مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
أيـــــار 2011 العدد-35
 

المواطنون الفلسطينيون لا يعرفون إذا كان في غذائهم مكونات معدلة وراثيا أم لا
شركات التكنولوجيا الحيوية تتعامل مع حياة الناس باعتبارها ملكيتها الخاصة
المنتجات الغذائية الإسرائيلية المعدلة وراثيا تنتشر في السوق الفلسطيني

جودة المنتجات المعدلة وراثيا وقيمتها الغذائية متدنيتان

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

تسوق الشركات الاحتكارية العابرة للقارات؛ مثل شركتي "مونسانتو" و"نوفارتيس"، بذورا ومنتجات غذائية معدلة وراثيا، لغايات الربح بالدرجة الأولى.  وفي ذات الوقت، يسوق مسؤولو العلاقات العامة في هذه الشركات ادعاءاتهم للمستهلكين، والقائلة بأن الغذاء المعدل وراثيا مُغَذِ أكثر، وألذ نكهة، ويساهم في توفير الاستقرار في القطاع الزراعي بفضل تطوير نباتات مقاومة للآفات.
ويدعي أنصار التعديل الوراثي بأن هذه التكنولوجيا ستقضي على المجاعة في العالم، لأنها تتيح إنتاج كميات أكبر من الغذاء في فترة زمنية أقصر، وبتكلفة متدنية وصلاحية طويلة.  كما أن بعض الأغذية التي طورت بواسطة التعديل الوراثي يمكن استعمالها كأدوية وطعوم لتحسين الصحة العامة إلى حد كبير.  والسؤال هو:  ما مدى صحة هذه الادعاءات؟
تكمن مخاوف مناهضي المحاصيل المعدلة وراثيا، في عدم اليقين الناتج أساسا من عدم القدرة على توقع العواقب المستقبلية لهذه التكنولوجيا التي لا تزال في طور التجربة والتطوير الأولي.
وستؤثر قدرة هذه التكنولوجيا على إعادة تنظيم وبرمجة المادة الوراثية، بواسطة عملية إدخال عشوائية لمورثات حيوانية أو حتى بشرية إلى داخل الكروموسومات النباتية، الأسماك، الحيوانات – ستؤثر إلى الأبد على سلالات الأنواع المختلفة بواسطة الوراثة.  ولأول مرة في التاريخ، تحولت شركات التكنولوجيا الحيوية في العالم، إلى مهندسي الحياة التي يتعاملون معها باعتبارها ملكية خاصة لتلك الشركات، إنه لأمر مرعب!
أخذت الأغذية المعدلة وراثيا تزحف، في السنوات الأخيرة إلى منازل وأجسام الناس، دون علمهم.  وربما سمع بعض القراء ببذور النفل أو "ألف ألفا" (alfalfa ) المعدلة وراثيا التي تستخدم علفا أساسيا للأبقار في الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإن الأبقار التي تعلف بهذه البذور تنتج اللحم والحليب ومنتجاته التي تحوي مكونات معدلة وراثيا.  وينتشر هذا النبات أيضا في حوض البحر المتوسط.  وحاليا، يخاف العديد من المزارعين بأن تتلوث محاصيل "ألف ألفا" العضوية، بواسطة غبار لقاح المحاصيل المعدلة وراثيا.
وشهد العام 1996 دخول أول أصناف البذور المعدلة وراثيا إلى صناعة الغذاء بشكل تجاري.  وحاليا فإن البذور المعدلة وراثيا تنتج 86% من محاصيل الذرة، و93% من محاصيل الصويا في الولايات المتحدة.  وبحسب دائرة الغذاء والزراعة في كاليفورنيا؛ فإن 70% من الغذاء المعالج المسوق في محلات السوبرماركت في الولايات المتحدة يحوي مكونات معدلة وراثيا.  إذن، ما سبب الضجيج الكبير والاحتجاجات الكثيرة المناهضة للتعديل الوراثي؟   
الحقيقة أن مسألة التعديل الوراثي للمحاصيل ليست مسألة زراعية وبيئية وصحية صرفة، بل هي قضية رأي عام عالمية تؤثر فيها صراعات القوى والسياسة والكثير من رؤوس الأموال.
وتختلف تقنية التعديل الوراثي عما كان سائدا منذ مئات السنين عندما كان الإنسان يعمل على تحسين النباتات أو الحيوانات بواسطة الانتخاب والتحسين بالطرق الطبيعية التي تحاكي ما يجري في الطبيعة؛ وذلك بهدف عزل أو تثبيت صفة معينة مثل الحجم أو الشكل أو مقاومة ظروف مناخية معينة.
ويعتبر التعديل الوراثي أحد مكونات التقانة أو التكنولوجيا الحيوية، وهو عبارة عن إدخال مُوَرِّثَة أو عدة مُوَرِّثات/جينات (مقطع من DNA محدد الموقع على الكروموسوم) مأخوذة من كائن حي (نبات، أشجار، أسماك، حيوانات، إنسان، كائنات دقيقة) إلى كائن حي آخر بطرق صناعية. وتهدف هذه العملية إلى إكساب الكائن الذي أدخلت إليه المورثة، صفة جديدة لم تكن موجودة فيه من قبل. والمورثات عبارة عن أجزاء دقيقة جداً موجودة على الحمض النووي DNA ، مسؤولة عن الخواص المميزة لكل كائن حي، حيث تُخَزن فيها جميع المعلومات عن العمليات الكيميائية-الحيوية التي تتم داخل الكائن الحي. وتحتوي المادة الوراثية البشرية الكلية (الجينوم البشري) على أكثر من مئة ألف مورثة.

