يميل العديد من الناس إلى رمي النفايات عشوائيا في أي مكان بدلَ القيام بوضعها في الأماكن المخصصة لذلك. ويرى الكثير من الخبراء أن الأمر يتطلب تثقيف الناس وتوعيتهم حول مشاكل إلقاء النفايات في الأماكن غير المخصصة. ولكن في ذات الوقت تطرح المجلة السؤال التالي: أين دور القانون في تشكيل عامل رادع للناس، وأين شرطة البيئة التي تشكلت حديثاً وهل ستتابع ملف إلقاء النفايات؟ وهل ستعمم تجربة بلدية نابلس في مخالفة ملقي النفايات على باقي المحافظات؟ تساؤل شهير طرحه الكاتب والصحفي البريطاني المعروف روبرت فيسك قال فيه: "لماذا تبدو بيوت العرب غاية في النظافة، لكن شوارعهم والأماكن العامة تملؤها القاذورات؟ هذا الأمر في غاية الدقة، والسبب أن العرب يشعرون أنهم يمتلكون منازلهم، ولكنهم لا يمتلكون أوطانهم".
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
أحد شوارع مدينة البيرة |
في السياق العربي وكذلك الفلسطيني الذي ليس باستثناء، يميل العديد من الناس إلى رمي النفايات عشوائيا في أي مكان بدلَ القيام بوضعها في الأماكن المخصصة لذلك. ويرى الكثير من الخبراء أن الأمر يتطلب تثقيف الناس وتوعيتهم حول مشاكل إلقاء النفايات في الأماكن غير المخصصة. ولكن في ذات الوقت تطرح المجلة السؤال التالي: أين دور القانون في تشكيل عامل رادع للناس، وأين شرطة البيئة التي تشكلت حديثاً وهل ستتابع ملف إلقاء النفايات؟ وهل ستعمم تجربة بلدية نابلس في مخالفة ملقي النفايات على باقي المحافظات؟
بلدية نابلس: 140 مخالفة إلقاء نفايات على الأرض حتى الآن
قبل بضعة أشهر، شرعت بلدية نابلس بتطبيق قانون رمي النفايات على الشوارع، عبر مخالفة كل من يتم ضبطه وهو يلقي النفايات والقاذورات في الشوارع العامة. في هذا الصدد، يقول رئيس قسم الصحة والبيئة في بلدية نابلس نضال منصور: "بناء على مطالب المواطنين ودراساتنا الفنية ومتابعاتنا لنظام المحافظة على النظافة العامة والنظام، تمت المصادقة على نظام المخالفات رقم 5 لسنة 2017 والذي صدر عن الوقائع الفلسطينية، وبدأنا بمخالفة الناس الذين يُضبطون وهم يلقون النفايات في الأماكن العامة والشوارع".
وأوضح منصور أن لكل مخالفة رسوم مختلفة تتراوح ما بين 200 شيقل إلى خمسة آلاف شيقل، ومنذ سريان النظام، قامت البلدية بتحرير 140 مخالفة حتى الآن، تزامنت مع تشكيل وحدة "النظافة العامة" ووظيفتها الرقابة في الأسواق ومتابعة السيارات التي تلقي النفايات من النافذة، كما يوجد مفتشون يتابعون بلاغات إلقاء نفايات موثقة بالصور.
وأشار إلى أن البلدية نفذت حملة إعلامية مفادها أن أي مواطن يخالف النظام تتم مخالفته في حال ضبطه يلقي النفايات، كما ربطت هذا القانون بخدمات البلدية، فأي مواطن يريد الحصول على أي معاملة من البلدية يتم التأكد إن سجلّت بحقه مخالفات أم لا قبل إتمام طلبه.
وقال منصور: "لدينا نظام في البلدية لجمع النفايات بشكل دوري ويومي والعمل ضمنَ فترات، ونقوم بإعداد دراسة لتوزيع الحاويات في الأماكن التي لا تتوفر فيها هذه الخدمة". مبينا أن ملف النفايات ملف مقلق ومتعلق بالنظافة والصحة والبيئة، ومسعى البلدية الحفاظ على المدينة والمواطن كعنصر فاعل رغم أنه غير متعاون.
وأضاف أن مدينة نابلس تنتج يوميا من النفايات حوالي 200 – 250 طناً، الأمر الذي يشوه المنظر العام، مشدداً على ضرورة سن قانون رادع لضبط السلوكيات الخاطئة.
عامل نظافة في البيرة
الناس لا يكترثون لشيء
يعمل الحاج (ع.ر) على إزالة النفايات الملقاة على أطراف الشوارع في مدينة البيرة منذ الصباح الباكر.
الحاج الذي تقوس ظهره بسبب طبيعة العمل المتعب، يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 12 عاما، وأمله الوحيد رؤية شوارع مدينته نظيفة من أي نفايات أو قاذورات ملقاة على أطرافها مهما كبر أو صغر حجمها.
يقول: "منذ بدأت العمل إلى الآن لم تتغير سلوكيات الناس الخاطئة بإلقاء نفاياتهم من شبابيك سياراتهم الفارهة وهم يرتدون أفخم الملابس، ويذهبون إلى أرقى المطاعم في المدينة".
