تأييد الولايات المتحدة لوقف استخراج النفط والغاز والفحم يثير شكوكاً حول مصداقيتها

دبي/ آفاق البيئة والتنمية: ساهمت الولايات المتحدة في قيادة الجهود في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب28" الذي انعقد في دبي (ديسمبر الماضي) للتوصّل إلى اتفاق حول التخلّي تدريجياً عن الوقود الأحفوري، لكنّ وضع القوة العظمى كأكبر منتج للنفط في العالم يثير شكوكاً حول مصداقيتها.
فالولايات المتّحدة التي غالباً ما يصفها المدافعون عن البيئة بأنها متخلفة أو حتى شريرة في دبلوماسية المناخ خصوصاً في ظل رؤساء جمهوريين، صدمت مراقبين مخضرمين خلال مؤتمر "كوب28" بعد أن أيّدت الدعوات للتوقف عن استخراج النفط والغاز والفحم، في حين أنّ السعودية أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، تعارض هذا الأمر بشراسة.
ويمثّل النهج التعاوني جهداً جديداً لترك إرث يبذله المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري، وزير الخارجية الأسبق الذي بلغ في ديسمبر الماضي الثمانين من العمر في خضم مفاوضات المناخ.
واستذكر كيري دوره في "اتفاق باريس" الذي أُبرم عام 2015 وحدّد هدف حصر الاحترار المناخي (ارتفاع درجة حرارة الأرض) بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، وقال أنه ينتابه شعور بوجود "مهمة وضرورة" في دبي، بعد سلسلة من موجات الحرّ القياسية والكوارث الطبيعية.
واستثمر الرئيس الأميركي جو بايدن أموالًا طائلة في مشاريع مناخية في إطار "قانون خفض التضخم" الذي بلغت قيمته 1,2 تريليون دولار والذي يموّل استثمارات كبرى مرتبطة بالسيارات الكهربائية وتحديث شبكات الطاقة وغيرها من المناطق الخضراء.
إلا أنّ الولايات المتّحدة وبعد سنوات من التوسّع المدفوع بالتقنيات الحديثة، أصبحت أيضاً أكبر منتج للنفط في العالم، إذ أنّها ضخّت خلال عام 2022 ما معدّله 20 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل 21% من إجمالي النفط العالمي، بحسب "إدارة معلومات الطاقة الأميركية".
وقال السناتور إد ماركي، عضو الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه بايدن والذي خلف كيري في مقعده في مجلس الشيوخ، لصحافيين في المؤتمر "نحن أنفسنا ننتشي بالنفط والغاز الطبيعي الذي تصدّره الولايات المتحدة كل يوم".
وقال "شركاتنا لا تريد التوقف عن القيام بذلك أيضاً"، محذراً من أنّ الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها "بتعليم الاعتدال" للآخرين.
يذكر أن بايدن حافظ على وتيرة سلفه دونالد ترامب الذي كان مُشكِّكاً في مُسالة تغيّر المناخ، من خلال الموافقة على حفر الآبار، مشيراً بشكل جزئي للحاجة إلى تعويض نقص النفط في العالم الذي تسببت به العقوبات الغربية التي فُرضت على روسيا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وقالت آلي روزنبلوث من مجموعة "أويل تشينج إنترناشونال" البيئية "بينما نتحدث عن التخلص التدريجي (من الوقود الأحفوري) هنا، ينبغي أيضاً أن تفعل إدارة بايدن المزيد في الداخل".
وأكدت أن الإدارة الأميركية تراهن على "تقنيات نعلم أنها غير فعالة وباهظة الثمن"، في إشارة إلى الاستثمار الضخم في تقنيات احتجاز الكربون المثيرة للجدل التي ترمي إلى خفض الانبعاثات الناجمة عن استخراج الوقود الأحفوري.
