شذرات بيئية وتنموية...مُناخ وبطيخ مُستهدف وبطالة وبلديات ووحش غلاء...
خاص بآفاق البيئة والتنمية

قمة النفاق المناخي في دبي
قمة وقاع
انشغلت نحو شهرين بمرض أمي ووفاتها، وقللت كثيرًا من الكتابة ومتابعة منصات التواصل، واعتذرت عن أعمال عديدة، لكنني توقفت عند أكذوبة قمة الإمارات الأممية 28 للمناخ، خاصة أنني أنحاز للبيئة منذ ربع قرن، وأتخصص في إعلامها، واخترت تتويج دراستي العليا بإطروحة بيئية، وأمارس في حياتي قناعات خضراء تطبيقية كصناعة الأسمدة العضوية، والتدوير، وفرز النفايات، وأحرص على توعية شرائح مجتمعية عديدة بالاستدامة ونصرة الأرض والكف عن تلويثها.
رأيت في تلك القمة تهريجًا وضحكًا على الأرض والمناخ، ولو كان هناك شخص عاقل واحد يدعي اهتمامه وحرصه على البيئة لعارضها لأسباب كثيرة، ولتظاهر ضدها.
قاع السقوط في قمة المناخ أن قادة دول الأرض وبعض مسؤولي وزارات البيئة يتشاركون في الكذب والتضليل، ليس لأنهم قفزوا عن الحديث عن حرق غزة ببشرها وشجرها وحجرها وبحرها ونسيمها، بل لأنهم أكبر المدعين والمزورين، فهم يتاجرون بأسلحة الدمار الشامل، ويهلكون الحرث والنسل، ويلوثون كل شيء، ثم يدعون أنهم يناصرون البيئة، ويقلقهم التغير المناخي، ويزعجهم الجفاف، ويطلقون برامج التخضير وتقليل الانبعاثات، وغيرها.
ببساطة، يكفي القول للإمارات إنك دولة نفطية، ومساهمتك في تصدير الوقود الأحفوري لا يؤهلك لاستضافة قمة كهذه. وحري سؤال الذين شاركوا بالقمة عن القدر الذي ساهموا فيه بطائراتهم الخاصة، بتلويث البيئة، وزيادة الانبعاثات، وهدر الطعام والموارد!
في الهامش، كيف حال الأحزاب الخضراء، التي كانت تدعي تعليمنا مفاهيم حماية المناخ والقلق من اتساع ثقب الأوزون، كما في ألمانيا؟ وما هي أشكال مشاركتها في حرق غزة؟

دوار البطيخة في جنين قبل التدمير
معالم مُستهدفة
تميزت جنين ببطيخها، قبل الاحتلال وحتى نحو عام 1985، فقد كانت تصدره للأردن والشام والخليج الذي كان عربيًا.
هذه الثمرة العسل، تضم ألوان العلم تلاشت من حقول المدينة، وخاصة مرج ابن عامر، بعد الزحف الاسمنتي القاتل، وأمراض التربة، وتغيرات المناخ.
استهدف جيش الدولة النووية دوار البطيخة، الذي يرمز لتاريخ جنين واقتصادها الزراعي، وهو ما يذكرنا بما تسمى وكالة الطاقة الذرية التي كانت تبحث في العراق عن أسلحة كيمائية في قصور الرئيس الراحل صدام حسين، وهي تعلم أنها كذبة أميركية!
تشهد جنين حرب رموز طالت قوس النصر بنسخته الفلسطينية، وحصان الدكتور خليل سليمان، ودواوير لطلبة حرية.

الدولة النووية الإسرائيلية استهدفت دوار البطيخة في جنين بالتدمير!
وتم استكمال تدمير أي مكان أو أيقونة تحمل رسالة وطنية، وأظن القادم استهداف أي مدرسة أو شارع يُخلد قامة تركت بصمة، أو تستحضر رمزًا، حتى قبل عام 1948، وربما سيطال الخراب شهـداء الجيشين العراقي والأردني، وأضرحة الشهداء.
الحرب ليست على اللحم والدم والشجر والحجر والوجود فقط، بل على إعادة هندسة وعي فلسطيني جديد، يركض وراء رغيفه وإقفال فم قرض سيارته، ويرفع راية بيضاء!
هذه الدولة النووية المدعومة من القوى الاستعمارية العظمى وعقلها بمجسم لحصان معدني صنعه الفنان الألماني توماس كيلبر من حطام سيارة الإسعاف التي ارتقى فيها الدكتور خليل سليمان عام 2002، وبقايا مركبات دمرها الغزاة في المدينة ومخيمها!

