خاص بآفاق البيئة والتنمية
ثلاثون شابًا وشابة من المغرب وتونس ولبنان وسوريا ومصر والأردن وفلسطين، متعمّقون بالبيئة بتجاربهم ومبادراتهم، وهدفهم المشترك الحفاظ على البيئة وإدارة النفايات وتقليلها بالطرق البيئية الصحيحة. شارك أولئك الناشطون، لمدة أسبوع، في المدرسة الصيفية البيئية في مدينة الرباط، وهدفت هذه المدرسة الإقليمية إلى تزويد المشاركين من المهتمين والناشطين وأصحاب المبادرات البيئية بمساحة للتبادل الفكري البيئي والنقاش، والتعرف على الأبعاد المتعددة للنفايات من توليدها وإدارتها، والبدائل المحتملة والحلول المبتكرة.
|
|
المدرسة الصيفية البيئية في الرباط |
لم يكن أسبوعًا عادياً الذي عشناه في المدرسة الصيفية البيئية في العاصمة المغربية الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي في سهل منبسط فسيح، فبعد وصولنا إلى مطار الدار البيضاء اتجهنا إلى الرباط، استقبلنا شاب مغربي من المؤسسة الراعية "هينرش بُل"، حيث كان يقف على الضفة اليسرى لمصب نهر أبي رقراق، ومن أول لحظة أسرَتنا المناظر الخلابة، الشوارع الواسعة، والمساحات الخضراء، والورود على جوانب الطرق.
30 شابًا وشابة من المغرب وتونس ولبنان وسوريا ومصر والأردن وفلسطين، متعمقون بالبيئة بخوضهم تجارب ومبادرات في مجال الحفاظ عليها، يجمعهم هدف كبير يتمثل في إدارة النفايات وتقليلها بالطرق البيئية الصحيحة.
بلد مليء بالمساحات الخضراء
انطلقنا صباحًا إلى مكتب "هينرش بُل" على بعد 500 متر تقريبًا من الفندق، سيرًا على الاقدام، لتبدأ جلستنا الأولى حول إدارة النفايات والتقليل منها.
أثارت الجلسة النقاش بشأن الوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والاتفاقيات الدولية، وإدارة النفايات الصلبة، والأطر السياسية، والإعداد الاقتصادي، والأثر الاجتماعي والبيئي، ولمحة عن الاتفاقيات الخاصة بالنفايات، وإدارة النفايات الصلبة والاتفاقيات الدولية، والاتجاهات الحالية للنفايات الصلبة البلدية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآثارها الاجتماعية والبيئية.
أجمع الحاضرون أنه لا يوجد أي نقص في الاتفاقيات والمبادرات المتصلة بالنفايات وخاصة البلاستيك، لكنها جميعها تتناول التخلص من النفايات فقط، وتعفي المصنّعين من مسؤولياتهم.
تحاول المغرب تقليل استخدام الأكياس البلاستيكية، بفرض قانون "زيرو ميكا" الذي يمنع تصنيع واستيراد وتصدير وتسويق واستخدام الأكياس أحادية الاستخدام، وهذا يُعد من الإجراءات الهامة التي اتخذتها الحكومة هناك.
في المساء تجوّلنا برفقة الأصدقاء المغربيين في السوق القديم من الرباط، حيث لا أكياس بلاستيكية، بل قماشية فقط، وكانت الوجهة التالية قلعة الوداية، حيث الإطلالة الساحرة على البحر والغروب، وتنظيم العروض الموسيقية، والفلكلور المغربي والمسرحيات في ساحتها.
|
|
المشاركون في المدرسة البيئية خلال زيارة ميدانية لورشة فصل وإعادة تدوير النفايات الصلبة |
المشاركون في المدرسة البيئية خلال زيارة ميدانية لورشة فصل وإعادة تدوير النفايات المعدنية والبلاستيكية |
البلاستيك يمثل 10% من النفايات المنزلية
اليوم الثاني كان بعنوان "توليد النفايات أنماط الإنتاج والاستهلاك"، وتخلّل الإنتاج الحالي وتطور أنماط الاستهلاك، والنظر في تأثيرات تصميم المنتجات على قضايا النفايات، واستكشاف العلاقات بين عادات المستهلكين وتوليد النفايات وربطها بعمل أنموذجنا الاقتصادي، وتاريخ النفايات، وتطور توليدها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والإنتاج والاستهلاك وكيفية تأثير تصميم المنتج ونمط الحياة على توليد النفايات، ومناقشة أزمة البلاستيك وانعكاساتها على المجتمع والبيئة، وتغيير منطق أنماط الإنتاج والاستهلاك.
