إثر العدوان الإسرائيلي الذي دمر أرضها الزراعية وضرب قدرتها الإنتاجية: أسرة ارحيم الغزية تبحث فقط عن توفير قوت يومها بعد أن كانت تزود الأسواق

أرض عائلة ارحيم وقد تعرضت لتدمير كبير جراء العدوان الصهيوني هذا العام إضافة لعدواني 2008 و2012
خاص بآفاق البيئة والتنمية
ثلاثة حروب بقسوتها لم تفلح في الإجهاز على حلم المزارع الثمانيني "حسن ارحيم" وتمنعه من فلاحة أرضه مرة أخرى، رغم الأضرار التي تعرضت لها أرضه وممتلكاته وبيته خلال عدوان تموز-آب هذا العام.
حسن ارحيم العجوز الذي يمتلك روح الشباب والأمل الذي اكتسى ملامحه وقسمات وجهه يصر على إعادة اللون الأخضر لأرضه التي تعرضت لتدمير كبير جراء عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي الأخير والعدوانيين السابقين عام 2008-2012.
يقول ارحيم:" لقد قضت إسرائيل على أكثر من (25) دونما مزروعة بالخضار عطشاً نتيجة عدم مقدرتنا الوصول إليها بعد أن اضطررنا للنزوح إلى قلب المدينة عند أقاربنا".
ارحيم تحدث لمجلة آفاق البيئة والتنمية عما جرى من جريمة بحق أرضه التي ورثها عن الأجداد بقوله: "لقد صدمت حينما وقع بصري على أرضي التي اختفت ملامحها النضرة لتصبح صحراء جرداء قاحلة بعد واحد وخمسين يوماً من الإهمال غير المقصود، ليتحول كرم العنب إلى بقايا عروق لا يسرى فيها أي نوع من الحياة".
ويضيف بحسرة كست قسمات وجهه: "كان نفسي آكل خصلة واحدة من العنب" كنت طلبتها من ابني وقت العدوان ولكنني لم أحظ بتذوق طعمها، لأن ذلك كان يعني الموت على الرغم من قصر المسافة التي تفصل كرم العنب عن مدخل البيت، ... وبقيت نفسي تتعلق بتلك الخصلة".
وطوال العدوان ما فتئ ارحيم يدعي بالسلامة لأفراد عائلته الذين نزحوا الى مكان أكثر أمناً، راجياً الله بقاءهم أحياء وكل شي آخر يمكن تعويضه.
إن الأرض دُمرت فماذا سيبقى؟
وكانت أسرة ارحيم المكونة من (50) فرداً تعتاش مما تجود به الأرض بعد تعطل أبنائها السبعة عن العمل في قطاع البناء، وتحولهم إلى مهنة الزراعة؛ ليتمكنوا من تحقيق الاكتفاء الذاتي لتلك الأسرة، ولكن بعد التدمير الذي لحق بالأرض، يستبعد ارحيم وأبناءه السبعة أن تجود الارض عليهم كالسابق في ظل جسامة حجم الخسائر التي تعرضوا لها.
يقول نجله عزمي:" لقد أصبحت الآن أي مهنة أخرى أفضل من فلاحة الأرض في ظل ندرة وغلاء الأشتال وقلة جودتها، من ناحية، وفقدان السماد العضوي من السوق من ناحية أخرى، وذلك بعد تدمير مزارع الحيوانات والطيور، فارتفع ثمن كيس السماد العضوي من 1200 إلى 1600 شيقل.
ويضيف عزمي لقد نفق لنا (17) رأس غنم خلال العدوان نتيجة الجوع والعطش معاً، عدا عن تدمير مزرعة الدواجن الخاصة بنا.
ويتابع في ذات السياق المؤلم "على الرغم من ارتفاع ثمن الأشتال في السوق إلا أننا نُصرّ على زراعة الأرض مرة أخرى وإن كانت تكلفتها مضاعفة". مستدركا... "وان كان من المستحيل أن تعطي الأرض كالسابق".
غدت عائلة إرحيم تبحث فقط عن تدبير لقمة العيش الكريم وتوفير الخضار للبيت دون حتى تسويقها كما كان الأمر في الماضي.
دمار الأرض الزراعية لأسرة ارحيم إثر عدوان 2008
أين دور الوزارة؟
يقول المزارع نمر وهو شقيق عزمي: "توجهت لوزارة الزراعة لحصر الأضرار لتعويضنا ولو بالجزء اليسير كي نتمكن من تدبير أمورنا، ولكن من تجاربي السابقة فأنا لا أعول على الوزارة تقديم العون لي".
