خاص بآفاق البيئة والتنمية
لمواجهة تغير المناخ، هناك حاجة متزايدة للانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة الحيوية، وطاقة أمواج البحر. ولن يساعد هذا التحول على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري فحسب، بل سيعزز أيضًا أمن الطاقة ودعم النمو الاقتصادي المستدام، فقد أصبحت تقنيات الطاقة المتجددة أكثر تنافسية من حيث التكلفة، وشهد قطاع الطاقة المتجددة نموًا سريعًا في السنوات الأخيرة. ففي قطاع غزة تحديدًا، زُوّدت العديد من محطات تحلية المياه وآبار المياه والآبار الزراعية ومحطات معالجة الصرف الصحي بالخلايا الشمسية التي بدورها ساهمت في التقليل من أزمة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وعدم توفر الطاقة الكافية بسبب الحصار الإسرائيلي.
|
تعد المياه والطاقة الخضراء والمتجددة من الركائز الأساسية نحو تحقيق التنمية المستدامة والتي تبنّتها منظمة الأمم المتحدة، إذ تعد المياه الشريان الأساسي للاقتصاد الأخضر الذي يهدف إلى الحد من المخاطر البيئية والندرة البيئية، ويهدف إلى التنمية المستدامة دون الإضرار بالبيئة.
تعتمد قطاعات التنمية في مختلف بقاع المعمورة على توفير العنصرين الأساسيين وهما الطاقة والمياه، وإلى جانب أهميتهما الأساسية والإستراتيجية، فإن هذين الموردين مترابطان على نحو وثيق، لا سيما مع زيادة ندرة المياه في العديد من مناطق العالم وخاصة دول "الشرق الأوسط" وشمال أفريقيا بما فيها فلسطين، والاعتماد على مصادر غير تقليدية كتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في العديد من القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة مع ازدياد أخطار التغير المناخي.
تعدّ الطاقة العنصر الرئيس في جميع طرق إنتاج المياه كاستخراج المياه من الآبار الجوفية، وتغذية محطات التحلية وإنتاج المياه العذبة ونقلها وكذلك في جمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها وإعادة استخدامها، وتشير التقديرات إلى أن قطاع المياه في بعض الدول العربية يستهلك أكثر من 15% من الاستهلاك المحلي للكهرباء وهي نسبة تتزايد باستمرار.
إن الارتفاع المتزايد في أسعار الطاقة التقليدية مثل الوقود العضوي والغاز هذه الأيام، مع الوضع السياسي والاقتصادي غير المستقر في العالم وخاصة في مناطق الشرق الأوسط، يستدعي الأخذ بالاعتبار مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة كبدائل النفط و الغاز الطبيعي والفحم، كما أن التغير المناخي المستمر المتمثل في ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع معدل الفيضانات كما حدث أخيرًا في الباكستان، وانتشار الجفاف في العديد من دول العالم وخاصة الدول العربية مثل الصومال والأراضي الفلسطينية أدى الى العديد من الكوارث الطبيعية، وبذلك يكون لتغير المناخ تأثيرات كبيرة على توافر المياه، من حيث كمية ونوعية المياه.
فمع ارتفاع درجات الحرارة في العالم تشهد العديد من المناطق تغيرات في أنماط هطول الأمطار، بما في ذلك زيادة وتيرة وشدة حالات الجفاف والفيضانات وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة؛ ما قد يؤدي إلى نقص المياه وزيادة الصراعات حول الوصول إلى الموارد المائية، لا سيما في المناطق التي تعتمد إلى حد كبير على الزراعة أو التي يتزايد عدد سكانها بِاطِّراد.
الطاقة المتجددة والتغير المناخي
تغير المناخ والطاقة عنصران يرتبطان ببعضهما على نحو وثيق، فقطاع الطاقة مسؤول عن جزء كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وتحديدًا الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، وهي المصادر الأساسية للطاقة التقليدية في جميع أنحاء العالم، ولكنه أيضًا يُطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى في الغلاف الجوي عند احتراقه.