جدير بالذكر أن البلاستيك في المغرب يمثل 10% من النفايات المنزلية، بما يقارب 690 ألف طن في السنة.
|
|
المشاركون في المدرسة الصيفية البيئية |
الناشطون البيئيون خلال المدسة الصيفية البيئية في الرباط |
تعاونية التوافق أنموذجًا
اليوم الثالث من الرحلة، ربما كان الأجمل، وحمل عنوان "معالجة النفايات من الجمع إلى التخلص منها"، نظمنا فيه زيارة لتعاونية التوافق.
تناولت الجلسة المراحل المختلفة لإدارة النفايات الصلبة، من جمع النفايات إلى استعادتها والتخلص منها، وبعض الجوانب المهمة لإدارة النفايات مثل السياسات والإستراتيجيات، وواقع إعادة التدوير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتعايش الحالي للقطاعات الرسمية وغير الرسمية، ومخططات جمع النفايات.
كانت "التعاونية" مليئة بالشبان والشابات يقفون عند آلة فرز النفايات، ينكبّون على فصل البلاستيك عن المعدن والحديد، تجهيزًا لكبسه من أجل تقليل حجمه، ومن ثم إرساله إلى المصانع الخاصة به لإعادة تدويره مرة أخرى، حيث جمعت التعاونية ما يقارب الـ 151 عاملًا لتكون أول تجربة من نوعها في المغرب لتأطير عمال "المطرح" العشوائي.
التقينا بإحدى العاملات في التعاونية، وأخبرتنا بقولها: "كنا قبل التعاونية نجمع النفايات بمبادرة فردية تفتقر إلى التنظيم، تحت وطأة ظروف عمل صعبة تغلب عليها العشوائية وانتهاك حقوقنا".
وتضيف: "عمل نباشي النفايات بشكل غير منظم يجعلهم ضعفاء، ويهدر حقوقهم، فيستغلهم الوسطاء، ويصبحون عرضة لظروف عمل خطرة، وأحيانًا لحوادث قد تصل إلى الموت، عدا عن النظرة الدونية من بعض الناس باعتبارها مهنة منبوذة اجتماعيًا".
العمل في التعاونية يقتضي جلب النفايات إلى الموقع عبر الشاحنات ومن ثم تُوضع على آلة الفرز بهدف فرز البلاستيك عن المعدن، بعدها يُرسل البلاستيك إلى آلة كبس البلاستيك، وعلب الحديد والمعدن إلى آلة كبس الحديد والمواد المعدنية لتصغير حجمها، وأخيراً نصل إلى مرحلة إعادة التدوير.
جنت التعاونية هذا العام أكثر من 8 ملايين درهم مغربي، ووفرّت بيئة عمل مناسبة ومنظمة لكل منخرطيها دون تمييز بين النساء والرجال، فالقضاء على العشوائية في جمع النفايات بات من أهدافها الرئيسة، وكذلك القضاء على العمل الفردي بجمع النفايات.
ورغم دور جامعي النفايات غير الرسميين في إدارة النفايات، إلا أنهم لا يُعترَف بهم إلى حد كبير في المغرب وغيرها من البلدان، ويعانون التهميش الاجتماعي، وحقوقهم في خطر.
وتنتج مدينة الرباط حاليًا حوالي 336 ألف طن في السنة من النفايات، موزعة: 21,800 طن من النفايات المنزلية، و86,000 طن من النفايات الخضراء، و62,000 طن من مخلفات البناء.
أما اليوم الرابع؛ كان بعنوان "تجاوز إدارة النفايات نحو "اقتصاد دائري أخضر".
|
|
تدريب عملي خلال المدرسة الصيفية البيئية |
تصنيف النفايات البلاستيكية وكبسها في إحدى الورش الصناعية في المغرب |
إذ تناولَ النفايات جراء هيمنة "الاقتصاد الخطي" الذي فيه تُستخرج وتُجمع المواد الخام، ثم تحوّل إلى منتجات تُستخدم حتى يُتخلص منها في النهاية في إطار نفايات، وتنطوي القيمة الاقتصادية في هذا النظام على إنتاج وبيع أكبر كمية ممكنة من السلع.
