خاص بآفاق البيئة والتنمية
أراضٍ شاسعة ورثها عن عائلته، كانت شبه خالية إلا من بعض أشجار الزيتون، وعلى الرغم من حصوله على الماجستير من الولايات المتحدة في الاقتصاد، إلا ان مشهد الأرض الفارغة وغير المستغلة في قرية إم التوت جنوب شرق جنين، قد استفزه بشدة فأبعده عن التفكير في المناصب العليا والمؤسسات الرفيعة، فما كان منه إلا ان صب جلّ اهتمامه على الكنز الذي يملكه ولا ينضب، أرضه الطيبة التي حولها منذ سبع سنوات الى مزرعة نظيفة من أي مدخل كيماوي، بحيث سترفد قريباً السوق الفلسطيني -بشكل تجاري- بأجبان بيضاء وصفراء ومزروعات عضوية 100% في زمن الهرمونات والكيماويات والأصباغ والمواد الحافظة.
"ان لم افكر باستغلال ارض العائلة في ام التوت...لكانت اليوم بؤرة استيطانية من عشرات البؤر على اراضينا المنهوبة". قال صاحب المزرعة السيد مازن الجرباوي والذي اتسم حديثه بالهدوء والثقة أثناء تجواله مع مجلة "آفاق البيئة والتنمية" في أجزاء مزرعته المتنوعة المزايا، مشيراً الى ان أرضه شهدت تدريبات عسكرية للجيش الإسرائيلي في الماضي وتحديداً إبان مناورات حرب الخليج الثانية.
المتجول في ربوع مزرعة الجرباوي في ام التوت البالغة مساحتها 280 دونماً، يرى حقولاً واسعة من الحبوب مزروعة بالقمح والذرة والبرسيم والشعير والبيقا لغذاء الابقار والأغنام، وفي حقول أخرى صفوف من أشجار الزيتون لانتاج الزيت واللوز لصناعة مكسرات البوظة، وفي وسط المزرعة دفيئات للخضروات والأعشاب الطبية للبيع في السوق المحلي، وحظائر للدجاج لإنتاج البيض، وأخرى للأبقار والأغنام لإنتاج الحليب والجبن، وفي نهاية المزرعة مبنى صغير لتصنيع الجبن وبيتٌ للضيافة.
أشجار الزيتون تغطي أيضا جزءا من أراضي الجرباوي
العقل السليم في الجسم السليم
من مبادئ الجرباوي والتي ينتهجها في مزرعته، هي التغذية العضوية الجيدة للمواشي وفق مقولة "العقل السليم في الجسم السليم" لإنتاج غذاء صحي وفريد نفتقده في اسواقناً في ظل ارتفاع نسب الاصابة بأمراض السرطان والعقم بشكل ملحوظ، والذي تشير الدراسات الى ارتباطه بدرجة كبيرة بنوعية الغذاء. ومن حرصه الذاتي والمجتمعي يعدّ الجرباوي خلطة حبوب عضوية يضيف اليها كميات محددة من الكالسيوم لتحسين نوعية الحليب كأساس للجبنة البيضاء والصفراء والبوظة، الأخيرة التي يصنعها الجرباوي على الطريقة الايطالية في محله في وسط جنين "جلاتو"، والتي تتميز بمذاقها المستمد من الفاكهة الموسمية في بلادنا وخلوها من المواد الحافظة، كما تقل فيها السعرات الحرارية بنسبة 60% عن البوظة العادية.
حالياً وعلى نطاق محدود، يتم تسويق الجبنة العربية البيضاء لمحلات الحلويات وعبر طلبيات خاصة للراغبين من العائلات، وينوي الجرباوي خلال الشهرين القادمين تسويق جبنته الصفراء بأنواعها الخمسة في الاسواق كأول منتج فلسطيني ينافس جبنة الاحتلال "عيمك" والتي يتحدى الجرباوي أي مختبر مختص بأن يقوم بفحص الأخيرة ليكشف عن المواد الضارة الموجودة فيها والتي وصفها الجرباوي بـ "البلاوي".
|
|
أصناف مشهية من البوظة العضوية المطعمة بالفاكهة البلدية الموسمية في دكان الجرباوي
|
أغنام نظيفة في مزرعة مازن الجرباوي تتغذى وفق نظام غذاء عضوي لإنتاج الأجبان |
مزرعة أم التوت تدلّل أبقارها
"يدلّل" الجرباوي أبقار المزرعة وأغنامها حيث يتركها ترعى بعد أن تتشمس بعيد الظهيرة لأربع ساعات على مساحة 35 دونماً عدا عن تناولهم كما ذكر سابقاً لأعلافٍ عضوية نظيفة من انتاج ارض المزرعة حيث يتم جرشها ومن ثم تشويلها وتخزينها حيث تكفي تلك الكمية لاستهلاك عام كامل.
