خاص بآفاق البيئة والتنمية
بدأت عملية إحياء قلب وادي غزة بفضل مشروع دولي الذي أعاد إليه النبض من جديد بضّخ مياه معالجة ونظيفة، في إثرها أزهرت الحياة في الوادي عندما اكتسى بألوانه الطبيعية وتنوعه الحيوي، ومن ثمَّ أخذ المواطنون يقبلون عليه وشهدنا رحلات عائلية واستكشافية هناك. لأكثر من رُبعِ قرن عانى سكان الوادي ومحيطه تجمُّع المياه العادمة وتكاثر القوارض والحشرات. ويعدّ الوادي أحد المعالم الطبيعية الرئيسة في قطاع غزة، ويمتد من صحراء النقب مرورا بجنوب جبال الخليل، وصولا إلى أقصى شرق قطاع غزة حتى شاطئ البحر المتوسط، ويبلغ طوله داخل القطاع حوالي 9 كيلو متر.
|
 |
الرحلات الاستكشافية تنتعش في مختلف أرجاء وادي غزة |
سنوات طويلة خلت، كان وادي غزة فيها من أسوأ ما يُمكن أن تكون عليه مُكرهة صحية. وقد ظلّ المكان يُوصف بأنه ذو رائحة كريهة، ومكب للنفايات، وقاتل للطبيعة، ومستوطنة للقوارض والأفاعي والحشرات إلى أن بدأت عملية إحياء قلب الوادي.
عاد النبض إليه من جديد بفضل "مشروع دولي" (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) تكلفته الإجمالية تقدر بأكثر من ستين مليون دولار أميركي، وذلك بضّخ مياه معالجة ونظيفة، في إثرها أزهرت الحياة في الوادي عندما اكتسى بألوانه الطبيعية وتنوعه الحيوي، ومن ثم أخذ الناس يقبلون عليه بتنظيم الرحلات العائلية والاستكشافية في جُنباته.
لأكثر من رُبعِ قرن عانى سكان الوادي ومحيطه تجمُّع المياه العادمة وتكاثر القوارض والحشرات، لكن المشهد الآن تبدّل وتغير.
ويعدّ الوادي أحد المعالم الطبيعية الرئيسة في قطاع غزة، إذ أعلنت السلطة الفلسطينية عام 1994 أن الوادي محمية طبيعية، ويبلغ طوله نحو 105 كيلومترات، ويمتد من صحراء النقب مرورا بجنوب جبال الخليل، وصولا إلى أقصى شرق قطاع غزة حتى شاطئ البحر المتوسط، ويبلغ طوله داخل القطاع حوالي 9 كيلو متر.

الرحلات الشبابية في وادي غزة
مشاريع سياحية واستثمارية
يقول م. منذر شبلاق مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل لــ "آفاق البيئة والتنمية" إن اعتماد وادي غزة على مياه الأمطار منذ فترة طويلة، تلك التي تأتي من مدينتيّ الخليل وبئر السبع، وهو ما دفع الاحتلال لإقامة عددٍ من السدود لحجب تلك المياه وفتحها في أوقات محددة في فصل الشتاء، فأصبح الوادي جافاً في معظم أيام العام، الأمر الذي منح السكان في المناطق المحيطة فرصةً لاستخدامه مكباً للنفايات الصلبة، وركام المنازل المدمرة، ونفايات المصانع، حتى بات مرتعاً لتكاثر الحشرات والقوارض، وانبعاث الروائح التي لا تطاق، وبات مكرهة صحية، مع منع الاحتلال الإسرائيلي وصول إمدادات المياه الطبيعية إليه.
وعن مزايا المشروع الحالي يخبرنا شبلاق قائلاً: "سيساهم في إنهاء حقبة طويلة من التلوث، وسيكون مصدراً دائماً لمياه الصرف الصحي المعالجة، ومن المتوقع أن تنشط الحركة السياحة، بإنشاء العديد من المنتجعات والشاليهات على مقربةٍ من الوادي، وتنظيم الرحلات الترفيهية، فضلاً عن استغلال مياهه في ريّ المزروعات؛ وبالتالي ستغدو المنطقة صالحة بيئياً لممارسة الأنشطة السياحية والزراعية كافة".
سألنا أحمد أبو العنزين، وهو مواطن يعيش بالقرب من مجرى وادي غزة، عن الوضع سابقاً، وكان جوابه: "حتى وقت قريب، كان من الخَطر أن يخرج أيٌ من أطفالنا ليلاً خارج المنزل بسبب انتشار الأفاعي السامة والكلاب الضالة، إضافة إلى غزو الحشرات والبعوض لبيوتنا التي أصابت العديدَ منا بأمراض جلدية".

