شذرات بيئية وتنموية.. جنين ومهرجانات ومعلمون وروضة ونيران
خاص بآفاق البيئة والتنمية

التمدد والازدحام الاسمنتي على أنقاض الأراضي الزراعية في جنين
تستلقي كجوهرة في أطراف مرجٍ شاسع، وتحرسها جبال شامخات من جهاتها الأربع، تجاور بيسان الجنة، وتلمع في أفقها "ناصرة البشارة"، وتلوّح أطراف الكرمل وحيفا في مداها بمنديل يعبق بنسيم البحر، وتؤلّف بين فؤادي جبل النار وأغوار الضياء.
استعصت سيدتنا الجميلة على الغزاة، وكان موقعها سببًا في استهدافها المتكرر.
كنت أنسج لجنين في الطفولة خيالًا خصبًا لنسر ضخم في أوّج شبابه تغطي أجنحته مرج ابن عامر كاملاً، ويحميها من طائرات الغزاة، والريح، والحر، ويسحب لها الغيم من بعيد.
كبرت المدينة واتسعت أمام ناظري، كنت أمكث كل الصيف في صباي بسهلها البهي، أتخيل كل ضوء فيها نجمة تهبط لتكريم المدينة من السماء، ثم تعود أول الفجر، دون أن يراها أحد.
ولطالما سألت نفسي، لماذا لا تسرح الغزلان الرشيقة في مروجها الخضراء، قبل أن يزحف إليها الإسمنت الوقح؟ وكيف لنا أن نرى جنين في جولة بطائرة عمودية تحمل علمنا الوطني؟
تحتضن المدينة المخيم، وبدأت تذوب فواصل الجغرافيا بينهما، وأصبحت البيوت متلاصقة، بخلاف المسافة التي كنا نراها في الطفولة، أما البلدات والقرى فتنتشر في 71 تجمعًا.
لا يعرف كثيرون أن جنين خسرت 14 قرية في نكبتها، ولم يتخيلوا يومًا أن ابنتها أم الفحم تضخمت وصارت تكبر أمها.
في المدينة شريانان سهلّيان يربطانها بحيفا والناصرة، وآخران جبليان ينقلاناها إلى نابلس والأغوار، وفيها من التاريخ ما يفوق الأرض والأبنية والماء والشجر والأهل.
في المئة سنة الأخيرة، وفي التاريخ كله أيضًا، انقلبت جنين على غزاتها، وعطر أرضها الدم السوري القسامي والعراقي والأردني، وقبلهم مسك فلسطيني خالص مشتق من غار إجزم، وخروب أم الزينات، ونعناع صبارين، ودحنون زرعين، وأزهار نورس، ونرجس المزار، وسحر أم الشوف، وبريكي، واللجون، والمنسي، والغبيتين، وأبو زريق، وأخواتها.
تسكننا جنين، ونكحل عيوننا بسوسن فقوعة، وزعتر قباطية، وسنابل برقين، وهندباء عرابة، وأقحوان اليامون، وشقائق نعمان السيلتين، ولبيدة أم التوت، وطيون الزبابدة، وسريس ميثلون، وبلوط يعبد.
تبقى مدينتنا مصدر فخر رفيع، وشوكة فولاذ ملتهبة في حلق سارق دخيل، ونبكي كواكبها الشهود أطراف كل نهار وآناء كل ليل، فهم يعطرون أرضها بمسك حرية لا تنازعه عطور الكون مجتمعة، ويلمعون في سمائها.

حوسبة
بدأت منذ عام 2000 بتخزين الملفات والصور بخمسة وسائط إلكترونية مختلفة، وفي كل فترة أتفّقد أرشيفي، الذي يضم مئات آلاف العناصر، خشية خسارتها.
لم أفهم بعد كيف لوزارة الصحة أن تتعامل مع ملايين الملفات الهامة "على البركة"، ولا تحتفظ بنسختين احتياطيتين على الأقل للبيانات الحساسة.

مزاد قرية ترمسعيا
مزاد
مع الاحترام للأهل في ترمسعيا؛ مزاد ماعز شامي وأرقام فلكية لا تعكس صورة حقيقية لوطننا المسلوب، وترتب أولوياتنا ترتيباَ مشوهاً. ما أهداف المنظمين؟ ومن يرتب لنا أولوياتنا؟ وما هي الأبعاد التنموية لمزاد يبيع سعر رأس ماعز بـ 120 ألف شيقل؟

مهرجانات شكلية للمحاصيل المحلية لا تسمن ولا تغني من جوع
تسويق
يتمسك المزارعون بمهرجانات التسويق كالعنب وغيرها، كما يفعل الغريق مع القشة، نعلم مدى الضيق الذي يعيشه حرّاس الأرض، عدا عن الديون الثقيلة التي تلازم ظهورهم.
نحن بحاجة لحماية منتوجاتنا، وتحديد سقف سعري لها، وخفض مستلزمات الإنتاج المشتعلة، وركل فكرة السوق الحرة بالقدم اليسرى.
لا شيء عمليًا يجنيه الفلاحون من المهرجانات، التي هي فرصة جيدة لعشاق التصوير، وقص الشريط الأحمر، ورفع اليافطات المصبوغة بالداعمين.
بالمناسبة، معظم ما نزرعه يُباع بـ "تراب المصاري"، أو لا يجد من يشتريه، وكل السلع الزراعية المستوردة، وخاصة الفواكه بثمن باهظ، وحلقات التسويق طويلة، ولصالح التجار الصغار والكبار.
ارحموا المزارعين، وكفّوا عن المهرجانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن يرغب بدعم الفلاحين فعليه أن يضع أصابعه على الجراح العميقة لقطاعٍ يُراد له الاندثار!

مربون
أشعر بــ "الجميل" وأدين لكل من علمني حرفًا، هذا ليس من باب المجاملة ولا تسجيل موقف، بل أقل اعتراف بدين سابق.
المربون دائمًا في محنة، ونطالبهم بأعلى درجات العطاء، ولا نلتفت إلى ظروفهم القاسية، ويساهم معظمنا في الهجوم عليهم.
سنرسل غدًا أغلى ما نملك، ليكونوا أمانة بين أيديهم، ولا نستذكر أن المعلم يتعامل مع 30 قلبًا، ومزاجًا كل حصة، وعليه أن يكون ملهمًا، وقدوة، ونحاسبه على التقصير، لكننا قلما نشكره، أو نكرمه، أو نعترف بجميله.
أتابع منذ سنوات أزمات المعلمين الاقتصادية، التي تنعكس سلبًا على مكانتهم العالية، لكنها كل عام تصبح مستعصية أكثر، وتدخل في نفق أزمة مظلم، دون حل.
إننا لا نعترف بالدّين الذي علينا سداد بعض منه، ولو بكلمة، فنّنصب أنفسنا قضاة عليهم، ونتهمهم بالتقصير، وندعي أنهم غير مسؤولين عن أفعالهم.
لست مع إضرابات المعلمين، ولا مع شيطنتهم، أو إنكار حقوقهم، ولكنني أيضًا مع حقوق طلبتنا في معلمٍ صاحب رسالة.
مبعث الأزمة أن المربين لا يحظون بحقوقهم المادية التي تساوي تعبهم، ولكن جزءًا من المعضلة أن فئات منهم- ولست هنا بصدد التعميم أو التصنيف- لا ينبغي أن يكونوا في هذه المهنة، لأنهم ببساطة لا يستطيعون العطاء، أو لا يريدون ذلك، أو يشعرون بالإحباط الدائم، أو ينتظرون نهاية الشهر بشوق، أو يروّجون للدروس الخصوصية، أو يخجلون من مهنتهم، وفي نهاية المطاف، لا يصلح مثل هؤلاء أن يكونوا في موقع المعلم.
مجتمع لا ينصف معلميه، ولا يقر بحقوقهم، ولا يميزهم إيجابًا ناكر للمعروف، وعليه إعادة حساباته.
وأولياء أمور لا يعرفون صفوف فلذات أكبادهم، ولا يزورون المدرسة مرة في العام، ليسوا أهلًا لانتقاد المدرسة والمعلم،
ونظام وظيفي يرفع الفروع (سائر خريجي المعلمين) على الأصل (المربون أنفسهم) بائس ومعيب.
المربون، ختامًا، نقطة ضعفنا، ومصدر قوتنا المُغيّبة.

روضة جمعية برقين
استثناء
دخلت روضة جمعية برقين الخيرية عام 1979، وتختزن ذاكرتي معظم أبناء البستان وزهراته، كنا نتشارك معًا الغرفة الضيقة المجاورة للشارع الشرقي، ونتبادل لعبة الأرجوحة بلونيها الأبيض والأحمر، و"السحسالية" البيضاء والسوداء، وبعض الألعاب.
الغلبة كانت لزميلاتنا الصغيرات، فيما نحن الأطفال شكلّنا أقلية، وكانت المربية عايدة الشلبي تمنحنا القليل من الواجبات والكثير من اللعب، وتولت السيدة زواهر جرار إعداد طبق البرغل ووجبة من اللبن، وكنا نحظى ببعض الحليب، وفول الصويا، ولا أكاد أنسى حكاية الحاجة نادرة جرار، ولا قصة روضتها ومبادرتها، وشغفها بالتطوع والعمل الخيري.
المختلف في روضتنا، التي تعطلّت دواليبها قبل سنوات، أنها كانت في بيت الحاجة نادرة، وجمعت بين تعليمنا، ومحو الأمية، وتدريب الفتيات على فنون ومهارات مختلفة، ورعاية الأمومة والطفولة، والدروس الخصوصية، وعيادة طبية لمداواة جرحى انتفاضة الحجارة، وأول متجر كبير في البلدة (سوبر ماركت الشعب)، وهي تجربة خيرية وتنموية لا تتكرر.

الصحافيات الصغيرات
سلطة رابعة
أفضل تدريب يمكن تقديمة لزهرات جنين تعليمهن أن الصحافة صاحبة جلالة وسلطة عليا، وبوسعها محاورة المسؤولين، والبحث عن إجابة شافية.
اللافت في أسئلة الصحافيات الصغيرات، المشاركات في المخيم الإعلامي البيئي الأول أنها حملت هموم المدينة والمحافظة، وسألت عن العدوان والمـقاومـة، وإطلاق الرصاص في الهواء، والمنطقة الصناعية، وتدمير مرج ابن عامر، والاعتداء على أراضي الدولة، وفوضى النفايات، وحملات ترتيب المدينة التي تبدأ ثم تذوب، والقرارات الصعبة، والسيارات المسروقة، والسلم الأهلي، ومكث محافظ جنين اللواء أكرم الرجوب "ضيف الحوار" 60 دقيقة مع الصحافيات الواعدات.

اطلاق نار في الأعراس
فرح!
أعدّ منذ عدة أسابيع بحثًا عن العلاقة بين الأفراح وإطلاق النيران، ومتى بدأنا التعبير عن ابتهاجنا وسرورنا بتوجيه البارود إلى السماء.
تتّبعت آراء عيّنةٍ ممن يملكون تحليلًا ومعلومات عن ذلك، وبالتحديد كيف نعد إطلاق النيران من مظاهر الفرح؟
لم يقدم أحد إجابة شافية، ومستمرون في سماع عيارات نارية تبتهج بمناسباتنا، لكنها تهدد سلامتنا، وتمارس الفوضى المنظمة، وتصدر الضجيج والإزعاج، عدا عن تكلفتها بالمالية، ومدلولاتها الاجتماعية والوطنية والثقافية.