خاص بآفاق البيئة والتنمية
يعمل بصمت، لا يبالي بظروف الطقس أو نظرات المجتمع، يكسب قوته من تنظيف قمامتنا التي نلقيها في الشارع او في الحديقة أو حتى من شباك بيتنا الذي نسكن فيه. هذا الوطن وهذه الأرض التي رويت بدماء الشهداء وما زالت، لا تستحق منا أن نضرب بعرض الحائط كل المعتقدات الدينية والأخلاقية والثقافية والقانونية التي تربينا عليها والتي تحثنا على النظافة، وأن نمارس سلوكيات تتعارض مع كل هذه القيم.
مجموعة شباب
نبتت فكرة تفعيل قانون تغريم ملقي النفايات في الشارع من قبل مجموعة من الشباب الحريصين على نظافة وطنهم، تقول أسماء أبو مياله وهي صاحبة هذه الفكرة: "بدأنا العمل على القانون ونحن لا نعرف أن هناك قانوناً معتمداً، فيما بعد تبين أنه معطل وغير مطبق، توجهنا لبلدية رام الله فوجدنا تجاوباً وترحيباً وكذلك الحال مع سلطة البيئة والشرطة، التي أكدت أن القانون مطبق، ولكن الواقع يظهر عكس ذلك للأسف".
من خلال موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك أطلق هؤلاء النشطاء حملتهم والتي لاقت اعجاب أكثر من 3000 متابع حتى تاريخ إعداد التقرير، ودارت نقاشات واقتراحات حول الموضوع، توضح أبو مياله:" قررنا إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف إثارة الموضوع واستقطاب مؤيدين للفكرة، فوجدنا أن الفكرة موجودة عند الكثيرين لكن بحاجة لمن يحمل الراية، وأخذنا على عاتقنا تلك المهمة، ونحن نؤمن أننا شعب ابتعد اغلبه عن ثقافته وأصبحنا من جماعة " لا التزم بالقانون إلا بدفع الغرامة".
ضبابية حول القانون
من خلال تواصل القائمين على تطبيق قانون تغريم ملقي النفايات في الشارع سواء من المركبات أو المارة، أكدوا لآفاق البيئة أن هناك ضبابية تلف الموضوع، فالشرطة تقول أن القانون مطبق، والبلدية وعدت بالعمل على تطبيق القانون بحزم، وسلطة البيئة نصحتهم بعمل حملات توعية، لكن الأمر الظاهر والواضح أن مشكلة القاء النفايات ما زالت قائمة دون رقيب أو حسيب ولا يتم تغريم الفاعلين.
تقول أبو ميالة:" نحن بدورنا أوصلنا الموضوع للجهات الرسمية التي من المفترض أن تقوم بدورها طالما هناك قانون، وما زلنا نرتب اجتماعات ونطرق أبواب المسؤولين سواء في الشرطة أو المحافظة أو سلطة البيئة، لكن الموضوع بحاجة إلى تظافر كل الجهود لتعزيز ثقافة النظافة بداية من المدرسة وحتى الجامعات والمؤسسات وصولا إلى الإنسان العادي الذي يسير في أزقة وشوارع مدننا وقرانا".
نفايات تتكدس في الطرقات- عبد الباسط خلف
غرامة 150 شيقل
من خلال تواصل آفاق البيئة مع العقيد أبو زنيد مدير إدارة المرور أكد انا أن الشرطة تلتزم بتطبيق القانون، ويضيف:" هناك نص يمنع إلقاء شيء من جسم المركبة ويعتبر ذلك مخالفة للمادة 177 من قواعد وآداب السلوك الواردة في اللائحة التنفيذية لوزارة النقل والمواصلات الفلسطينية، ومن واجب الشرطة تحرير مخالفة وقيمتها 150 شيقل، ويشمل ذلك أيضا طرح الأنقاض أو النفايات على جوانب الطرق وهي ظاهرة نحاربها... وهناك تعاون مع البلديات في هذا المجال".
حق مكفول
ينص القانون المعمول به في سلطة البيئة الفلسطينية على أنه " من حق كل انسان أن يعيش في بيئة سليمة ونظيفة والتمتع بأكبر قدر ممكن من الصحة العامة والرفاه". وقد ورد هذا في المبادئ العامة لسلطة البيئة، ويؤكد قانون السلطة على المحافظة على بيئة نظيفة من خلال المادة 23 التي تنص على: "حظر إلقاء النفايات إلا في الأماكن المخصصة لها؛ يحظر إلقاء أو معالجة أو حرق القمامة والمخلفات الصلبة، إلا في الأماكن المخصصة لذلك، ووفقا للشروط المحددة من قبل الوزارة بما يكفل حماية البيئة".