توافد الفرق الشبابية والطلابية إلى محمية وادي غزة الطبيعية
ويبدو الرجل سعيداً بتغير الأحوال، موضحاً في حديثه: "الآن الوضع مختلف تماماً، ودّعنا الروائح الكريهة التي كانت تعكّر صفو حياتنا، وكذلك بدأت أعداد الحشرات والزواحف في التراجع، وامتنع كثيرٌ من المواطنين عن إلقاء النفايات في مجرى الوادي، وبتنا نرى الرحلات تنعش أرجاءه، مما سيشجعنا على تنفيذ بعض المشاريع الصغيرة لتلبية حاجات الوافدين إلى الوادي".
ومن جهتها، تُطلق دعاء الحجيري (57 عاما)، وهي من سكان الوادي، تنهيدةَ الراحة ببسمة ترتسم على محياها، فمن رأيها أن وادي غزة لا يُقارن حاله بالأمس القريب، بعد أن كان العيش بجواره مقيتاً بسبب الرائحة الكريهة، حسب تعبيرها.
وتستعيد الحجيري بعضاً من ذكرياتها، بقولها: "أذكر جيدًا في صغري كم كان الوادي جميلاً، كنا نسير بمحاذاته نستنشق هواءه العليل، ونشاهد الكثير من العائلات حوله تتنزّه. الحمد لله، مجدداً عادت الحياة إلى وادينا".

محمية وادي غزة الطبيعية
وأخيراً تغيَّر الحال
وفي السياق، يعقّب د. عبد الفتاح عبد ربه أستاذ "البيئة وعلوم البحار" في الجامعة الإسلامية بغزة: "على مدار السنوات الطويلة السابقة كان وادي غزة ملجأً للنفايات ومخلفات المصانع السامة وكذلك لمجرى مياه الصرف الصحي، مما تسبب بموت الكثير من النباتات واختفاء بعض الحيوانات والطيور التي كانت تتخذ من مياه الوادي محطة استراحة، لتوفر كل مقومات الحياة فيه".
وواصل كلامه: "سدَّ الاحتلال مجرى المياه النظيفة وأصبح الوادي وكراً للحشرات والثعابين، ما دعانا نحن المختصين البيئيين إلى مناشدة الجهات المعنية في ذلك الوقت دون جدوى، إلى أن استجابت لنا إحدى المؤسسات الدولية، وعملت فوراً على إعادة وادي غزة محمية طبيعية ومعالجة مياه الصرف الصحي الجارية فيه، علاوة على تنظيف نفايات المنازل والمصانع الملقاة داخل مجرى الوادي، ولعل الجانب الإيجابي الأهم في المشهد أن ما يجري حالياً من مياه داخل الوادي هي مياه صرف صحي معالجة".
داعياً المواطنين وأصحاب المصانع إلى ضرورة المحافظة على مجرى الوادي، ومشدداً في الآن نفسه على أهمية سنّ قوانين صارمة تردع كل من يلحق ضرراً بأي محمية طبيعية.

وادي غزة بعد إعادة تأهيله ليعود محمية طبيعية تتميز بأرضها الرطبة وتنوعها الحيوي
إذن أخيرًا تحقّق ما طال انتظاره، اختفت الرائحة السيئة من وادي غزة وصاحبها اختفاء النفايات والحشرات والزواحف، وفي المقابل عادت الطيور والثدييات والبرمئيات تستقر في محيط الوادي.
وأيضاً توقفت شكاوى الناس، وتشجعت بعض العائلات للذهاب إلى الوادي والاصطياف هناك، وشهدنا توافد الفرق الشبابية والعائلات ورحلات المدارس من أجل التمتع بهذه المحمية.

وادي غزة وقد عاد إليه التنوع الحيوي والمياه المعالجة النظيفة