عامل نظافة آخر (م، ع) يعمل لدى بلدية البيرة، يقول: "سلوكيات الناس لم تتغير، هم مستمرون في رمي النفايات في الشارع وبالقرب من الحاوية بدلا من رميها في المكان المخصّص... باعتقادي المشكلة الأساسية تتمثل بسلوك المواطنين أنفسهم".
يضيف وهو ينظف شوارع بلدية البيرة المهنة التي يمارسها منذ تسع سنوات: "هنالك من يستجيب، لكن آخرون لا، يقولون نعم نحن مع النظافة وبعد دقائق يرمون النفايات من الطوابق والسيارات وأثناء سيرهم".
مشهد مؤذ بيئيا، صحيا وجماليا في أحد شوارع مدينة البيرة
ملقو النفايات يبررون سلوكهم
استطلعت مجلة آفاق البيئة والتنمية آراء بعض الناس الذين يلقون القمامة في الشوارع. يقول الشاب (أ.ح): "أنا مدخنٌ شره، أثناء قيادتي السيارة أقوم بالتدخين وأرمي قمع السجائر من نافذتها لغياب منفضدة في مركبتي، وصدقاً لا اكترث، كونها نفايات صغيرة لا تؤثر على المنظر العام".
أما (ه.د) وهي أم لثلاثة أطفال فتقول: "بعد انتهاء أطفالي من أكل أي شيء في السيارة يقومون برمي مخلفات الطعام والأكياس من النافذة... وألاحظ أن النظر إليها وهي تسقط يثير سعادتهم".
وتكمل: "في إحدى المرات سألتني ابنتي مستغربة: لماذا الوسخ في كل مكان يا ماما؟ لم أعرف ماذا أجيبها فنحن أيضاً نتسبب بهذا الأمر".
بلدية البيرة: الموضوع بحاجة لقرار حكومي صارم لردع المخالفين
يقول رئيس قسم النفايات الصلبة في بلدية البيرة عامر العبيدي: "هذه السلوكيات الخاطئة موجودة في مجتمعنا بكثرة وتتكرر بشكل مستمر ويومي، لدينا في البلدية حاويات نفايات تقريبا تصل إلى 1050 حاوية غير السلات المنتشرة بالشوارع، والتي تخدم المواطنين، لكن إلقاء القمامة على الشارع أصبح عادة لدى الناس في ظل غياب أي رادع قانوني أو أخلاقي".
ويضيف العبيدي: "عندما يتوجه الناس إلى مدينة القدس المحتلة أو أي مدينة داخل أراضي الـ48 يتجنبون إلقاء النفايات، وذلك لعلمهم بوجود مخالفات تصل إلى ألف شيقل".
وأشار إلى أن بلدية البيرة تخالف أصحاب المحلات الذين لا يلقون نفاياتهم بالحاويات، ويسببون مكرهة صحية، مبينا أن البلديات لا تستطيع أن تجبر الناس على عدم رمي النفايات بغير مكانها المخصص دون قانون رادع رسمي يصدر من رئاسة الوزراء أو المجلس التشريعي.
وأكد أن النفايات تشوه المنظر البيئي العام كما تنشر الأمراض وتأتي بالحيوانات الضالة خاصة، إضافة إلى وجود عادة سيئة لدى البعض وهي إحراق النفايات ما يحدث ضرراً كبيراً على البيئة، لكن في مدينة البيرة وفق العبيدي، فقد تم الحدُّ من الموضوع من خلال زيادة عدد الحاويات.
وأوضح أن البلدية ضاعفت خلال العيد عملَ عمال النظافة لزيادة حجم النفايات، مبينا أن البيرة تنتج يوميا من 80-85 طناً من النفايات يتم ترحيلها إلى مكب زهرة الفنجان.
وشدد على أن المواطن هو الأساس في عملية ممارسة النظافة، من خلال عدم إلقاء النفايات خارج منطقة الحاوية، ووضع النفايات في كيس محكم، وأكد في ذات الوقت على ضرورة إصدار قانون رسمي يخالف كل من يتخلص من النفايات بطريقة خاطئة، وذلك من أجل المحافظة على البيئة ومنظرها العام.
هذا المشهد غير الحضاري نراه في مختلف الأنحاء بمدينتي رام الله والبيرة
يوجد قانون ولكن!
وفي هذا الصدد، هل يوجد قانون رادع لرمي النفايات في الشوارع والطرق؟ وكيف يُطبّق القانون؟ ومن يطبّقه؟ وهل استطاع ردع الناس؟
المستشار القانوني في سلطة جودة البيئة مراد المدني يقول: إن المادة 23 من قانون البيئة رقم (7) لسنة 1999 تنص على التالي: يحظر إلقاء أو معالجة أو حرق القمامة والمخلفات الصلبة إلا في الأماكن المخصصة لذلك، ووفقاً للشروط المحددة من قبل الوزارة بما يكفل حماية البيئة.