يتابع بلهجة ونظرة تشكيك في الدور المنوط بالوزارة بقوله "في العدوانيين السابقين لم يجر تعويضنا سوى بجزء بسيط من مستلزمات الزراعة كخراطيم المياه قليلة الجودة وبركة، وبعض النايلون للحمامات الزراعية والأشتال، عدا عن عدم تعويضهم بالمطلق عن الأضرار التي لحقت بهم خلال منخفض اليكسا في كانون أول من العام الماضي.
ويستطرد حتى خلال الهدن، التي كان يُعلن عنها خلال العدوان الأخير " تربطت أيدينا عن العمل وكأنها مقيدة بسلاسل من حديد، حيث لم نستطع أن نغرس ولو شتلة واحدة أو نقوم بتعشيب الأرض أو القيام بأي عمل يعيد للأرض روحها خوفا من خرق الهدنة، وهذا ما حدث بالفعل فآثرنا الانتظار حتى تضع الحرب أوزارها.
وانتقد المزارع الأصغر أدهم ارحيم تجاهل الجهات المسؤولة خاصة وزارة الزراعة لمطالب واحتياجات المزارع مقارنة باهتمامها بمصلحة المواطن، مدللا على كلامه بمثال" أنه حينما ارتفع سعر الدجاج إلى( 20) شيكلاً قامت الوزارة بخفض سعره للمستهلك إلى ( 14) شيكل، ولكن حينما كان سعر الدجاج متدنياً وصل إلى (7) شواقل، ولم تتدخل الوزارة لحماية المزارع من الخسارة ومساندته.
خسائر خيالية
ويخشي المزارع أدهم تجدد العدوان إذا ما فشلت مفاوضات وقف النار، وما يتبع ذلك من خسائر تالية سوف يتعرض لها المزارعون الذين لم يستفيقوا بعد من صدمتهم من حجم الدمار الذي حل بهم.
ويرى المزارع العجوز ارحيم أن الأرض تبقى شيئا ثمينا في يد المزارع مثل الذهب "حين يحتاجه الإنسان يلاقيه"، على الرغم من الخسارة الكبيرة التي تعرضوا لها.
وتقدر العائلة حجم الخسائر التي تعرضت لها أرضهم بأكثر من (90) ألف دولار، حيث أصبحوا مطالبين بديون مستحقة عليهم جراء الدمار وخسران الموسم الزراعي للخضار.
وعكفت العائلة على زراعة الأرض بالخضار مثل الملوخية والكوسا مرة أخرى على الرغم من التخوفات المحتملة، على أمل أن تسد هذه الزراعة حاجتهم.
ويتوقع المزارع ارحيم أن ترتفع أثمان الخضار إلى الأضعاف بسبب ندرة الاشتال من ناحية والخسائر التي تعرض لها المزارعون في محاولة تعويض ولو جزء من خسارتهم، عدا عن حدوث أزمة في الأمن الغذائي لدي غالبية الأسر التي تعاني من فقر مدقع.
ويقترح جملة من المعالجات التي من شأنها أن تحسن الواقع وتحقق نوعاً من العدالة الاجتماعية، تتمثل في إعادة الجهات المسؤولة النظر في موضوع فرص العمل المؤقتة التي لم تسمن ولا تغني من جوع وتكرس الاتكالية، كما تنشئ عوضا عنها مصانع تستوعب عدداً كبيراً من العمال بدلا من تقديم الكوبونات الاغاثية والتي وفق وصفه – ضرتنا كثيرا ولم تنفعنا-.
كرم العنب في أرض أسرة ارحيم بغزة وقد حوله عدوان تموز-آب الأخير إلى بقايا عروق جافة لا يسرى فيها أي نوع من الحياة
مساندة المزارعين
وتوجه للجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة الزراعة والمؤسسات الأهلية بضرورة تقديم المساندة للمزارع حتى يتشبث بأرضه بشكل أكبر، وتحقيق العدالة والإنصاف فيما يتعلق بالتعويض ليس مالياً فحسب بل تقديم مساعدات عينية ذات جودة عالية للمزارعين مثل الحمامات الزراعية.
وتقدر الخسائر الأولية في القطاع الزراعي ومزارع الحيوانات والطيور وفق وزارة الزراعة حوالي 550 مليون دولار، 350 منها خسائر مباشرة. وتشير بيانات الوزارة إلى حدوث أزمة رهيبة في القطاع، ستحول دون تحقيق الأمن الغذائي وذلك نتيجة التدمير الممنهج بفعل الاحتلال الاسرائيلي.