ولمواجهة تغير المناخ، هناك حاجة متزايدة للانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة الحيوية، وطاقة أمواج البحر.
ولن يساعد هذا التحول على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري فحسب، بل سيعزز أيضًا أمن الطاقة ودعم النمو الاقتصادي المستدام، فقد أصبحت تقنيات الطاقة المتجددة أكثر تنافسية من حيث التكلفة، وشهد قطاع الطاقة المتجددة نموًا سريعًا في السنوات الأخيرة.

خلايا طاقة شمسية لتوليد الطاقة الكهربائية
وتمتاز الطاقة المتجددة بأنها طاقة نظيفة ولا تلوث البيئة، وتساهم في خفض الانبعاثات الكربونية وتحافظ على الصحة العامة وتستخدم تقنيات غير معقدة ويمكن تصنيعها محلياً في الدول النامية ومتوفرة في معظم دول العالم ولا تحدث أي ضوضاء، أو تترك أي مخلفات ضارة تسبّب تلوث البيئة أو تساهم في مشكلة الاحتباس الحراري والتغير المناخي؛ فعلي سبيل المثال فإن الطاقة الشمسية تعد مصدرًا للطاقة المجانية والنظيفة ودون مخلفات أو أخطار تصلح للعديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يجعلها الخيار الأنجح والأوفر حظًا نتيجة للموقع الجغرافي لهذه الدول ووقوعها علي الحزام الشمسي ما بين خطي عرض 40 و 40، إضافة إلى التقدم المذهل في السنوات الأخيرة، الذي شهد تطورًا كبيرًا في رفع كفاءة الخلايا الشمسية المولدة للكهرباء، التي قد تصل حاليًا إلى أكثر من 25% في حين أن أسعارها تشهد انخفاضًا متواصلًا.
بناءً على ذلك فإنني أرى أن التقدم العلمي السريع في مجال تكنولوجيا الطاقة الشمسية، لا سيما مع انخفاض سعر التكلفة المستمر، يفتح آمالاً كبيرة أمام فرص استبدال الطاقة التقليدية بالطاقة الشمسية، وهذا ما حصل في السنوات الخمس الماضية ويحصل حاليًا في الأراضي الفلسطينية بدعم المؤسسات الدولية لقطاع المياه و تحويله إلى قطاع يعمل علي مصادر الطاقة الخضراء والنظيفة، فهناك العديد من المبادرات و المشاريع الخضراء التي مَوّلتها جهات مانحة دولية عدة مثل الاتحاد الأوروبي والتعاون الألماني KFW وGIZ، ووكالة التنمية البلجيكية ووكالة التنمية الفرنسية وغيرها من المانحين.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، زُوّدت العديد من محطات تحلية المياه وآبار المياه والآبار الزراعية ومحطات معالجة الصرف الصحي في قطاع غزة بالخلايا الشمسية التي بدورها ساهمت في التقليل من أزمة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وعدم توفر الطاقة الكافية في قطاع غزة.
تحلية المياه والتغير المناخي
أدت ندرة المياه العذبة في مناطق الشرق الأوسط وخاصة الأراضي الفلسطينية إلى تزايد الاعتماد على تحلية المياه، وتعد التكنولوجيات المستخدمة في هذا المجال ذات استهلاك كبير للطاقة، إذ يمكن أن تستهلك تحلية المياه ما يصل إلى أكثر من 100 مرة من الطاقة المستخدمة في معالجة المياه العذبة.
ووفقًا للعديد من الدراسات، فإن اعتماد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المتزايد على تحلية المياه الذي يستهلك كثيرًا من الطاقة، يؤكد على الحاجة إلى الإدارة الجيدة للربط بين الطاقة والمياه.
إذ يعمل دعم طاقة تحلية المياه على تبديد فرص الاستدامة وإعادة التدوير والمعالجة خاصة أن كلفة الطاقة تمثل ما بين ( 33%- 50% ) من التكلفة الإجمالية لتحلية المياه.