وتتحدّث المُسَوَّدات المقترحة للنصّ الختامي لمؤتمر المناخ عن خفض "لا هوادة فيه" للانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري، وهو ما يرمز إلى الاستمرار في السماح باستخدام النفط والغاز والفحم ولكن مع محاولة تقليل تأثيرها.
ومع ذلك، فوجئ بعض الناشطين البيئيين بأنّ الولايات المتحدة تبدو وكأنها تتبنى لهجة حادة تطالب بإنهاء استخراج الوقود الأحفوري.
وقال جان سو من مركز التنوّع البيولوجي أن "هناك تحولاً ملموساً شهدناه في السياسة الخارجية الأميركية بشأن المناخ، إذ يجري الابتعاد عن الاعتماد على احتجاز الكربون وتخزينه وغيرها من التقنيات وآليات السوقية البحتة لمعالجة حال الطوارئ المناخية".
غير أن هناك أمر مهمّ لكن لا يحظى بأهمية كبيرة في مؤتمر المناخ هو أنّ موعد الانتخابات الرئاسة الأميركية يحلّ بعد أقلّ من عام، وأن ترامب يسعى للعودة إلى البيت الأبيض.
وأقرّت السيناتورة ليزا موركوفسكي، وهي عضو معتدل في الحزب الجمهوري من ولاية ألاسكا المنتجة للنفط والغاز، بتأثير الوقود الأحفوري على المناخ لكنها شكّكت في "هذا النهج المبني على مجرد إبقاء (الوقود الأحفوري) في الأرض" خصوصاً في المناطق النائية.
وأضافت موركوفسكي وهي العضو الجمهورية الوحيدة في مجلس الشيوخ الأميركي التي تشارك في مؤتمر المناخ "أعتقد أن الانتقال إلى التخلص التدريجي (من الوقود الأحفوري) لا يقرّ بواقع الانتقال (إلى الطاقات النظيفة) الذي نواجهه حالياً".
لكنّ ترامب والعديد من الجمهوريين المتشددين الآخرين يعتمدون نهجاً تصادمياً أكثر وينكرون الإجماع العلمي بشأن تغيّر المناخ.
وقال كيري أن دور الرئاسة الأميركية سيكون أقل تأثيراً لأن الشركات الأميركية وحكومات الولايات والحكومات المحلية، قد التزمت بالفعل بالتحول الأخضر.
وأضاف "لقد مرّت فترة كان من الممكن أن يُحدث ذلك خلالها فارقًا كبيرًا، لكن ليس الآن". وأضاف "حتى عندما كان دونالد ترامب رئيسًا، كان 75% من الكهرباء الجديدة في الولايات المتحدة يأتي من مصادر الطاقة المتجددة. وأعتقد أنه لم يكن يعرف ذلك، (لو كان يعرف) لحاول إيقافه". كما يعارض العديد من الجمهوريين بشدة تقديم المساعدات المناخية التي تُعدّ جزءاً أساسياً من محادثات الأمم المتحدة، إذ تتعهّد الدول الغنية مساعدة الدول الأكثر تضرراً من ظاهرة تغيّر المناخ. ووعدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس خلال مؤتمر "كوب28" بتقديم ثلاثة مليارات دولار لـ"الصندوق الأخضر للمناخ".
ومع ذلك، أعرب السناتور الديموقراطي كريس كونز عن تفاؤله بشأن المساعدات وأشار إلى أنّ العديد من استثمارات بايدن المناخية تذهب إلى أجزاء من الولايات المتحدة التي عادة ما تصوّت لصالح الجمهوريين.
وقال كونز "هل أقترح أنّه إذا أصبح الرئيس السابق هو رئيسنا المقبل فإنّ كلّ شيء سيكون على ما يرام؟ لا على الإطلاق"، مضيفاً "لكنّني أقول أن هناك دعماً واسعاً وعميقاً بما فيه الكفاية لمواصلة الاستثمارات في مكافحة تغير المناخ".
المصدر: AFP