خاص بآفاق البيئة والتنمية
صحيحٌ أن اجدادنا لم يعرفوا الهندسة البيئية ولا حتى الكيميائية أو الصناعية، ولكن يجب أن نعترف أنهم كانوا أذكى منّا، فنحن نكاد لا نعرف من بركات شجرة الزيتون إلا الزيت والمخلل، أما هُم .. فكانوا يصنعون من حطبها تُحفاً، وكانوا يصنعون من الأوراق علاجاً، ومن الجفت طاقة ووقوداً، ومن بقايا الزيت المُستخدم صابوناً وعَطِراً زكياً، ولن أنسى، أنهم كانوا وبعد تناول الزيتون حباً و"رصيعاً " يأخذون الحب فيجعلون منه المَسبحة، يُسبحون بها ويحمدون الله على نعمه التي لا تُحصى.
حطب الزيتون
حطب الزيتون
حتى قبل ألفي عام، كانت أشجار الزيتون تملأ فلسطين وكان الرومان يدركون ان حطب الزيتون ليس كأي حطب، فهو يتميز بصلابته التي جعلت الرومان يجتزون معظم أشجار الزيتون من جبال القدس لبناء الحصون والقلاع كما تذكر الكتب اليونانية القديمة، وفي يومنا هذا لا زلنا نرى شجر الزيتون الرومي يُزيّن جبال فلسطين ويعتبره الناس مفخرة وشاهدا على تجذرهم في أرضهم. ولأنه حطب مميز، فإنه يعتبر اليوم من أغلى انواع الحطب ولا يتم إستخدامه إلا في أعمال الديكورات والزينة كما نرى في مدينة بيت لحم، حيث تعود صناعة التماثيل من حطب الزيتون إلى القرن الرابع ميلادي وتعتبر واحدة من أهم الحرف في المدينة.
صابون نابلسي
أوراق شجرة الزيتون
اوراق الزيتون التي لا نأبه لها وهي تتساقط على الأرض في كثير من الأحيان تُعتبر اليوم واحدة من أبرز العلاجات وتُباع في الصيدليات على أشكال متعددة، وبمجرد السؤال أو البحث عن خلاصة ورقة الزيتون (Olive Leaf Extract) فإنكم تصلون للعديد من المواقع التي تُروّج للمستخلص عبر الإنترنت.
وتعود أهمية هكذا مستخلص إلى وجود مادة تُسمى بالـ أولوروبين (oleuropein) حظيت باهتمام العُلماء منذ بدايات القرن الماضي، إلا أنها كان معروفة في الطب الشعبي منذ قديم الزمان، حيث تشتهر اوراق الزيتون بأنها تزيد مناعة الجسم وتساعد في التغلب على مشاكل الهضم وأمراض أخرى.
ويذكر موقع
إكسبيرتو الألماني أكثر من 15 حالة مرضية يُمكن علاجها من خلال مستخلص أوراق الزيتون منها الإنفلونزا وبعض أمراض القلب كما مرض السُكري وضغط الدم المرتفع، كما انه يساعد في علاج بعض أنواع الحساسيّة وكذلك الإلتهابات.
كما تذكر مصادر متعددة أن لورق الزيتون فائدة عظيمة في علاج الأعراض الناشئة عن تقدم عمر الإنسان وذلك لإحتوائها على مادة الكلوروفيل التي تحفّز تكون كريات الدم وتعمل على تنقيته، ولهذا يمكننا تفسير سرِ من أسرار قوّة أجدادنا، عندما كان الزيتون عنصراً اساسياً في حياتهم.
مسبحة زيتون
مسبحة .. من نوى الزيتون
نادراً ما تخلو مائدة فلسطينية من بضعة حبّات من الزيتون المُخلل، فوائده جمّة وطعمه لذيذ ويفتح الشهية ولكن ماذا عن حبّة الزيتون التي نتركها عادة للقمامة؟ لا شك أن لها فائدة بل فوائد فهي اليوم تُستخدم في صناعة فحم صديق للبيئة، ولكن الأجمل أن نجد هذه " النفايات " تُستخدم في صناعة بديعة كصناعة المسابح، فالمسبحة أساسا ليست إلا مجموعة من الحبات يجمعها خيط.
يمكنكم أن تجربوا ذلك بأنفسكم وذلك من خلال بَرْد ( حَت ) أطراف الحبّة لكي تجدوا ثُقباً يُمكنكم أن تمرروا منه الخيط، ومع القليل من الصبر والفن يُمكنكم ان تحصلوا على مسبحة بديعة من نوى الزيتون، والتي بات العالم يتفنن في صنعها وفي الربح من ورائها، حيث تباع مسابح الزيتون المصنعة في القدس في المتاجر الألمانية بحوالي 15 يورو للمسبحة الواحدة فهناك إعتقاد شائع عند الصوفيّة بأن للمادة التي تصنع منها المسبحة دور في تأجيج المشاعر الروحانية لدى المُؤمن المُسبّح، وينصحون أتباعهم بإستخدام المسابح المصنوعة من التمر والزيتون.