وفي المقابل، الاقتصاد الدائري هو أنموذج للإنتاج والاستهلاك يتضمن مشاركة وتأجير وإعادة استخدام وإصلاح وتجديد وإعادة تدوير المواد والمنتجات الحالية لأطول فترة ممكنة.
وفي هذا النمط الإنتاجي- الاستهلاكي تُمدّد دورة حياة المنتجات، وفي الممارسة العملية، يؤدي هذا النمط إلى تقليل النفايات إلى الحد الأدنى.
وعندما يصل المنتج إلى نهاية عمره الافتراضي، عندئذ يُحتفظ بمواده ضمن دائرة الاقتصاد قدر الإمكان، بحيث يمكن استخدامها "بشكل منتج" مرارًا وتكرارًا، وبالتالي خلق قيم اقتصادية إضافية.
تعرّفنا في جلسات ذلك اليوم إلى المدى الذي يمكننا اعتبار الاقتصاد الدائري الأخضر والنماذج الاقتصادية البديلة الأخرى الحل البيئي الفعال لتقليل النفايات من المصدر، مع هدف طَموح يكمن في عدم وجود نفايات (صفر نفايات)، المهم معرفة كيفية تكييف إدارة النفايات مع مبادئ الاقتصاد الدائري وإعادة الاستخدام والتدوير.
ورشة عملية في المدرسة الصيفية البيئية
حوكمة النفايات
اليوم الأخير كان على أجندته: "حوكمة النفايات نحو نظام تشاركي متكامل لإدارة النفايات"، وإدارة النفايات الصلبة البلدية من منظور الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والحدود والفرص.
وناقش نماذج حوكمة النفايات السائدة واستكشافَ أشكال أكثر تشاركية وشاملة نحو إدارة متكاملة للنفايات الصلبة (ISWM)، إضافة إلى إمكانات المبادرات المجتمعية.
تجارب ناشطين ومهتمين بيئيين عُرضت في هذه الرحلة، ممن اتخذوا على عاتقهم الشخصي تنفيذ مبادرات لتشجيع المجتمع على حياة قليلة النفايات ونشر الوعي البيئي بواسطة ممارساتهم اليومية، بإعادة التدوير واستخدام الأدوات القابلة لإعادة الاستخدام من أجل تقليل النفايات والتدوير بشكل سليم، والمساهمة في تقليل الأثر البيئي وانتهاج هذه المنظومة أسلوب حياة.
بعض الشركات تتهرب من مسؤوليتها تجاه المشكلة الحقيقية للبلاستيك وتنامي حجم المواد البلاستيكية التي تُصنّع، لذلك رأى المشاركون ضرورة فرض ضريبة على هذه الشركات وإلزامها بالتخلص من منتجاتها بعد أن تصبح نفايات، خاصة أن جزءً كبيرًا من النفايات البلاستيكية لا يُعاد تدويرها وينتهي بها المطاف في البيئة.
وتسعى المدرسة الصيفية الإقليمية الثامنة إلى إثراء النقاش فيما بين المشاركين من المهتمين والناشطين البيئيين وأصحاب المبادرات البيئية، بغية التعرف على الأبعاد المتعددة للنفايات من توليدها، وإدارتها، والبدائل المحتملة والحلول المبتكرة.
ومن المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بمقدار 2 مليار شخص في الثلاثين عامًا المقبلة، من 7.7 مليار حاليًا إلى 9.7 مليار في عام 2050، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة الذي أُطلق في عام 2019، وسيكون لهذا تأثيراً كبيراً على كمية النفايات التي تنتجها البشرية.
ومع تزايد عدد السكان تتزايد كميات إنتاج النفايات، فلا يُعاد تدويرها أو استخدامها بل ينصّب التركيز على التخلص منها فقط، عن طريق إرسالها إلى مدافن النفايات وحرقها دون البحث عن بدائل أو حلول جذرية مستدامة، مثل إعادة تحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام.