خاص بآفاق البيئة والتنمية
كانت الأرض قاحلة متصحرّة وأضحت خصبة تجود بخيرات الثمار".. مختصر ما أفضت إليه جهود المواطن فؤاد العمور (38 عامًا)، من قرية التوانة جنوب مدينة يطا، قضاء الخليل. لقد كتب حكايته البائسة من جديد، حين أمسك ببصيص أملٍ انبثق من أفكارٍ إبداعية في الزراعة كان يستنير بها الأجداد. الحكاية الآن مشرقة وتستحق أن يرويها العمور لمجلة "آفاق البيئة والتنمية".
|
|
الثومة والفلفل في خلطة المبيد الطبيعي |
كانت الأرض قاحلة متصحرة وأضحت خصبة تجود بخيرات الثمار".. مختصر ما أفضت إليه جهود المواطن فؤاد العمور (38 عامًا)، من قرية التوانة جنوب مدينة يطا، قضاء الخليل.
لقد كتب حكايته البائسة من جديد، حين أمسك ببصيص أمل انبثق من أفكارٍ إبداعية في الزراعة كان يستنير بها الأجداد. الحكاية الآن مشرقة وتستحق أن يرويها العمور لمجلة "آفاق البيئة والتنمية".
ما أصل الحكاية؟
لا يغيب عن ذاكرتنا، التحديات الجمة التي شهدتها البلاد في جائحة كورونا، وأهمها توقف الكثير من الأعمال، وانقطاع أرزاق آلاف المواطنين.
فؤاد الذي كان آنذاك يعمل في الأرض المحتلة عام 1948، أُوقف تصريح عمله، ولم يعد بإمكانه العبور للأراضي المحتلة لكسب قوت يوم عائلته.
هو ليس موظفًا في قطاع عام أو خاص، ما يعني أنه لا يملك دخلاً بديلاً لأسرته، لذا لم يكن أمامه إلا أن يبدأ رحلة للبحث عن بدائل، وإذ بالأرض خير وُجهة.
يقول العمور: "وصلت إلى مرحلة من الضيق المالي كنت فيها صفر اليدين، ولا خيار إلا أن أجد حلاً أنقذ فيه عائلتي من الفقر. كان من الممكن أن أبحث عن عمل في أحد المصانع الموجودة في المنطقة، ولكن لخطورة الوضع السياسي، ومع الهجمات الاستيطانية المتكررة على البيوت والقرى، خاصة وأن التوانة تقع بين مستوطنتين وعلى شارع التفافي، سبب ألزمني بإيجاد حل يبقيني قريبًا من بيتي وعائلتي لحمايتهما من أي خطر داهم".
ومن هنا فكَّر بالزراعة حتى يتمكن على الأقل من توفير مشتريات بيته، خاصة مع الارتفاع الكبير للأسعار في الآونة الأخيرة.
ويضيف: "لدي قطعة أرض صغيرة، وجيراننا كذلك، اِستأذنتهم أن أستخدمها لزراعة المحاصيل، علماً أن القطعتين معاً تمتدان على مساحة دونم، أردت من هذه الخطوة أن أختبر إذا كانت التجربة قابلة للنجاح".
السماد الطبيعي من إنتاج فؤاد العمور
السر لدى "المخاتير"
ماذا زرع ؟.. كوسا، وبندورة، وخيار وذلك من دون بيوت بلاستيكية، وحرث الأرض، وليضمن إنتاجاً جيداً كان ينبغي تسميدها، وبما أنه لا يملك مالًا لشراء السماد أخذ يبحث عن الأساليب التقليدية.
يقول المثل "من فات قديمه تاه"، والعمور لم يفته أبدًا عندما بدأ العمل على مشروعه أن "أصل الفلسطيني مزارع"، وأن أجدادنا لم يعرفوا يومًا الأسمدة الكيميائية ولا المبيدات الحشرية، ومع ذلك كانت قرية التوانة على سبيل المثال تصدّر منتجاتها من التفاح والفواكه إلى العراق والأردن، إذاً من كل بدٍ، كان بحوزتهم بديلاً ناجعًا عن الأسمدة والمبيدات الكيميائية.
خلطة المبيد الطبيعي
سماد الأرض "منها وفيها"
يواصل العمور حديثه بالقول: "قمت بجولة للقاء مخاتير" القرية الذين عملوا لسنوات طويلة في الأرض، وبدورهم نصحوني بعددٍ من الطرق المجرّبة، وتبيّن لي أن سماد الأرض "منها وفيها"، والمعنى أن المزارعين القدامى كانوا يلتقطون أوراق الشجر، ثم ينقعونها مع خميرة وسكر لمدة ثلاثة أيام ثم يرشون المزيج على النبات، فيساعدونه على الإنتاج، هذه الطريقة ناجحة جدًا في تسميد الأرض وأثبتت فعاليتها".