عمال جنين العاملون في السوق الإسرائيلي
تخطيط مؤجل
خطط المحتلون لاستقدام 160 ألف عامل هندي وصيني وتايلندي بدلًا من الأيدي العاملة الفلسطينية في فروع البناء والزراعة والمطاعم. وهو رد فعل اقتصادي في شكله سياسي في جوهره وأهدافه، ولا ينفصل عن مساعي الحصار والتضييق على شعبنا بعد 7 تشرين الأول الماضي.
كان علينا استباق هذه الخطوات من الآن بالبحث عن بدائل واقعية لكم هائل من العمال، كي لا يغرقوا في وحل البطالة.
ندرك أن سوق العمل المحلي لن يستوعب هذا العدد الكبير، رغم تعطش قطاعات مثل البناء والزراعة له، إلا أن الأوضاع الاقتصادية التي ستطرأ وفوارق الأجور الضخمة لن تساهم في امتصاص هذا العدد، كما أن الزراعة مرتبطة بأسواق الاحتلال في مدخلاتها ومخرجاتها، ويمكن أيضًا أن تعلن إسرائيل عليها الحرب الاقتصادية، ومن المؤكد تراجع سوق العقار والإنشاء بشكل حاد.
ما يعقد المعضلة أن الأسواق الخارجية، وبخاصة العربية والأجنبية، لن تستقبل عمالة فلسطينية بهذا الحجم-ولأسباب سياسية أيضًا-.
ما لم نخطط بأيدينا لما يمكن فعله، فإن معضلات اجتماعية واقتصادية ونفسية كبيرة تنتظرنا، وتهدد في نهاية المطاف بتضاعف أعداد الراغبين بحزم أمتعتهم مكرهين من الوطن، وهو جزء من أهداف جلب الهنود، لإحكام حصار اقتصادي على الضفة الغربية؛ بالتزامن مع زيادة جرعة العدوان والقتل والتنكيل!
نأمل ألا تكون خطط التحضير لاستيعاب عمالنا مكررة من تجارب "وقفة عز" والعناقيد التي لم تزهر أو تثمر!

مكب نفايات قبالة هيئة محلية فلسطينية
مكب نفايات!
زرت هيئة محلية كبيرة، وبالصدفة توقفت قليلًا عند مدخلها فشاهدت للأسف مكب نفايات كبير وعشوائي أمامها، اتصلت بأحد الأعضاء فيها وأخبرته بضرورة اتخاذ إجراء ما، فلا يمكن لهيئة أن تساهم في تنظيف منطقة نفوذها، أو توجه الدعوة لمواطنيها بالمساهمة في تنظيف هيئتهم دون أن تبدأ هي بذلك انطلاقًا من مقرها.
المفارقة أن بعض موظفي الهيئة المحلية لا يعرفون شيئًا عن هذا المكب، وهذا يدلل على حجم الخراب الكبير الذي نعيشه على الصعد كلها.

غلاء الأسعار يستنزف جيوب فقراء فلسطين
معيشة وأجور
وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد بلغت نسبة غلاء المعيشة منذ عام 1996 وحتى 2023 حوالي 126%، أي بزيادة 1,261 شيقل لكل 1,000 شيقل من الأجر الشهري، وإذا ما حسبت منذ عام 2004 فقد بلغت حوالي 60%، أي بزيادة مقدارها 602 شيقل لكل 1,000 شيقل من الأجر الشهري، بينما بلغت نسبة التآكل في الأجور والرواتب حوالي 45% منذ عام 2008 وحتى 2023 بسبب ارتفاعات الأسعار المتتالية خلال السنوات الماضية.
وقبل أيام أعلن عن رفع أسعار المياه، وتتصاعد أسعار معظم السلع، وتلتهب أثمان الخضروات والفواكه منذ مدة، وتعجز أسر كثيرة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، وفوق هذا كله، لا نجد إجراءات فعلية لكبح الغلاء.
ما لم نغير من نزعتنا الاستهلاكية، ونحارب ثقافة القروض والكماليات المبالغ فيها، ونتوقف عن تأجيل الأزمات دون حلها، فإننا سنعجز في قادم الأيام عن تلبية احتياجاتنا الأساسية، وستتشكل المزيد من "جيوش" الفقراء الجدد.