ويفسر المادة بقوله: "يجب على الإنسان التخلص من النفايات في أماكن مخصصة أي في السلال والحاويات ومحطات الترحيل والحاويات المحددة من قبل البلديات والحكم المحلي والجهات المسؤولة".
وأشار إلى أن النفايات بغض النظر عن حجمها ينطبق عليها هذا النص، ومن يخالف طريقة التخلص من النفايات يعاقب بعقوبة منصوص عليها في القانون، والتي تبدأ من 100 دينار وتصل إلى 5000 دينار، إضافة إلى حبس لمدة ثلاثة شهور، ومن المهم أيضا الإشارة إلى العقوبة التكميلية وهي إزالة هذه النفايات وإلزام المتسبب بالتخلص منها في المكان المحدد.
ويوجد لكل بلدية أو مجلس أو هيئة حكم محلي أنظمة خاصة بالنظافة والتي بموجبها تستطيع فرض سلوكيات على مواطنيها كما تراه مناسباً، ومن الممكن أن تتضمن تكلفة التخلص من النفايات، ومواعيد الجمع والترحيل وما إلى ذلك.
وأوضح أنه لكل المراكز والهيئات المحلية أنظمة خاصة بالنظافة، وتشمل أيضا النفايات الناتجة عن الكنس والتعزيل وتقليم الأشجار والبساتين وما إلى ذلك.
ويرجع المدني السلوكيات الخاطئة لـ "العادات المتبناة" بمعنى أن الجار لن يشتكي على جاره وابن الحي لن يشتكي على ابن حيه، وبالتالي يغيب الدليل الذي تحتاجه البلدية لإثبات أن هذه النفايات هي ملكٌ للشخص الفلاني. ولكن إحجام المواطنين عن الإدلاء بإفادتهم ضد المخالف، وفق المدني، تجعل إنفاذ القانون صعباً جداً.
وأضاف: "نرى لوماً على طواقم الرقابة والتفتيش في هيئات الحكم المحلي وأيضا على المختصين كونهم لا يأخذون الموضوع على قدر كبير من الجدية، كما لا يراعي المواطن في سلوكياته البيئية الضارة تعاليم الدين والأخلاق والقانون".
ولفت إلى أنه في بعض القضايا، يتم التعامل مع الشرطة والبيئة والبلديات لمواجهة تراكم النفايات، لكن بالغالب تلك القضايا تكون حول المخالفات الجسيمة، لأن الممارسات العادية اليومية من مهام وزارة الحكم المحلي.
الشرطة السياحية كحاضنة أولية للشرطة البيئية
في الآونة الأخيرة، أوكلت مهمة الشرطة البيئية إلى الشرطة السياحية في محاولة للمحافظة على البيئة، وإيجاد جهة إنفاذ للقانون من أجل الحد من المخالفات التي تحدث بحق البيئة.
يقول العقيد د.حسن الجمل مدير إدارة شرطة السياحة والآثار، وقعت اتفاقية بين شرطة السياحة وسلطة جودة البيئة للعمل كجهة رسمية على إنفاذ القانون للمخالفين بكل ما يتعلق بالقضايا البيئية، وتتبع المخالفات والشكاوي والقرارات التي تصدر من سلطة جودة البيئة بخصوص أي قضية، واستحضار المخالفين وإعداد التحقيقات الأولية ومن ثم إرفاق الملف مع الشكوى وتحويلها للقضاء.
وما زالت هذه الاتفاقية في طور البدايات، وتعمل الجهتان حالياً على وضع الخطوط العريضة، ومعرفة الملفات الموجودة على مستوى كل إدارة ومحافظة.
ويشير د.الجمل إلى أن تركيز العمل سيكون على أهم القضايا التي تمس البيئة والتي تنعكس سلبا على المواطنين وعلى حياتهم وصحتهم من المخلفات السامة والمحرمة دوليا وغيرها، في إشارة ضمنية إلى إن إلقاء النفايات على الأرض لن يكون من سلم أولويات الشرطة السياحية والبيئية في الوقت الحالي.
في ختام التقرير، نقف عند تساؤل شهير طرحه الكاتب والصحفي البريطاني المعروف روبرت فيسك قال فيه: "لماذا تبدو بيوت العرب غاية في النظافة، لكن شوارعهم والأماكن العامة تملؤها القاذورات؟ هذا الأمر في غاية الدقة، والسبب أن العرب يشعرون أنهم يمتلكون منازلهم، ولكنهم لا يمتلكون أوطانهم".
*تزامن مع نشر التقرير صدور قرار رسمي في الثالث من أيلول، أعلن عنه مدير عام الشرطة اللواء حازم عطالله؛ يقضي بتفعيل مخالفة رمي النفايات من المركبات وفقا للمادة 177 من اللائحة التنفيذية لعام 2005 وقيمتها 150 شيقلا .ويأتي تفعيل مخالفة رمي النفايات من المركبات، ضمن الخطة التي تم بدء العمل فيها مؤخراً لتشديد المراقبة المرورية على كافة المخالفات من ضمنها حزام الأمان والتي تساهم في رفعة وتطوير ثقافة المجتمع.