محطة تحلية مياه البحر على شاطئ جنوب قطاع غزة في محافظة خانيونس
من ناحيةٍ أخرى يعتمد إنتاج الطاقة اعتمادًا أساسيًا على الوقود الأحفوري وهو مصدرٌ محدود، لذلك فمن الواضح أن هناك حاجة إلى تطوير الطاقات المتجددة لتشغيل محطات تحلية المياه ولمعالجة المخاوف بشأن انبعاثات الكربون، لذا يتعيّن على الحكومات ربط أي توسّع مستقبلي في قدرة تحلية المياه بالاستثمارات في الطاقة المتجددة المتاحة.
ونتيجة لذلك التطور المتسارع في قطاعات الطاقة المتجددة فإنني أكثر تفاؤلًا بمستقبل الطاقة البديلة، ذلك أن التقدم العلمي السريع في مجال تكنولوجيا الطاقة الشمسية، ولا سيما مع انخفاض سعر التكلفة المستمر، يفتح آمالًا كبيرة أمام فرص استبدال الطاقة التقليدية بالطاقة الشمسية، إذ من المتوقع أن يصل إنتاج الطاقة الكهربائية بواسطة الطاقة النظيفة إلى أكثر من 35% من استهلاك العالم بحلول عام 2030.
وهناك العديد من الدول المتقدمة في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية التي وضعت أهدافًا بعيدة المدى لخفض مستوى الانبعاثات الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2050 .
الشركات الصغيرة والمتوسطة وتحديات التغير المناخي
يواجه العالم اليوم تحديات كبيرة فيما يتصل بتغير المناخ واستدامة البيئة، وتلعب المياه والطاقة المتجددة دورًا حيويًا في مكافحة هذه التحديات، ومع ذلك تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) العديد من التحديات في هذا الصدد، ومن هذه التحديات التي تواجهها مع تغير المناخ:
- التمويل: يمكن أن يكون التمويل عائقًا كبيرًا أمام تبني تقنيات المياه والطاقة المتجددة، خاصةً عندما يكون العمل في سوق تنافسية، ومن الممكن أن يتعذر على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحصول على التمويل اللازم لتحويل الأفكار إلى مشاريع تجارية ناجحة، وقد تكون مؤسسات الإقراض والمستثمرون أقل رغبة في إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة التي هي عرضة لمخاطر المناخ.
- التكنولوجيا: قد تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبة في توظيف الكوادر المؤهلة للعمل في مجالات التكنولوجيا الحيوية والتطوير المستدام.
- انخفاض الإنتاجية: يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى انخفاض إنتاجية الشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب الإجهاد الحراري، وانخفاض إنتاجية العمال، وزيادة تغيّب الموظفين.
- زيادة المخاطر على الأصول: قد تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة مخاطر متزايدة على أصولها بسبب الأحداث المناخية الكبرى، مثل الفيضانات، التي يمكن أن تلحق الضرر أو تدمر المباني والمعدات والمخزون.
- سمعة العلامة التجارية: قد لا تسلم الشركات الصغيرة والمتوسطة من آثار سلبية على سمعتها التجارية عندما يصبح المستهلكون أكثر وعيًا بالبيئة إذا كان يُنظر إليها على أنها تساهم في تغير المناخ أو لا تُتخذ تدابير مناسبة للتخفيف من آثاره، ويمكن للشركات التي تظهر التزامًا بالاستدامة وتقليل البصمة الكربونية أن تكتسب ميزة تنافسية.
- السوق: قد يكون هناك مستهلكون غير مستعدين لدفع ثمن المنتجات المتجددة، وهذا يجعل من الصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة الدخول إلى السوق بمنتجاتها.
- الحوكمة: يمكن أن تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبة في التعامل مع قوانين ولوائح البيئة والطاقة المتجددة في بعض الدول، مما يزيد من تكاليفها ويؤثر على قدرتها على المنافسة.