مستخلص ورق الزيتون
جفت الزيتون .. مصدر للطاقة البديلة
كثيرة هي فوائد زيت الزيتون وقد تحدّث العالم فيها حتى ملأ الكُتب، وإذا كانت الكتب المقدسة قد ذكرته فكيف بغيرها؟ الأكيد أن الاهتمام لم يكن بالزيتون وحده، فعمليّة العصر نفسها تحظى بأهمية بالغة من أجل الحُصول على اكبر نجاعة ممكنة وأكبر كميّة زيت، حيث يتكون مع عمليّة العصر ما يُسمى بالمخلّفات الصلبة بلغة عُلماء إدارة النفايات وبالعاميّة ( الجفت ) وهي المادة " السحرّية " التي كان يستعين بها الفلاحون على برد ( المربعانيّة ) وغيرها من أيام الشتاء القارس، من خلال تحويلها لمادة شبيهة بالفحم تستخدم للتدفئة وكذلك كمصدر للطاقة وأحيانا أخرى كسماد طبيعي للأرض.
وفي فلسطين نفسها هناك دراسة مميزة في مُحاولة الاستفادة من مادة الجفت كالبحث الذي اجرته إسراء سلامة من جامعة النجاح في نابلس والذي يبحث في
طرق إستخراج السيليلوز من جفت الزيتون، وقد نجحت فعلاً بإستخدام 30% من السليلوز النقي من الجفت والذي يُمكن استخدامه في الطب والصناعة.
في جامعة البوليتكنيك في الخليل قام طلاب في مرحلة الماجستير بتطوير آلة احتراق أوتوماتيكية تعتمد على الجفت كمصدر رخيص ومحلي للطاقة.
وقد قام المهندس الصناعي نجم أبو حجلة من قرية دير استيا في الضفة الغربية بتطوير فكرة تحويل الجفت لـ "فحم عضوي " كمصدر بديل للطاقة ويقول: " البداية كانت بإنتاج 50 طناً فقط واليوم ننتج 250 طن سنويا، ويتم تسويق المنتج بجميع مدن الضفة الغربية وأبرز الأسواق في مدن الخليل وبيت لحم ورام الله."
اما اجدادنا الذين لم يدرسوا الهندسة الصناعية ولا حتى الكيميائية، فقد علّمتهم الطبيعة ألّا يُفرطوا في أي شيء منها لدرجة أن بعضهم كان يقول ( حرصي على الجفت حرصي على الزيت )، وفعلاً فقد كانوا يغتنمون موسم الزيتون لعصر الزيتون ثم يأخذون الجفت فيجففونه على أسطح المنازل ليستخدمونه لاحقاً كمصدر للطاقة في الطابون ليزيد من الحرارة، كما كان يستخدم في إشعال ( الكانون ) فهو يُبقى النار مشتعلة لفترة أطول. وكذلك، فقد كانوا يخلطونه مع روث البقر ليصبح سماداً عضوياً، ومن الجدير بالذكر انه وعند استخدام الجفت كوقود، فبالإمكان استخدام الرماد الناجم عن عملية الحرق كسماد عضوي للتربة، به تنتعش الأرض وتزداد خيراتها.
ورق الزيتون
صناعة الصابون .. من بقايا زيت الزيتون
لعل لا شيء يُمكن ان يجعلكم تؤمنون ببركة الزيت مثل اللقاء بأم مهدي من قضاء طولكرم والتي أخبرتنا أنها لا تستغني عن أي قطرة زيت، حتى تلك التي تبقى بعد تناول صحن من الحُمص مثلاً، فإنها تقوم بتجميعها كُلها مع قطرات أخرى وزيوت أخرى تم إستخدامها في قلي البطاطس او غيره من الاطعمة للاستفادة منه في تصنيع الصابون المنزلي.
وتؤكد " ام مهدي " بأن ذلك ليس معقداً فكُل ما يحتاجه المرء هو شراء الصودا الكاوية من السوق وخلطه بالماء على درجة حرارة معتدلة ثم سكب الزيت على المزيج ثم تحريكها حتى تصبح مثل " الشامبو " وبعد ذلك تُسكب في قوالب، ثم تجفف حتى تُصبح جاهزة للإستخدام، كما يُمكن أن يضاف على الخليط شيء من العطر كي يكتسب رائحة جميلة.
في هذا الفيديو تشرح سميرة الكيلاني كيفية صناعة الصابون بزيت الزيتون