مدارس فلسطينية ملاصقة للمصانع: قنابل بيئية وصحية موقوتة
المطلوب سن وتطبيق قانون يمنع بشكل مطلق وجود مدارس في محيط المصانع والورش الصناعية
|
مبنى مدرسة راس خميس في شعفاط كان سابقا حظيرة ماعز وهو ملاصق لمصنع تعدين |
ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تقع بعض المدارس الفلسطينية وسط مناطق صناعية، بل وبمحاذاة مصانع تنتج مواد سامة وقاتلة. هذا هو حال مدرسة "راس خميس" في حي شعفاط بالقدس الشرقية الملاصقة لمصنع تعدين ينبعث منه دخاناً وغازات سامة وروائح معدنية كريهة وحادة، تتسبب للطلاب في أوجاع حادة بالرأس، والدوار والتقيؤ. كما أن مدرسة فلسطينية أخرى، مبنية حديثاً، تلاصق مصنع نابكو لصناعة الألمنيوم والبروفيلات في قرية بيت ايبا بنابلس، علما بأن بروفيلات الألمنيوم تحوي العديد من المكونات السامة جدا مثل الفسفور والكلور والمنظفات الصناعية، والعناصر الثقيلة كالرصاص والنيكل والكروم السداسي والكروم الثلاثي، وجميعها تؤذي الإنسان والبيئة. كما يحوي المصنع أكاسيد الألمنيوم وأحواض تشتمل على محاليل كيميائية خطرة، وصهاريج لتخزين غازات سامة، وأملاح ثقيلة مترسبة تُجْمَع في حاويات خاصة يُحْتَفَظ بها داخل المصنع لحين ترحيلها إلى النقب. وتنبعث بداخل المصنع غازات سامة من مدخنة فرن الصهر، ناهيك عن الأصوات العالية الناتجة عن عمليات الشحن والتنزيل. فمن يضمن عدم حدوث خلل فني يؤدي إلى تسرب مواد وغازات كيميائية خطرة وقاتلة تتسبب بكارثة إنسانية وبيئية في محيط المصنع، وبخاصة المدرسة الملاصقة له؟ ثم، من يتحمل مسؤولية ترخيص إنشاء مدرسة بمحاذاة مصنع ألمنيوم؟!
لقد سبق أن نشرت مجلة آفاق البيئة والتنمية تحقيقات حول هذين المصنعين في القدس ونابلس وهاتين المدرستين الملاصقتين لهما (أيلول 2009 وتموز 2011 على التوالي)، إلا أن شيئا لم يتحرك لمواجهة هذه القنابل البيئية والصحية الموقوتة، علما بأن مدارس فلسطينية أخرى تتواجد أيضا بمحاذاة مصانع وورش صناعية.
وتكمن المشكلة الأساسية في أن هناك مواصفات ومعايير محددة للمصانع الفلسطينية القائمة بذاتها، لكن لا وجود لمواصفات خاصة بالمصانع الملاصقة للمدارس التي يمضي فيها الأطفال بين خمس إلى ثماني ساعات يوميا. لذا، فقد تنطبق جميع المواصفات المطلوبة على مصنع ما، بمعزل عن أثره على مؤسسة تعليمية قائمة بجواره. وهذه ثغرة قانونية، وبيئية-صحية خطيرة يجب الإسراع في سدها.
|
مدرسة فلسطينية في طور الإنشاء ملاصقة لمصنع الألمنيوم |
المطلوب إذن، وبسرعة، سن قانون واضح وصارم وقابل للتطبيق، يحدد شروط ومواصفات إقامة المصانع والمدارس المتجاورة، بل ويمنع بشكل مطلق تواجد مؤسسات تعليمية في بؤر تقل عن مسافة محددة عن المصانع أو الورش الصناعية. ويمكن دمج هذا القانون في إطار قانون أشمل يحدد "البيئة التربوية الصحية"؛ وذلك انطلاقا من أن الظروف البيئية والصحية القائمة في المؤسسات التعليمية يجب أن تنسجم مع معايير مميزة للمدارس التي يجب أن نرسل إليها أبناءنا بضمير مرتاح.
كما يجب أن يمنع القانون المقترح استخدام أي مواد أو مبيدات كيماوية في مساحة المؤسسة التعليمية؛ فضلا عن منع تخزين المواد الخطرة في مساحة المدرسة. كما يجب أن تُمْنَع الشاحنات والحافلات التي ينبعث منها عوادم خطيرة من السير بمحاذاة المدارس؛ فضلا عن التأكد من أن فضاء المدرسة غير ملوث بمستويات مرتفعة من الأشعة الخلوية أو الكهرومغناطيسية الناتجة من الألواح أو الأدوات الكهربائية. ومن الضروري أن يضمن القانون بأن تتحلى المركبات التي تنقل الطلاب بمعايير بيئية صارمة.
ولضمان تطبيق القوانين الموصى بها في المؤسسات التعليمية، يفترض بوزارة التربية والتعليم العالي أن تعين مراقبا قطريا للصحة البيئية في المدارس مهمته ضمان الالتزام بتلك القوانين.
لقد أثبتت العديد من الأبحاث أن الأولاد أكثر حساسية للمؤثرات البيئية، ولتلوث الهواء، وللأشعة، وللسموم الكيماوية المستعملة كمبيدات، ولسائر الملوثات البيئية التي نتعرض لها بالعادة. وحقيقة أن أجسام الأولاد تتواجد في أوج عملية نموها السريع، تجعلها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، علما بأن الأولاد يستهلكون كمية أكبر من الغذاء والماء والهواء، بالمقارنة مع وزن أجسامهم. فهم يتنفسون طبقة الهواء الأكثر انخفاضا التي تترسب فيها الملوثات الثقيلة.
وقد تكون التفاصيل الفنية وبنود القانون مفتوحة للنقاش والتعديل؛ إلا أن السؤال الأساسي المطروح هو فيما إذا كان الوزراء المعنيون يؤمنون بأن المدارس الفلسطينية تستحق بأن يعلن عنها مساحات محمية من الناحيتين الصحية والبيئية؟
المشكلة أن لا أحد من الجهات الرسمية المعنية يحرك ساكنا لوضع حد لتواجد المدارس بمحاذاة الورش أو المناطق الصناعية. هل سيكون التحرك بعد حدوث الكارثة الإنسانية والبيئية القادمة؟
قاسم قاسم
|