صداقة البحر مختلفة عند "أم حسن"
خاص بآفاق البيئة والتنمية
مراكب الصيادين في غزة
ربما لا يعرف الكثيرون حتى من أبناء مخيم الشاطئ، أن نساء الصيادين قديمًا كنْ يقفن إلى جانب رجالهن، في مهنة الصيد المحفوفة بالمخاطر، من ألفها إلى ياءها، فثملًا يُبحرن ليلًا، يفضّنْ الشِباك فجرًا، ثم يَبعن في الأسواق صباحًا.
أنا واحدة من نساء البحرية، عملت مع زوجي رغم صغر سني آنذاك، السبب الذي دفعني للانخراط في عوالم الصيد، هو أنه وحيد والديه، والواجب يحتم عليّ مساندته ودعمه، خاصة أن أولادنا كانوا صغارًا حينها.
كانت وظيفتي الرئيسية تبدأ مع ساعات الفجر الأولى، أذهب إلى الشاطئ لـ "جرّ الشِباك" الذي ألقاه زوجي ليلًا، أستخرج السمك، وأقصد طريق السوق لبيع ما فضّل الله علينا، ثم أعود إلى المنزل لاستكمال روتين يومي بشكلٍ طبيعي.
قد تسألون عن كلام الناس والعادات؟ صدقًا كلامهم لا يُسمن ولا يُغني، فأنا أذهب برفقة زوجي، وضمن ما هو مباح لي بالشريعة الإسلامية، عدا عن أن العلاقة التي تربط الصيادين على اختلاف أعمارهم وعوائلهم، هي "أخوية بامتياز" وقائمة على الأخلاق أولًا.
وفي اللحظة التي وجدت زوجي محاطًا بأولاده الرجال والأشبال من أحفاده، توقفت عن فكرة الذهاب إلى البحر، بالرغم من تعلقي الشديد به، واكتفيت بمساعدتهم داخل البيت، مثلًا أفضّ الشِباك، وأنظف السمك تمهيدًا لبيعه في السوق أو للزبائن من الجيران.
بينما أسرد لكم قصتي، تذكرت موقفًا أعتقد أنه لطيف يحكي عن قوتنا (النساء) الخارقة حين يستعدي الموقف منّا ذلك، ففي مرة من المرّات جاءني ألم المخاض وأنا بعزّ العمل، تحملته وصبّرت نفسي إلى أن انتهى عملنا، ثم ذهبت للميلاد.
هذا جزء من حجم الضغط الذي كنّا نعيشه، لكن بالعموم، هذه التجربة صقلتنا، وأعالتنا وساهمت في تحسين ظروفنا المادية، وصنعت لنا اسمًا في عالم الصيد وحسبة السمك.
أخيرًا، صداقتنا للبحر جعلت قلوبنا بخِفة الطير، وحياتنا هانئة، يملؤها راحة البال، وحبّ الخير للغير، حتى مذاق الأشياء مختلف. أحبّ هذه القطعة من الزمن وأحنّ لها كثيرًا، ولو كان بيدي لما تركت هذه الأجواء ولو وصل عمري الثمانين.
ميناء الصيادين في غزة
أم حسن أبو ريالة (63 عامًا) - مخيم الشاطئ - غزة.