- الابتكار: يجب على الشركات الصغيرة والمتوسطة الاستمرار في الابتكار والتطوير لتحسين منتجاتها وتنافسها في السوق.
- مخاطر الصحة والسلامة: يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض أو الإصابات المرتبطة بالحرارة لدى العمال، فضلاً عن مخاطر الحوادث والإصابات بسبب الظواهر الجوية الشديدة.
وللتعامل مع هذه التحديات، تحتاج الشركات إلى تكييف إستراتيجيات الإنتاج والعمليات الخاصة بها لتصبح أكثر مرونة في مواجهة تغير المناخ، ولكي تظل الشركات قادرة على المنافسة، تحتاج إلى اتباع نهج استباقي لمعالجة تغير المناخ يمكن أن يشمل ذلك الاستثمار في التقنيات والممارسات المستدامة، والتعاون مع الشركاء وأصحاب المصلحة، والمشاركة مع صانعي السياسات للدعوة إلى السياسات التي تدعم العمل المناخي، ولا يمكن للشركات فقط التخفيف من مخاطر تغير المناخ، ولكن أيضًا اغتنام الفرص الجديدة وبناء المرونة في المستقبل، وتعزيز قدرتها التنافسية على المدى الطويل.
- الكفاءة التشغيلية: يمكن للشركات التي تتبنى ممارسات مستدامة مثل العمليات الموفرة للطاقة وإعادة التدوير وتقليل النفايات أن تقلل من تكاليفها وتزيد من ربحيتها وتكتسب ميزة تنافسية.
- الابتكار: يمكن للشركات التي تستثمر في التقنيات والممارسات المستدامة أن تخلق فرصًا وأسواقًا تجارية جديدة، في حين أن الشركات التي تفشل في الابتكار والتكيف قد تتخلف عن الركب.
- تطوير خطة التكيف مع تغير المناخ: يجب على الشركات الصغيرة والمتوسطة تحديد المخاطر والفرص المرتبطة بتغير المناخ ووضع خطة للتكيف مع الظروف المتغيرة، بحيث تتضمن هذه الخطة إستراتيجيات للتخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ، مثل تنفيذ الممارسات الموفرة للطاقة أو اعتماد عمليات سلسلة التوريد الأكثر استدامة.
- تبني الممارسات المستدامة: يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة أن تقلل من انبعاثات الكربون وتقلل من آثار تغير المناخ بتبني ممارسات مستدامة مثل تقليل النفايات، والحفاظ على الطاقة، واستخدام مواد صديقة للبيئة، وتعزيز المنتجات والخدمات الصديقة للبيئة.
الانخراط في تعويض الكربون: يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة تعويض بصمة الكربون عن طريق الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة أو غرس الأشجار أو دعم برامج إعادة التحريج، مما يساعد على تقليل كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ومواجهة آثار تغير المناخ.
- تثقيف الموظفين: يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة تثقيف موظفيها حول أهمية الحد من انبعاثات الكربون وتشجيعهم على تبني ممارسات مستدامة في روتين عملهم اليومي.
- التعاون مع الشركات الأخرى: يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة العمل مع الشركات الأخرى لمشاركة أفضل الممارسات والموارد لتقليل بصمتهم الكربونية الجماعية، بحيث يشمل ذلك مشاركة مرافق النقل أو التخزين، أو التعاون في مبادرات الاستدامة المشتركة عمومًا.
وعليه فمن الضروري للشركات الصغيرة والمتوسطة أن تأخذ تغير المناخ على محمل الجد، وأن تنفذ استباقيًا إستراتيجيات واضحة للتخفيف من آثاره، وبذلك لن تقلّل من تأثيرها البيئي فحسب، بل يمكنها أيضًا تحسين قدرتها التنافسية، ليُعطى المستهلكون الأولوية بشكل متزايد للاستدامة والمسؤولية البيئية.