ضرورة إلقاء مسؤولية تمويل جمع ومعالجة المخلفات الإلكترونية على المنتجين والمستوردين
آلاف أطنان النفايات الإلكترونية تتراكم سنويا في الضفة والقطاع
كمية الكادميوم الموجودة في بطارية هاتف خلوي واحدة تكفي لتلويث 600 متر مكعب من المياه
|
الخردة في وادي دعوق بمنطقة جنين |
ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تتراكم سنوياً في الضفة الغربية وقطاع غزة آلاف أطنان قطع السلع الإلكترونية والتقنية القديمة والمستهلكة، الناتجة من التجمعات السكنية؛ حيث يتم التخلص منها بشكل فوضوي من خلال وضعها على الأرصفة وجوانب الطرق. وغالبا ما تجد هذه المخلفات طريقها إلى مكبات النفايات دون أية معالجة. وتسبب المخلفات الإلكترونية ضررا بيئيا كبيرا، نظرا لاحتوائها على مواد خطرة وسامة مثل الزئبق والرصاص والكروم. فعلى سبيل المثال، تحوي ألواح الدوائر الكهربائية في السلع الإلكترونية على الكادميوم والرصاص السامين. كما تحتوي العديد من مفاتيح الأجهزة الإلكترونية وأجهزة التحكم عن بعد ("الرموت كونترول") على الزئبق. أما بطاريات الحواسيب فتحتوي على الكادميوم .
وتحتوي جميع الأجهزة الإلكترونية على ألواح الدوائر الكهربائية المطبوعة التي تعد مواد خطرة بسبب احتوائها على الرصاص والبروم وأكسيد الأنتيمون .
والمشكلة أن التطور التكنولوجي المتسارع أدى إلى أن تصبح الحواسيب وأجهزة التلفزيون والأدوات الإلكترونية الأخرى من طراز قديم، بعد فترة زمنية قصيرة من استعمالها، وينبغي أن نستبدل بها أجهزة جديدة "لمجاراة العصر!"
فالمنتجات الإلكترونية المختلفة من تلفزيونات وفيديوهات وحواسيب وطابعات وماكنات فاكس وهواتف خلوية وثلاجات، وغيرها من السلع الإلكترونية والتقنية، تتقدم بسرعة هائلة مخلفة كميات كبيرة من "النفايات" الإلكترونية التي تؤذي صحتنا وبيئتنا .
إن التخلص العشوائي من النفايات الإلكترونية في المكبات قد يتسبب في تسرب الرصاص إلى المياه الجوفية. ومن المثير للاهتمام أن كمية الكادميوم الموجودة في بطارية هاتف خلوي واحدة تكفي لتلويث 600 م3 من المياه. وتكمن الخطورة في أن مكبات النفايات الرسمية والعشوائية تحوي كميات لا يستهان بها من الكادميوم؛ وبالتالي فإن تلويثا ساما وخطِرا على البيئة والصحة العامة قد ينتج عن الآثار الحتمية، المتوسطة والبعيدة المدى، لتسرب الكادميوم إلى التربة المحيطة.
وبالرغم من أن بعض العاملين في القطاع غير الرسمي يجمعون أو يشترون هذه المخلفات من المنازل، ومن ثم يصلحون جزءا منها أو يعيدون تصنيعها وبيعها، إلا أن الخطورة البيئية والصحية المتفاقمة لا تزال جاثمة أمامنا. فمن الملاحظ أن هناك بعض النفايات الإلكترونية الخطرة، مثل بطاريات الهواتف الخلوية، لا تجد من يهتم بجمعها ومعاملتها، علما بأن هناك كميات كبيرة تصل سنويا إلى مكبات النفايات، وهي تحوي كميات لا يستهان بها من الكادميوم السام الملوث للبيئة والصحة العامة.
وإجمالا، يمكننا القول، بأن جامعي الخردة ينفذون عملا بيئيا هاما في مجال تنظيف البيئة الفلسطينية من النفايات الصلبة غير العضوية، وبخاصة في الأراضي الزراعية وجوانب الطرق والوديان والمناطق الوعرية والمناطق السكنية، بسبب حاجتهم الاقتصادية بالدرجة الأولى.
يضاف إلى ذلك، أنه لا يوجد تدخل مباشر وواضح، أو مراقبة أو متابعة أو تنظيم من قبل الجهات الحكومية المعنية (وزارة الصحة أو سلطة جودة البيئة)، لأعمال ونشاطات جامعي النفايات الصلبة بشكل عام، وجامعي النفايات الإلكترونية بشكل خاص، علما بأن العديد من الأطفال يعملون في مجال النبش والتنقيب في المكبات، مما يسبب لهم أضراراً صحية وبيئية غير واضحة.
ومن الواضح أن المشهد البيئي "الإلكتروني" الخطر، يتطلب تحركا فوريا من الجهات الحكومية المعنية لمعالجته، باتجاه تثبيت عمليات تدوير النفايات الإلكترونية، بحيث تُلْقى، بشكل أساسي، على عاتق منتجي ومستوردي السلع الإلكترونية مسؤولية تمويل عمليات جمع ومعالجة النفايات الناجمة من منتجاتهم في السوق، علما أنه بالإمكان تحويل هذا الكابوس البيئي إلى مورد اقتصادي هام.
وفي هذا السياق، يمكننا الاستفادة من مبدأ "المسؤولية الموسعة للمُنْتِج"، المطبق في العديد من الدول. وبحسب هذا المبدأ تُلْقى على المنتج أو المستورد مسؤولية معالجة النفايات الناتجة من الأجهزة الإلكترونية التي يسوقها، بما في ذلك تحمل التكلفة المترتبة على ذلك.
وكمرحلة أولى، يتم إلزام المستوردين (أو المنتجين) بجمع نسبة معينة من نفايات أجهزتهم الإلكترونية (مثلا 50% من إجمالي وزن الأجهزة الإلكترونية التي باعها المستورد أو المنتج سنويا). وابتداء من سنة معينة (عام 2020 على سبيل المثال)، يفترض بشركات التسويق والمستوردين أن يقدموا خدمة استرجاع نفايات منتجاتهم، بحيث يمنع دفن نفايات الأجهزة الإلكترونية التي لا تشكل مخلفات تدوير.
ويفترض بالمستوردين والمنتجين إعداد أدلة إرشادية حول المعالجة البيئية السليمة للمخلفات الإلكترونية، وحول كيفية إعادة استعمال كل جهاز من أجهزتهم المباعة في السوق.
إن تنظيم عملية جمع ومعالجة المخلفات الإلكترونية، يتطلب سن قانون يحدد آليات معالجتها البيئية، ويشجع إعادة استعمالها، بهدف تقليص الكميات المتراكمة سنويا ومنع دفنها، وبالتالي تقليل الأذى البيئي والصحي الناتجين عن التعامل غير السليم مع النفايات الإلكترونية؛ الأمر الذي سيشكل خطوة هامة في التعاطي المتقدم مع النفايات.
|