هل تريد الدول الصناعية حقا تخفيف الاحتباس الحراري؟ لماذا لا تلغي دعمها للوقود الأحفوري؟
حصة الدول في الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري وبعض النشاطات الصناعية
خاص بآفاق البيئة والتنمية
بالرغم من حملات النقد والتشكيك، يوجد بين علماء المناخ شبه إجماع حول وجود ارتفاع في درجة حرارة الأرض حاليا، إلا أن الخلاف بينهم يدور حول شدته وخطورته، وحول ما إذا كانت البشرية سبب حدوثه.
في كل الأحوال، بما أننا لا نعرف على وجه الدقة كل احتمالات تسبب الانبعاثات الغازية بأذىً خطير للأنماط المناخية، ولصحة وحياة ومستقبل الناس، وما دام هناك عدم يقين وغموض، وعدم قدرة أية جهة علمية لإثبات فرضياتها ونظرياتها بشكل كامل، أفلا يجدر بنا، من باب الحيطة والحذر، أن نقلل إلى الحد الأدنى من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، بل أن نتخلص منها نهائيا؟ إن تجاهل مسألة الانبعاثات الغازية، قد يؤدي إلى زعزعة التوازن والاستقرار المناخي، محليا وإقليميا وعالميا، وتخريب البيئة التي نعيش في ظلها، وبالتالي إلحاق الأذى بالصحة والسلامة العامة، وتهديد وجود الأنظمة الاقتصادية والسياسية.
ومن الواضح أن الدول الصناعية الغربية تتحمل المسؤولية الأساسية في انبعاث الجزء الأكبر من الغازات الكربونية، وبالتالي عليها أن تعمل أكثر مقارنة بدول الجنوب على الحد من هذه الانبعاثات. والحقيقة أن الدول الصناعية الغربية تستهلك أكثر من ثلاثة أرباع الموارد العالمية. لهذا، يستطيع سكان هذه الدول، فرادى وجماعات، التأثير إيجابيا، وإلى حد كبير، في مجتمعاتهم التي تلعب دورا أساسيا في عملية تدمير البيئة العالمية.
لكننا، فيما يعرف ببلدان الجنوب الفقيرة، نستطيع أيضا أن نؤثر في مجتمعاتنا، باتجاه الدفاع عن وحماية مواردنا وثرواتنا غير المتجددة، والتي تنهبها حاليا الشركات الأميركية والغربية "العابرة للقوميات" التي هي نفسها، وبالتعاون مع الأنظمة والشرائح الطبقية المنتفعة، عملت وتعمل على تعميم وترسيخ أنماط حياتية استهلاكية ملوثة لإنسانية الإنسان والبيئة العربية.
ومن بين الإجراءات الفعلية التي على الدول الصناعية أن تنفذها، إن هي أرادت حقا التخفيف من خطورة تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، إلغاء الدعم الحكومي للوقود التقليدي (الأحفوري)، وبالمقابل دعمها لتطوير ونشر تقنيات الطاقة المتجددة والفعالة.
وفي سياق الحديث عن الدعم العالمي وبخاصة الغربي الهائل لاستهلاك الوقود الأحفوري، قالت مؤخرا وكالة الطاقة الدولية التي تقدم المشورة في شؤون الطاقة إلى 28 دولة صناعية، إن من المنتظر أن يصل الدعم العالمي لاستهلاك الوقود الأحفوري إلى 660 مليار دولار في 2020، أي 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ما لم يتم إقرار إصلاحات للقضاء على هذا النوع من الدعم الحكومي. وقالت الوكالة وفق مقتطفات من تقريرها السنوي عن الطاقة في العالم: "أنفقت الحكومات ودافعو الضرائب نحو نصف تريليون دولار عام 2011 على دعم إنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري. وفي وقت تستمر فيه الأسعار المرتفعة، يمثل الدعم عبئا اقتصاديا كبيرا". وقدرت الوكالة الدعم في عام 2010 عند 409 مليارات دولار بالمقارنة مع 312 مليار دولار في 2009. وحظيت منتجات النفط بأكبر دعم عند 193 مليار دولار في عام 2010 في حين بلغ دعم الغاز الطبيعي 91 مليارا، وقدمت إيران والسعودية أكبر دعم.
وقالت الوكالة إن انهاء دعم استهلاك الوقود الاحفوري بحلول عام 2020 سيخفض الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 4% ويخفض بدرجة كبيرة نمو انبعاثات الكربون.
وللتقليل بشكل جذري من عملية الاحتباس الحراري، يجب على حكومات الدول الصناعية بشكل خاص أن تفرض على أوساطها الصناعية أنظمة عمل وخطوات فعلية. وعلى سبيل المثال، لا بد من زيادة كفاءة السيارات والشاحنات، ومحطات توليد الكهرباء، والمصابيح الكهربائية، وأنظمة التدفئة والتكييف، فضلا عن زيادة عدد الكيلومترات المقطوعة لكل لتر من وقود المركبات، ما سيخفض كثيرا نسبة ثاني أكسيد الكربون المنبعث إلى الجو.
علاوة عن ذلك، يمكننا تقليص معدل الطلب على الكهرباء بنسبة نحو 40% من خلال استخدام التقنيات الموفرة في استهلاك الطاقة والمتوفرة حاليا في الأسواق.
ويفترض وضع معايير دولية جديدة أكثر صرامة لترشيد استهلاك الطاقة، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة، ولابد من إنشاء وكالة دولية جديدة، أو توسيع صلاحيات الوكالات القائمة التي عليها أن تسهل عمليات الانتقال السريع إلى مرحلة استهلاك الطاقة المتجددة، في دول الشمال والجنوب على حد سواء.