العائلة المثالية
إذا أرادت عائلة ما، في العصر الحديث، ان تكون مثالية، بالمعنى البيئي، كيف عليها ان تكون؟ هو سؤال بات طرحه أكثر إلحاحا بعد ان قطع كثر الأمل من إمكانية ان تقوم الدول وتنتظم الحياة العامة ويتم إيجاد أنظمة عادلة تهتم بالشأن العام ويتم حماية الموارد كما الحقوق... وقد أصبح الرهان على العائلة والفرد ضروريا كمقدمة لإعادة بناء المجتمع وتكوين الحماية الضرورية للمصالح المشتركة التي يمكن ان تتقاطع مع مصلحة كل فرد، إذا ما تم النظر بنزاهة إلى المعطيات والاتجاهات وإذا ما تم الإخلاص للمبادئ الأولية.
ولعل السؤال الأول الذي يفترض الإجابة عليه، في حال أراد الأفراد أو العائلات أن يعيشوا بشكل مثالي ومخلص تجاه بعضهم البعض وتجاه الطبيعة التي يعيشون فيها، وكونهم جزءاً من كائناتها الحية التي تتشارك مع بعضها في وحدة الوجود والمصير... كيف يجب ان نعيش وما هي متطلبات الحياة البيئية والمثالية؟
نسارع الى القول أولا، ان أهم معيار لتحديد الحياة المبدئية والمثالية، هو مدى شمولية وعالمية المبدأ الذي نتبعه او نتبناه. ويمكن التأكد من ذلك عبر الإجابة على السؤال التالي: ماذا يحصل اذا فعل الآخرون مثلي؟ فإذا كان الجواب على هذا السؤال، "خير عام"، عندئذ يكون هذا المبدأ مبدئي فعلا والخيار صحيح ومثالي. يكون المبدأ صحيحا إذاً في حال حصل خير في تبنيه عالمياً. ونسارع الى إعطاء بعض الأمثلة على ذلك للتأكد من هذه القاعدة. فإذا طلب كل ولد من أفراد العائلة بأن يكون له سيارة خاصة وطبق هذا المبدأ كل أولاد عائلات الأرض، فسنكون أمام كارثة كونية، تحتاج الى 60 ضعف طرق الأرض الحالية وتتسبب بزحمة سير قاتلة، وتزداد انبعاثات العالم المشكو منها حاليا بأكثر من 60 ضعفا... وقد تحتاج البشرية الى 6 كواكب أخرى كالأرض كي تستطيع ان تمتص ثاني اوكسيد الكربون المنبعث من حركة النقل فقط!
من هنا يمكن الاستنتاج ان مبدأ "لكل فرد سيارة"، هو مبدأ انتحاري اقتصادياً وبيئياً ووجودياً. فعندما يزيد عدد السيارات للعائلة الواحدة عن سيارتين، نكون قد دخلنا في دائرة الخطر الشديد. هذا في حال كان مكان السكن بعيدا نسبيا عن خطوط النقل العام، أما في حال وجود النقل العام في المنطقة السكنية، فمن المستحسن الاكتفاء بسيارة واحدة للعائلة الواحدة. وكل زيادة على ذلك يعتبر زيادة في الضغط على مصاريف التنمية وتآكلا في المساحات الخضراء وزيادة في زحمة السير والانبعاثات والمشاكل الصحية والمناخية...الخ هذا على سبيل المثال. أما إذا دخلنا في المبادئ الأساسية للعائلة المثالية بيئيا فيجب ان لا يتجاوز عدد أفرادها الأربعة، كمبدأ أولي وأساسي. وكل زيادة على ذلك، يعتبر بداية ضغط غير عادل على الموارد وتأثيرات سلبية على الطبيعة بشكل عام. والحكمة من ذلك ان الام والأب عندما ينجبان ولدين فقط، فهما يحلان مكانهما بعد مماتهما، ولا تحصل عمليات زيادة سكانية استثنائية، ويتم المساهمة في حفظ توازن ما في الطبيعة.
كما يجب ان لا تتجاوز مساحة المبنى الذي تقطنه عائلة مثالية المائتي متر مربع. مساحة البناء مهمة أيضا وتحدد الحيز المكاني المريح والكافي للعيش، حيث تكون "البصمة البيئية" في حدها الأدنى. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المقتنيات التي يفترض ان تدرس دورة حياتها الكاملة قبل اختيارها. فكل سلعة لا تتطلب استنزافاً كبيراً للموارد عند إنتاجها ولا تترك أثراً بيئياً كبيراً عند تصنيعها وأثناء استخدامها وبعد تحولها الى نفايات... هي السلعة المفضلة للاقتناء والاستخدام. يضاف الى ذلك اعتماد معياري الاستدامة والضيان (بدل معايير السوق كالجديد والموضة) على السلع المفضلة للاستخدام.
وهكذا، كلما حصل شك حول الخيارات، يفترض العودة الى تطبيق المبدأ- السؤال: ماذا اذا تحول خيارنا الشخصي إلى خيار عام وعالمي؟