خاص بآفاق البيئة والتنمية
ينشط الصحافي محمد دراغمة دائماً عبر فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، ليدوّن الكثير عن السياسة الجارية والأخبار التي يصنعها. للوهلة الأولى، تبدو توقيعاته الإلكترونية عادية، غير أن تتبعها لوقت أطول، يكشف عن بيئي يختفي بزي إعلامي.
وبجولة في أبرز ما كتبه، يحصل الزائر على الكثير، أولها: "لو أن كل صائم امتنع عن إلقاء أي نوع من النفايات في الشارع لصارت بلدنا أنظف من ألمانيا، ولنتذكر: إماطة الأذى عن الطريق صدقة"، بينما خط في ركن افتراضي ثانٍ: "ثمة تطرف وتعصب جارف يظهر في أبسط سلوكيات وآراء الفلسطينيين هذه الأيام، تطرف في الفرح وفي الغضب، تعصب في السياسة وفي الثقافة، تطرف في الحب وفي الحرب، الذاهب الى حفلة فنية يتصرف كأنه ذاهب الى مواجهة مسلحة، نتعامل مع النساء ومع البيئة كأنهم أعداء لا بد من نهشهم علنا. الحوار خرج من حياتنا ولم يعد..."، وعلى "جدار" إلكتروني آخر قال: "ستزول المنغصات من حياتنا فقط عندما تزول النفايات من شوارعنا. النفايات ليست تلك الأجسام الصلبة كما تعلمنا في المدارس إنما هي حالة ثقافية"، لكن الأقسى وقعاً من بين عباراته:" من يحب وطنه لا يحوله إلى مزبلة. بيئتنا تتحول إلى مزبلة تتسع يومًا بعد يوم، وتهدد بإغراقنا، الكل يلقي قمامته في البيئة، من السيارات ونوافذ البيوت وفي الشوارع...نحن بحاجة إلى ثورة بيئية."
سيرة وبداية
ويعمل دراغمة(49 عاما) في وكالة "الاسوشيتدبرس" العالمية، وخرج إلى الحياة في طوباس، ويسكن اليوم رام الله، فيما درس بجامعة النجاح في نابلس، وفي سيرته الذاتية الكثير من الدورات المتقدمة في الصحافة من جامعات ومعاهد أمريكا وبريطانيا والسويد. أعلى النموذأسفل النميقول: بدأ اهتمامي في البيئة منذ كنت في الثانوية العامة خلال الثمانينات، وقتها، أسست لجنة للعمل التطوعي في طوباس، وكنت وزملائي ننظف الشوارع والساحات والمقابر، ونساعد الناس في المواسم المختلفة.
ووفق دراغمة، فإن المساهمة في تنظيف البيئة يمنح صاحبه إحساسًا بمذاق خاص، يتلخص بمساهمته في جعل بلده مكانًا مريحًا للحياة، ومحفزًا للتفكير، ومشجعاً للعمل.
"صدمة" وتهديدات!
يزيد: بعد سفري إلى أوروبا واليابان والولايات المتحدة، وجدت البيئة عقيدة إنسانية. وعندما تنقلت للمرة الأولى في حياتي إلى الخارج، كانت وجهتي مدينة سالزبورغ في النمسا، وأول مشهد واجهته نظافة البيئة، مشهد يخطف الروح. نظافة مطلقة، كانت محرضًا آخر لي على الايمان بأهمية البيئة النظيفة لحياة صحية، نفسيًا وصحيًا وإنسانيًا. وباتت البيئة وحقوق الإنسان هي عقيدتي، وأيدلوجيتي الشخصية التي أعمل على تحقيقها من خلال دوري وعملي المهني.
وبحسب دراغمة، فإن ثمة جملة من التهديدات والعوامل المدمرة للبيئة في فلسطين. في مقدمتها الإنسان، فهو بصورة عامة يعادي البيئة، ويبادر الى تدميرها بشيء من العبثية، وإذا وجد مصلحة له في تدمير نبع مياه، أو حديقة، أو بقعة خضراء، فإنه يفعل ذلك دونما تردد أو رأفة. وهذا ناجم عن ميل بدائي وفقر ثقافي وحضاري.
يتابع: النفايات الفردية هي العامل الأول في تدمير محيطنا الأخضر. الناس تلقي بنفاياتها في الشوراع والحدائق والأراضي بصورة بدائية. كما أن نوع النفايات الأخطر هو البلاستيكي الأكثر إستعمالاً، والذي تبقى آثاره المدمرة في البيئة لمائة سنة حتى لو تعرض للجمع والحرق.
يوالي دراغمة: التحدي الكبير أيضاً، يكمن في طريقة التخلص من النفايات العامة، وهي طريقة غير عصرية وغير علمية؛ فالطريقة العملية تقوم على فرز النفايات وإعادة تدويرها، بينما في بلادنا تقوم على الحرق الجماعي، ما يشكل مصدرًا لتلوث للبيئة. كما أن مكبات تجميع النفايات تقام دون مراعاة لقربها من مصادر المياه الجوفية.
غياب
واستناداً إلى دراغمة، فإن البيئة شبه غائبة عن الصحافة المحلية. أما بالنسبة له فهي تحتل أهمية كبيرة، ومؤخرًا أنجز موضوعًا عن المبادرات البيئية في مجتمعنا، تناول فيه مبادرة ريادية في مدرسة الفرندز برام الله.
يؤكد: التغيير ليس سهلاً، وأحيانا يبدو لي أن مشكلة البيئة لا تقل صعوبة عن معضلة الاحتلال. المعضلة بنيوية في الثقافة والتربية، وهو ما يجعل الأمر صعبًا. لكن أن تبدأ متأخرًا، خيرٌ من أن لا تبدأ أبدًا. فالمبادرات الفردية والجماعية مهمة، وقد تشكل بداية لعملية طويلة تستغرق عقودًا نحو التغيير.
أفكار خضراء
يوالي: للأسف لم أشارك في مبادرات حديثة، وفكرت مؤخرًا بإطلاق دعوات إلى الفصائل الوطنية لإعادة تشكيل لجان العمل التطوعي والشبيبة، وفكرت في إطلاق موقع على الانترنت تحت عنوان: "من يحب وطنه لا يحوله إلى مكب نفايات". لكن ضيق الوقت حال دون أن ترى هذه المبادرات النور، وها أنها أعلنها عبر هذه المجلة، أملا في أن يتبنى النشطاء الشباب مثل هذه الأفكار لتخرج إلى النور على أيديهم.
ويرى دراغمة أن التغيير مهمة صعبة، فنحن في حاجة الى البدء، وإطلاق حملات تتولاها مجموعات شبابية في المدارس والجامعات والقوى السياسية، وتنقصنا إعادة إحياء العمل التطوعي ببعده السياسي والاجتماعي والثقافي، من خلال توجه جديد للقوى السياسية والاتحادات المهنية مثل الكتاب والصحافيين والأطباء والمحامين والعمال، وغيرهم.
aabdkh@yahoo.com