يقول الجرباوي وهو يشير الى حقوله الخضراء: "قبل ان أبدأ مشروعي العضوي ضمت أرض العائلة أشجار زيتون على مساحة 50 دونماً، وبعد ان قمت بتكسير الصخور التي تشكل طابع هذه الأرض، أضفت لها 300 شجرة زيتون و800 شجرة لوز، ومن ثم دمجت الصناعة بالزراعة بإحضار عشراتٍ من رؤوس الماشية والتي بالمناسبة توفر لنا سماداً عضويا وفيراً على طوال العام".
"التنمية الزراعية في ارضي تخدم وطني أكثر من عملي في مؤسسة رفيعة"
ويضيف وبصوته نبرة رضا: "تركت شهادتي في الحقوق والاقتصاد لأكرس طاقتي في التنمية الزراعية والاقتصادية وتحسين السياحة الاقتصادية المحلية، فالمواشي أحد ركائز الامن الغذائي لأي بلد ناشئ وبالذات الحليب والبيض واللحمة، وانتاجنا المحلي في ظل توفّر الخبرات قادر على منافسة الاحتلال وسوقه التجاري بقوة، ولكن ينقصنا الدعم الحكومي والاستراتيجيات الوطنية".
يكره الجرباوي روتين الوظيفة اليومي وبالرغم من ان العمل في المزرعة يستنزف وقته وجهده وماله، إلاّ أنه يجده اكثر متعة من الجلوس ساعات طوال في المكتب يؤدي وظيفة عادية لا تخدم وطنه.
تشرف على مزرعة أم التوت عائلتان تسكنانها، لتتابعا شؤونها عن قرب، فيما يتم استئجار عمال لفترات محدودة في مواسم القطاف والحراثة.
يؤكد الجرباوي بأن انتاجه ليس تجارياً بالمعنى المادي للكلمة، بل لمن يبحث عن النوعية النظيفة، مشيراً الى انه اصر على ان يدخل قريباً بشكل تجاري بالجبنة الصفراء لقلة توفرها فلسطينياً.
|
|
السماد الطبيعي في مزرعة الجرباوي متوفر طيلة أيام السنة
|
إنتاج الحبوب من أراضي الجرباوي لعلف حيوانات المزرعة
|
نظافة وأعشاب وقائية
في بيت الضيافة المتواجد في المزرعة يتعرف الزوار الاجانب المبتعثين من وزارة الزراعة على المزرعة ونمط الانتاج العضوي الفريد فيها.
يربي الجرباوي الصيصان ويبيعها دجاج لاحم للتجار، معترفاً بأن علف الدواجن هو الغذاء الوحيد غير العضوي 100% حيث ان حبوبه المستوردة مهجنة نظراً لغياب البديل، لكنه في ذات الوقت يؤكد أن ادوية الدجاج ومضاداته عضوية أحضرها من إيطاليا. ويستطيع الزائر للمزرعة أن يستشعر نظافة بيت الدجاج فبين الدورة والثانية 21 يوماً، والبيت مزود بالمراوح والدفيئات التي تعمل على الكهرباء وخلايا الماء الكرتونية للتبريد، كما يتم تصنيع خلطة اعشاب مختلفة تضاف لماء الشرب الخاص بالدجاج لرفع نسبة مناعتهم حتى 80%.
ولأن المزرعة تبيع منتوجها مبدئياً حسب التواصي والطلبيات، فإن الجرباوي ما زال يدفع تكاليف المزرعة من جيبه، حيث لم يسترد راس المال بعد سبع سنوات من انشاء المزرعة، لكنه يؤكد انها ستعطي ربحا جيداً حين يفتتح خط الانتاج الكبير قريباً بشكل تجاري مع اسم خاص بها.
وفي بركس الأغنام، شاهدت آفاق انواعاً متنوعة سواء بلدية وافرنجية منها والمثير للاهتمام أن الرائحة غير المستحبة تكاد تختفي من المكان، حيث يهتم الجرباوي -عدا النوعيات المميزة التي ينتقيها من الاغنام والخراف- بنظافة الحظائر بدرجةٍ كبيرة.
"بعد أن تولد الغنمة، يتم سقاية صغارها بخلطة من الشعير والروزماري لوقايتها من الأمراض وتقوية مناعتها". ختم الجرباوي حديثه لمجلة آفاق التي كانت أول وسيلة اعلامية تدخل مزرعته النموذجية التي تعّد بلا مبالغة نقطة مضيئة على مستوى الاقتصاد الزراعي الوطني.
|
|
بيت دجاج الجرباوي نظيف جدا والفترة بين كل دورة وأخرى 21 يوما
|
دكان الجرباوي -جيلاطو- في جنين لبيع البوظة العضوية
|
|
|
زراعة القمح والذرة العضويين لحيوانات مزرعة الجرباوي |
عزل خزانات المياه لحفظها باردة للأبقار
|
|
|
كل مزرعتي عضوية لأنني أكره أي شيء كيماوي يقول مازن الجرباوي
|
لو لم يزرع الجرباوي أرضه بالحبوب لكان الاحتلال قد غمرها بالمستعمرات
|
|
|
مازن الجرباوي زرع أشجار اللوز لاستخدام ثمارها في تصنيع البوظة العضوية |
مصنع الأجبان الضفراء الذي يشرف عليه مازن الجرباوي
|