مطعم الديوك، الغذاء التراثي الفلسطيني مع أصالة البناء الطيني: نموذج واعد غرد خارج سرب النمط المعماري السائد
أصالة البناء الطيني في مطعم الديوك
خاص بآفاق البيئة والتنمية
في قرية الديوك، الى الشمال الغربي من مدينة أريحا، يأسر الزائر الطابع الذي يوحي بالنمط الصحراوي، لكنه بالحقيقة زراعي يحتضن الحبوب والحمضيات والموز والتمور التي ترتوي من مياه ينابيعه الثلاثة.
على مدخل القرية تعلو اشجار النخيل السماء، ومن خلفها قباب التلال الصخرية، قرية تتسم بالهدوء والبساطة العمرانية مقارنة بمدينة أريحا الآخذة بالتوسع والاكتظاظ.
قرية الديوك والتي لا تبعد عن اريحا إلا مسافة 10 دقائق اصبحت منطقة جذب للزوار، وعلى الرغم من الطبيعة والسكينة التي تلف المنطقة، فما زالت تفتقر لكثير من مقومات الحياة ويعاني أهلها وخاصةً النساء من صعوبة في ايجاد فرص عمل. من هذه المعطيات انطلق مركز "معا"، بمشروع رائد لتشغيل الايدي العاملة النسوية وإدرار دخلٍ لأسرهن، وبالمقابل جذب الزوار لمنطقة الديوك المهمشة.
نجاة ارمالية، سيدة في اوائل الاربعين، تعتبر ناشطة نسوية تكرس جلّ وقتها لخدمة القرية، حيث ساهمت في خدمة نساء قرية الديوك من خلال ادارتها للجمعية التعاونية الزراعية، وروضة الأطفال ومؤخراً الجمعية الخيرية والتي بالشراكة مع UN Women، وبتنفيذ من مركز معا* أصبح مقرها الرئيس جمعية ومطعم الديوك النسوي المستوحى من فكرة البيوت الطينية التي كانت رائجة في اريحا منذ آلاف السنين.
"كان لا بد من تأسيس الجمعية الخيرية النسوية للنويعمة والديوك لأن كثيراً من نسائنا تعملن بالمستوطنات بأجور زهيدة، ما يؤخر من مسيرة الديوك والنويعمة التطويرية.
وأضافت إرمالية من أمام المطعم الطيني المتميز بشكله البيضاوي ونوافذه الصغيرة العديدة: "إنها فرصة النساء للعمل من ولأجل القرية، ستوفر الجمعية الخيرية مقومات مدرّة للدخل من أغنام وخلايا نحل ودجاج بياض، وستنظم الجمعية دورات مهنية وارشادية وتنظم دروس تقوية لطلبة المدارس، وستشغل في المطعم من 4- 8 سيدات يكسرن روتينهن اليومي ويجنين أرباحاً تعود بالفائدة عليهن وعلى المطعم.
تصميمي هندسي صديق للبيئة في مطعم الديوك بالأغوار الفلسطينية المحتلة
مبنى يتميز بمضمونه الخيري المجتمعي ويبهر في شكله المعماري "القديم الجديد"
تتألف الجمعية المقامة في البيت الطيني الفريد في تصميمه المعماري، من قاعة لتنفيذ الورشات التثقيفية والإرشادية المختلفة، وغرفة لعرض المنتجات النسوية من اشغال يدوية ومأكولات فلسطينية ومنتجات غذائية، ومطبخ لإعداد الوجبات وساحة خارجية محاطة بالشجر والزهور والمناظر الطبيعية الآسرة لمنطقة الديوك.
حول البناء الطيني او اللبني تقول مصممة المبنى المهندسة دانة مسعد: "اللبن هو أسلوب البناء الذي يستخدم التربة المحلية المخلوطة بالتبن والمشكّلة بقوالب خشبية بسيطة على شكل طوب بناء يجفف تحت أشعة شمس غور الأردن الحارة. وهي الطريقة التي بنى بها أهل غور الأردن بيوتهم لعشرة آلاف سنة على الأقل، واستمرت حتى العقود القليلة السابقة، حينما اجتاحت مواد البناء الحديثة وبالأخص الاسمنت جميع المناطق، وقضت بذلك على معرفة استمرت وتطورت عبر آلاف السنين"..
وتضيف مسعد مستندة على المعلومات التاريخية حول البناء الطيني بأن أهل المدينة التاريخية اكتشفوا العمارة الطينية المعروفة باللبن فاستخدموها وقاموا بتطويرها، فعرفوا أن البناء الطيني هو الأكثر تناسبا مع مناخ وطبيعة المنطقة، وفهموا قدرة الجدران الطينية على العزل الحراري، وعرفوا بالفطرة والخبرة الطويلة المتوارثة مدى أهمية السعة الحرارية النوعية العالية التي تتمتع بها الجدران الطينية في توفير بيئة مريحة للمعيشة في صيف أريحا الحارق.
ولا غرابة، وفق مسعد، في اختيار أهل أريحا الطين كمادة للبناء وتفضيلها على أنواع البناء الأخرى التي استخدمت في فلسطين. فالمواد الخام اللازمة لإنتاج طوب اللبن وهي التربة الغنية بالكلس (الحوّر) والتبن، موجودة وبوفرة في منطقة الأغوار، كما أنه يمكن إعادة استخدامها إذا أصبح هناك حاجة لذلك بنقعها في الماء وصناعة طوب جديد.
"ارباح المطعم، ستمهد لتأسيس مشاريع جديدة مثل المقاصف المدرسية وإعانة الأسر الفقيرة ... الشكر الجزيل لمشروع الامم المتحدة الخاص بالنساء ولمركز معا، الذي اضفى الاصالة المعمارية على جمعيتنا، ما جعلها تتميز شكلاً عن كل الجمعيات في كل الاراضي الفلسطينية وبلا شك سيكون لها اكبر الاثر في المضمون". تختم نجاة التي لا تهدأ نشاطاً لخدمة قرية الديوك.
مطعم الديوك الخارج عن النمط المعماري السائد