وتورد السلطة في المادة 65 العقوبة الخاصة بمخالفة المادة 23 وجاءت على النحو التالي:" كل من يخالف أحكام المواد (21.22.23) من هذا القانون، يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة دنانير أردنية ولا تزيد عن مائة دينار أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا، وبالحبس مدة لا تقل عن يومين ولا تزيد عن أسبوع، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
ومن خلال كل هذه القوانين، سواء الخاصة بالمرور للمركبات والمشاة، أو من خلال قوانين سلطة البيئة، يتضح أن إلقاء النفايات في الشارع سواء من المركبات أو من المشاة هي مخالفة يعاقب عليها القانون ويورد قيمة هذه العقوية.
نفايات تنتشر على جوانب الشوارع في مدينة رام الله
ما زلنا نلقي النفايات؟!
الدكتور محمد بشارات أخصائي التنمية البشرية يبين سبب هذا الخلل، يقول:" الأمر متعلق بالثقافة؛ نعاني من نقص الثقافة والوعي في هذا الجانب، ديننا يحث على النظافة، ولكن ما زال مواطننا لا يحافظ على النظافة، هذا الأمر يرجع إلى التقليد السيء، تقليد الصغار للكبار، وبالأساس إلى غياب تطبيق القانون، فلو طبق القانون لأحدث ردع، والردع يؤدي إلى نشوء سلوك والذي يؤسس لثقافة سليمة".
لنتعلم من دبي
في دبي حيث يعيش خليط لا مثيل له من الثقافات، يضرب بشارات مثالاً، يصعب إقرار قانون يلزم الجميع، ولكن إذا وجد الحزم والعدل والاستمرارية في تطبيق القانون، يلتزم به الجميع وقد سن قانون يمنع البصق في الشارع وأقرت غرامة كبيرة للمخالفين وصلت لألف درهم، وقد طبق القانون بحزم الأمر الذي غيَب هذه الظاهرة وهذا السلوك الخاطئ بسبب ردع القانون للكبار وبالتالي امتناعهم، فبدأ الصغار بتقليدهم ليصبح سلوك عام عند الجميع.
يضيف بشارات:" هناك غياب أيضا للتوعية في المدارس والمؤسسات، علينا تكثيف التوعية حول مواضيع تعزز المحافظة على البيئة كإعادة التدوير وصداقة البيئة بحيث نقرب الأجيال القادمة منها، هناك نهضة ولكنها لم تصل إلى ثقافة تحافظ على البيئة".
زرع بذرة
عجلة التغيير تبدأ من الأطفال، ومن الممارسات الصحيحة تجاه البيئة من قبل الكبار، فالكبار هم قدوة لأطفالهم في كل شيء، فالأب والأم قدوة لأطفالهم في البيت، والمعلم قدوة لتلاميذه والأستاذ الجامعي قدوة لطلابه، فهي مسؤولية تقع على الجميع، لكن لتحقيق النجاح المؤكد في هذا الجانب أو في تغيير أي سلوك خاطئ يبدأ من خلال تعليم الأطفال السلوك السليم وممارسته أمامهم.
وفي ذات السياق، وتشديداً على دور الدين في الحث على النظافة، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في دلالة كلمة الصدقة: "إماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق صدقة".
التربية والتعليم
بدأت وزارة التربية والتعليم من خلال الإدارة العامة للصحة المدرسية ودائرة البيئة والتغذية ودوائر شؤون الطلبة في الجامعات، العمل على مجموعة أنشطة للتوعية بأهمية البيئة والمحافظة عليها وعدم تلويثها، وعملت الوزارة على تعزيز ذلك من خلال المناهج التي تحتوي على مواضيع تبين أهمية النظافة سواء الشخصية أو العامة والمحافظة على البيئة بشكل خاص.
يوضح الدكتور معمر شتيوي مدير عام التعليم الجامعي:" عملنا على إنشاء أندية بيئية في المدارس ومنتديات بيئية في الجامعات، بهدف الحفاظ على البيئة نظيفة، بحيث يكون أعضاء هذه الأندية والمنتديات نواة التغيير نحو الأفضل".
ويضيف شتيوي :" نحن من أكثر الدول استخداما لوسائل التوعية، لكن للأسف النتاج النهائي محدود، يجب أن نفكر خارج الصندوق، بمعنى أن القانون هو الذي يضبط الأجيال ويرسم السلوك، ولذلك يجب أن يكون هناك حزم في تطبيق القانون، لماذا لا يتم تفعيل دور الشرطة البيئية للحفاظ على بيئتنا نظيفة؟".
لنحافظ عليها
تفعيل قانون تغريم ملقي النفايات في الشارع مبادرة شبابية تستحق الالتفاف حولها، وهي دعوة للغيورين على وطنهم بعدم الوقوف مصدومين بالواقع دون تحريك أي ساكن، بل كلٌ من موقعه، ليكن التغيير الذي يريده في العالم "غاندي".