرة عوادم محركات الديزل تتسبب في الإصابة بسرطان الرئة، وربما تؤدي إلى ظهور أورام المثانة. ونصح الخبراء بتقليل فرص التعرض لعوادم الديزل.
ووفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية حول الوفيات والأمراض في العالم بسبب عوامل بيئية فإن نحو ربع الوفيات في العالم، أي حوالي 12.6 مليون، سببها عوامل بيئية في أماكن العمل أو السكن؛ علماً أن العامل البيئي الأساسي هو تلوث الهواء. كما أن العوامل البيئية مسؤولة عن 22% من إجمالي الإصابات بالأمراض في العالم. وتشمل هذه العوامل بشكل أساسي الهواء، الماء، التربة، التعرض للمواد الكيميائية وتغير المناخ والتلوث الإشعاعي.
النسبة العالمية للوفيات بسبب عوامل بيئية قريبة من نسبة الوفيات بسبب ذات العوامل في منطقة شرق البحر المتوسط، التي تضم أساساً فلسطين التاريخية (الضفة وقطاع غزة وإسرائيل)، سوريا، لبنان، الأردن وقبرص.
وفي الأراضي الفلسطينية جاءت الأمراض السرطانية في المرتبة الثانية للأمراض المؤدية إلى الوفاة عند سكان الضفة والقطاع بنسبة 13.8%، في حين أن سرطان الرئة، هو المسبب الأول للوفاة من بين السرطانات بنسبة 17.5 %، حسب أرقام وزارة الصحة في عام 2015.