ومن الاكتشافات المهمة في رحلته تلك، أن أخذ أزهار من شجرة الزنزلخت، التي تُسمى "شجرة الظل"، ونقعها مع الخميرة والسكر وسقي النباتات بها، يساهم في تقليل مدة دورة الإنتاج.
ويردف قائلاً: "من المفترض أن تعطي شتلة الخيار ثمارها بعد 21 يومًا، لكن محصولي بفضل الله أعطى ثمرًا بعد 15 يوماً، أما البندورة فبدأت الإنتاج بعد شهرين وعشرة أيام بدلاً من ثلاثة شهور، وجميع المحاصيل التي زرعتها حتى الآن أنتجت في وقت أسرع، نتيجة استخدام هذا السماد الطبيعي".
فؤاد العمور أثناء إعداده السماد الطبيعي
بالثوم والفلفل والخل
إلى جانب السماد الطبيعي، استخدم العمور أيضًا أساليب الفلاح القديم في رش المبيدات الحشرية على محاصيله، فبدلًا من المواد الكيميائية المُصنّعة، توصّل إلى خلطة طبيعية كان المزارع يستخدمها لحماية نباتاته.
هذا الخليط مكوّن من خليط الثوم والفلفل الحار و"روح الخل"، بحيث تُرش المحاصيل الزراعية بها.
ويعقب في السياق نفسه: "هذه الخلطة ممتازة لطرد جميع الحشرات والآفات الزراعية".
فؤاد العمور أثناء إعداده خلطة المكافحة الطبيعية
ويشرح لنا: "الثوم بطبيعته طارد للبكتيريا والالتهابات في جسم الانسان، وعندما تمرض المواشي أيضًا نضع لها الثوم في مائها حتى تتعافى، فالثوم يعزل نمو الفطريات على جميع الخضراوات، ويعالج أي نوع بكتيري ينمو عليها، والأشتال التي تحتاج تغذية يغذّيها، والبكتيريا التي يجب قتلها يقتلها، والرائحة الخاصة بالثوم تطرد جميع الحشرات عن أي نبتة تُرّش بها".
أما الفلفل الحار، فمذاقه الحار يحدث استنفارًا لكل من يقترب منه، لذا الفلفل يبعد الحشرات، ومن المعروف أن الحشرة تتذوق النبتة التي تقع عليها قبل أن تغرس إفرازاتها فيها، تبعاً لقوله.
في حين أن الخل له رائحة سيئة تتفاعل مع الثوم والفلفل، علماً أن "كل رشة من هذا الخليط تحمي متراً مربعًا من الأرض" يقول العمور.
فؤاد العمور يتفحص محاصيله الطبيعية
نجاح كبير
المحصول الأول الذي زرعه صاحب القصة، نجح وتسنّى له بيعه واستطاع بثمنه سدّ احتياجات أسرته، مشيراً إلى أنه أصبح بوسعه أن يورّد للأسواق، ومن محصول البندورة الذي يزرعه في هذه الآونة، سيكون بمقدوره توفير دخل يومي لثلاثة شهور قادمة.
ولم يسلم العمور من المحبطين عندما بدأ مشروعه، لكنه في نهاية المطاف أفلح، واحتذى به آخرون ممن نفّذوا بعد نجاحه عدداً من المشاريع الزراعية الريادية في المنطقة.
ويبدو الرجل سعيداً بهذه النتيجة، بعد أن أعاد العديد من الأشخاص في المنطقة النظر في العودة إلى الأرض، حتى أن أحد شباب القرية يزرع حالياً محصول ذرة، ووضع خطة لبيع مخلفات المحصول أعلافاً للمواشي.
لن يتوقف النجاح هنا، هذا ما يؤكده، إذ يخطط ابن قرية التوانة لتنفيذ مشروع كبير، سيشمل مساحات شاسعة مزروعة من الأراضي، يستخدم فيها المبيدات الحشرية الطبيعية، والسماد الطبيعي، ليجدد علاقته مع الأرض بسيره على نفس خطى الآباء والأجداد، ويحميها من مشاريع الاحتلال الاستيطانية.
جدير بالذكر أن "إسرائيل" بصدد استكمال بناء جدار الفصل العنصري على أراضي يطا، وبخططٍ إستراتيجية واضحة ومعلنة يسعى إلى تهجير الفلسطينيين منها، وبالتالي فإن أي مشروع صغير هو مشروع وطني بامتياز.
فؤاد العمور يرش محصوله بمبيد طبيعي أعده بنفسه