التعديل الوراثي:  انتهاك ديني
كيف يمكننا معرفة فيما إذا كانت البندورة، الفلفل الأخضر، الدجاج المفرز، النقانق، الكورنفلكس وغير ذلك من
الأغذية التي يتناولها الناس معدلة وراثيا؟  وإذا كانت فعلا معدلة وراثيا، فهل تم حقنها بمقطع DNA لبقرة أو خنزير أو جوز أو محاصيل أخرى يمكن أن تتطور لدينا حساسية تجاهها؟  أو ربما تطورت لدينا مثل هذه الحساسية؟  ألا يعتبر مكون الخنزير في المحاصيل المعدلة وراثيا انتهاكا دينيا بالنسبة للمسلمين المؤمنين؟  وانتهاكا لحرية اختيار الغذاء النباتي بالنسبة للنباتيين؟  
ثم ماذا بالنسبة للعامل السمي الذي قد تحويه المنتجات المعدلة وراثيا، لدرجة تشكيلها تهديدا جديا على حياة الإنسان؟  ولا بد هنا من التذكير بأن عدم القدرة على توقع عواقب الأغذية المعدلة وراثيا، وغياب الرقابة عليها تسببا عام 1989 في تسمم جماعي في الولايات المتحدة لأناس تناولوا مكملات غذائية معدلة وراثيا أنتجتها أكبر ثالث شركة كيماويات في اليابان.  وادعت الشركة في حينه، بأن الجراثيم تلوثت أثناء عملية التعديل الوراثي.  وقد تسبب التلوث آنذاك، في مقتل 37 أميركيا، وشلل دائم لـِ1500 فرد، كما أن 5000 شخص أصيبوا بمرض عصبي نادر يعرف بـِ EMS .  إثر ذلك فقط، منعت وزارة الصحة الأميركية تسويق المنتج!
كما وجد بحث آخر نشر في الدورية العلمية الأميركية Journal of Medicinal Food بأن مركبات "الفيتو إستروجين" (Phytoestrogen ) التي تستعمل كمضادات لأمراض السرطان والقلب، موجودة بتركيز منخفض في حبوب الصويا المعدلة وراثيا. 
علاوة على ذلك، أشارت أبحاث أخرى إلى أن جودة الأغذية المعدلة وراثيا وقيمتها الغذائية متدنيتان.
وعلى سبيل المثال، يحوي حليب البقر الذي حُقِن بهرمون BGH (Bovine Growth Hormone) الذي يزيد إدرار الحليب، مستويات مرتفعة من البكتيريا والدهون.  كما أثبت البحث بأن مستويات مرتفعة من هذا الهرمون الكيماوي في حليب البقرة ومنتجاته، قد يزيد من احتمال الإصابة بسرطان الثدي، والبروستاتا والأمعاء.

فول الصويا معدل وراثيا

زيادة استعمال المبيدات
لا بد أن بعضنا قرأ قصة الرعب التي تحكي عن فيكتور فرنكشطاين العالم الفضولي الذي أنتج في المختبر كائنا إنسانيا، وذلك بواسطة قطع من أنسجة جثة.  وقد تفاجأ العالم بأن الكائن ذي المظهر المشوه انقلب على منتجه، وأخذ يقتل الناس، كجزء من حملة انتقامية ضد الجنس البشري الذي رفض دمجه في المجتمع، وعزله عنه.  وفي سياق القصة، يحاول العالم الغاضب من مخلوقه المرعب، إبادة الكائن المتوحش، ولكنه فشل.  وتمثلت النهاية المأساوية في وفاة العالم ومخلوقه المخبري بسبب الأسى واليأس.
وشكلت قصة فرنكشطاين الخيالية مناسبة لتسمية الغذاء المعدل وراثيا بغذاء "فرنكن" (Frankenfood ) الذي يحذر منه العديد من العلماء؛ ذلك أن التلاعب الوراثي دون مراقبة ومتابعة وفحوصات الآمان، يشكل خطرا ويتضمن عواقب غير متوقعة.
وكمثال على ذلك، إدخال المورثات النباتية إلى الأغذية؛ بحيث تتسبب في إنتاج ذاتي للسموم، من خلال  المحاصيل الزراعية المعدلة وراثيا، مما يؤدي إلى مقاومة أكبر للمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب.  وبحسب ادعاء المهندسين الوراثيين، فإن المحاصيل المقاومة تقلل من استعمال المبيدات.  وكما الحال لدى فرنكشطاين؛ فإن النتائج في الواقع مختلفة تماما.
ويشير أحد الأبحاث الذي أجراه المركز العضوي في الولايات المتحدة، إلى أن التعديل الوراثي للمحاصيل الزراعية أدى إلى زيادة استعمال المبيدات الكيماوية المضادة للآفات بمقدار 174.91 مليون كيلوغرام خلال أول 13 سنة من الزراعة التجارية.
والمسألة الأساسية هنا، أنه مع مرور الزمن، تولد الأعشاب والآفات طفرات وراثية تجعلها مقاومة للسموم الطبيعية الناتجة من المحاصيل المعدلة وراثيا.  وعندئذ، يجبر المزارعون على استخدام مبيدات أقوى وبكميات أكبر لحماية المحاصيل؛ مما يؤدي إلى زيادة تعرض الناس للمواد السامة وتفاقم التلوث البيئي.

غياب القيود على المنتجات المعدلة
تفرض بعض الدول الالتزام بوضع إشارات واضحة على المنتجات المعدلة وراثيا، أو تمنع إنتاجها أصلا، أو تفرض قيود جدية على إنتاجها، بسبب عدم ثبوت أمانها بعد.  ومن بين هذه الدول:  مجموعة الاتحاد الأوروبي، أستراليا واليابان.  وفي المقابل، لا يستطيع مواطنو العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، معرفة ما إذا كان الغذاء الذي يتناولونه يحوي مكونات معدلة وراثيا أم لا.
وبالرغم من تزايد عدد العلماء الذين يحذرون من عدم إمكانية التنبؤ بعواقب تقنيات خلط المورثات، مما يشكل خطرا جسيما؛ إلا أن حكومات الولايات المتحدة وسلطاتها القانونية تدعي بأن الأغذية التي تحوي مكونات معدلة وراثيا لا تختلف جوهريا عن الأغذية العادية؛ لذا، فإنها لا تحتاج إلى ملصق خاص، كما لا تحتاج إلى فحوصات الآمان.
وبما أن المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 تابعة غذائيا لإسرائيل، فإن واقعها، من ناحية المحاصيل المعدلة وراثيا، يعد امتدادا لدولة الاحتلال.  وفي هذه الأخيرة، لا يزال التعديل الوراثي في مرحلته البحثية فقط.  لذا، لا يوجد، حاليا منتج زراعي محلي معدل وراثيا.  ومع ذلك، تستخدم الصناعات الغذائية الإسرائيلية مواد خام معدلة وراثية؛ وبخاصة حبوب الذرة والصويا.  كما يتم استيراد منتجات تحوي مكونات معدلة وراثيا، علما بأنه لا يوجد في إسرائيل قانون يفرض إجراء فحوصات للكشف عن مكونات معدلة وراثيا في الغذاء، كما لا توجد أي قيود على المنتجات المعدلة أو إشارات خاصة عليها.  وبالرغم من أن وزارة الصحة الإسرائيلية كونت لجنة خاصة لدراسة ما أسمته "الأغذية الجديدة"، ولتنظيم المسألة قانونيا، إلا أنه من غير الواضح متى سيعلن عن أنظمة خاصة في هذا المجال.
وبما أن الضفة الغربية وقطاع غزة تابعتان غذائيا واقتصاديا تبعية كاملة لإسرائيل وتشكل أسواقهما إسفنجا امتصاصيا للسلع الإسرائيلية، فيمكننا الاستنتاج بأن المنتجات الغذائية الإسرائيلية المعدلة وراثيا تنتشر في السوق الفلسطينية، كما لا يوجد أي دليل يشير إلى أن الصناعات الغذائية الفلسطينية لا تستعمل مواد خام معدلة وراثيا أيضا.    

التركيز على الغذاء البلدي والموسمي
ولتفادي الأطعمة المعدلة وراثيا؛ من المحبذ تناول الغذاء البلدي أو العضوي قدر الإمكان؛ لأنه، وفقا للمعايير والقوانين المتعارف عليها، لا يحوي مكونات معدلة.  وفي حال عدم تناول الغذاء العضوي أو البلدي، فمن المفضل تناول الخضار والفاكهة المزروعة محليا وفي موسمها، لأن المنتجات الزراعية المحلية والموسمية إجمالا، غير معدلة وراثيا، حتى هذه اللحظة، كما يعد تناولها دعما للاقتصاد المحلي، ومناسبة لاستهلاك المحاصيل الطازجة قدر الإمكان.
وأخيرا، يجب علينا التوقف عن تناول الأغذية المصنعة، أو تقليل استهلاكها إلى الحد الأدنى؛ وبخاصة الأغذية المجمدة الجاهزة بأنواعها، والتركيز على استخدام المنتجات الخام الطازجة لإعداد وجبات أعلى قيمة غذائية وألذ نكهة.

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية