شذرات بيئية وتنموية.. تكريم وترهيب وجامعات ومارد وابتهاج بالرصاص
خاص بآفاق البيئة والتنمية

حمى التكريم لفرسان الثانوية العامة
حظينا عقب حصولنا على الترتيب الثاني في فلسطين في "توجيهي 1994" بتكريم من جمعية كان اسمها أنصار الطالب، قدمت لنا حينها قاموس الرافدين (الترجمة من العربية للإنجليزية، وأذكر أنه كان ينقصه معظم كلمات حرف A)، وآله حاسبة رخيصة، وشهادة ورقية، وبعض المشروبات والحلوى.
سمعنا كلمات كثيرة، ووُعدنا بمنحة دراسية في جامعة محمد الخامس بالمغرب، لكنها ذهبت غالبًا لطالب آخر. شاءت الأقدار أن أتعرف لفارس الفرع الأدبي الأول، وهو الصديق محمد ملحم، الذي تفوق على إعاقته وحلَّق عاليًا، وأكد أنه لم يحظ بالمنحة الموعودة أيضَا.
المهم من هذا وذاك، أن بعض الذين منحونا أوسمة التفوق، عَلِمنا لاحقًا، أنهم ليسوا من حملة الشهادات الثانوية، وتوقفوا في التعليم عند الصف الرابع، ثم ابتسمت الدنيا في وجوههم.
نعيش هذه الأيام حمى التكريم لفرسان الثانوية العامة، نرجو ألا يُكرر المٌكرّمون الدروع الخشبية أو الزجاجية أو الشهادة الورقية المكتوبة بخط ("عفشيكي" كما كنا نقول في طفولتنا)، أو أقلام الحبر التي جفت ولا تعمل.
نأمل ألا يفرطوا في الكلمات، ولا الصور، وأن يوّسعوا الصفوف الأولى أكثر لتشمل المعلمين والآباء والأمهات، بعيداً عن إرضاء المصابين بعقدة المقاعد المتقدمة، وأن ينسوا أمر الحلوى والعصائر، فقد أصيب المعظم بالتخمة منها منذ صباح السبت، وأن يحوّلوا بند الضيافة لهدايا قيّمة للمتفوقين والناجحين.
بوسعهم ختامًا، ومنعًا للحرج في تقديم غير المتعلمين على غيرهم، منح "شرف التكريم" للأساتذة والمرّبيات ولأمهات الشـهـداء، فتلك "تخريجة" جيدة.

خريجو الجامعات نحو البطالة
حفلات
ماذا نقول لجامعاتنا التي تستقبل أهالي طلبتها مرةً يتيمة، ولا تُقدم لهم في حفل التخرج شربة ماء، أو قطعة حلوى، أو زهرة بيضاء، أو ابتسامة صفراء؟
على الهامش: تتقاضى جامعاتنا ثمن حفل التخرج من طلبتها.

والدة الزميل الصحفي البيئي عبد الباسط خلف
قصة
كانت أمي (زريفة)، أمدَّ الله في عافيتها، وحيدة جدي مصطفى الخطيب، وابنته شديدة الدلال، فهي الناجية الوحيدة من بين 8 أخوات ولا يشاركها قلبه إلا الابن الأكبر عبد الغني.
لم يغضب جدي، رحمه الله، من طلباتها المتكررة، منها إلحاحها في أن يمسك لها العصافير من سقف بيته، لتكون وجبة دسمة في جوف الليل.
وذات صيف، وخلال العمل الليلي في حقول مرج ابن عامر، ظنت أمي الفتاة اليافعة أنها شاهدت ماردًا يتحرك إذا سارت، ويتوقف معها، ويركض إن أسرعت، فذهبت للاحتماء بوالدها، الذي هدّأ من روعها، وغير موقعها في أطراف الأرض لتكون لصيقته.
تقص لنا والدتنا مرارًا، وتصف على طريقتها المارد الذي لا نهاية له، وتقرّ في بعض المناسبات أن ما رأته ليس إلا حصيلة خوف طفلة لم تكن قد أكملت العاشرة بعد.
غير المنطوق والجميل في تفاصيل قصص الأمهات نمط العمل الزراعي العائلي، الذي غاب هذه الأيام، فقد كان الجميع يشتركون في زراعة المحصول ورعايته وحصاده، وترافقَ ذلك مع طقوس اجتماعية عديدة، والأهم أن العمل كان نابعًا من القلب.
ضجة
تصنع "التربية والتعليم" ووسائل الإعلام والأهالي والطلبة "هالة" فارغة، وأزمات لا حاجة لها لامتحان التوجيهي. على سبيل المثال، أتساءل ما قيمة تصريحات من قبيل أن الوزارة ستعلن غدًا موعد النتائج؟ وما جدوى سؤال الطلبة الخارجين من القاعات عن رضاهم أو سخطهم منه؟ ولماذا كل هذه الضجة السنوية حول الامتحان؟ وما محل تفقّد المسؤولين لقاعات الامتحان من الإعراب؟
نحتاج للكف عن هذه التصرفات العشوائية، التي تتلاعب بالطلبة وأهاليهم، بلا سبب، وترسّخ قاعدة بائسة لامتحان هو في الأساس عادي.

مفرقعات ونيران إثر الإعلان عن نتائج امتحانات التوجيهي
رصاص
أُعدّ منذ عدة أسابيع بحثًا عن العلاقة بين الأفراح وإطلاق النيران، ومتى بدأنا التعبير عن ابتهاجنا وسرورنا بتوجيه "البارود" إلى السماء.
أستطلع آراء عينة ممن يملكون تحليلًا ومعلومات في هذا الشأن، وبالتحديد كيف نرى إطلاق النيران من مظاهر الفرح؟ ومن هو أول من سار في درب هذه الظاهرة السيئة؟ وبأي السبل يمكن وقف هذا السلوك؟

مقابلات توظيف
فرص
سألني في مقابلة توظيف قبل 25 عاماً، رئيس اللجنة سؤالًا شخصيًا، فطلبت منه أن يغير السؤال؛ لعدم علاقته تماماً بالمنافسة، فلم يعجبه، لكنني قلت له: "مع احترامي لك، أنت لا تصلح لرئاسة لجنة مقابلات، فما علاقة رفضي لتدمير الأراضي الزراعية بشاغر وظيفة منسق أنشطة طلابية".
أتيح لي لسنوات طويلة، أن أكون عضوًا في عدة لجان لاختيار موظفين، في معظم المقابلات هناك فرصة يتيمة ستكون لواحد من 200 متنافس، وللأمانة، ليس سهلًا أن تكون سببًا في تحطيم أحلام 199 شابًا وشابة أو قهرهم.
حرصت في كل الامتحانات والمقابلات على إقفال أذني عن أي تأثير، وكنت أحسب العلامات ثلاث مرات، وأصحّح الأسئلة الكتابية غير مرة.
علينا ألا نكون يومًا أحد أسباب هجرة شبابنا، أو ضياعهم، أو كرههم لوطنهم، وهذا ما دفعني للاعتذار مرارًا عن عدم قبولي أن أكون عضواً في لجان التوظيف.