l فلسطينيو الأرض المحتلة سيواجهون صعوبات جدية في الحصول على الغذاء الأساسي
 
 

المطلوب بنية زراعية وطنية تتميز بالتنوع الإنتاجي وتوفر الاحتياجات الأساسية للشرائح الشعبية
فلسطينيو الأرض المحتلة سيواجهون صعوبات جدية في الحصول على الغذاء الأساسي
الحل يكمن في التركيز على زراعة المحاصيل الإستراتيجية والأصناف المقاومة للجفاف

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

يقول بعض خبراء الزراعة والغذاء بأن على فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1967 الاستعداد، خلال العقدين القادمين، لمواجهة صعوبات جدية محتملة في الحصول على منتجات غذائية حيوية وأساسية.  ويشير الأخصائيون إلى ثلاثة عوامل محتملة للنقص الحقيقي أو المفتعل في الغذاء بالعالم؛ ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار المنتجات الغذائية:  التزايد السكاني السريع، التغيرات المناخية التي ستعيق العمل الزراعي، والانكماش المتزايد في الأراضي الزراعية.  ومما يثير القلق أن الغذاء الأساسي لغالبية فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة بات مستوردا من الأسواق الإسرائيلية والأجنبية الأخرى.  فمعظم الحبوب والقمح والحنطة والذرة والشعير وغيرها يستورد من الخارج.  كما تراجعت كثيرا الزراعات المحلية، بدلا من تركيزها على المحاصيل الإستراتيجية التي من شأنها تقليل التبعية الفلسطينية الغذائية للاحتلال.
ولمواجهة موجات الحر والجفاف المتتالية منذ بضع سنوات، يفترض الإسراع في تطوير أصناف من الحنطة والقمح أكثر مقاومة للجفاف.  وبما أن بعض المحاصيل تتحمل الحرارة المرتفعة؛ فيفترض أن تبادر الجهات المعنية إلى تشجيع زراعة المحاصيل التقليدية التي تتحمل الحرارة وتحتاج إلى قليل من العناية وتحقق فوائد اقتصادية وصحية وبيئية حقيقية للمزارعين، ويمكن زراعتها بطرق عضوية؛ مثل الصبر والخروب والبلح والأعشاب الطبية وغيرها.
وبالرغم من أن المحاصيل قد تتكيف مع أحوال الطقس؛ إلا أن المشكلة تكمن في أن التغيرات قد تأتي فجأة وبضربة واحدة، كما حدث في حال موجة الحر في صيف عام 2010؛ الأمر الذي يزيد من صعوبة الاستعداد لمواجهة مثل هذا الوضع، ويجعل احتمالات التنبؤ به ضعيفة.  لذا يدور الحديث عن مجرد تقديرات؛ وكما يبدو، فإن موجات الحرارة المرتفعة ستتعاظم. 
وفي الواقع، لا يمكننا أن نعرف مسبقا فيما إذا كنا سنواجه سنوياً ذات الموجات الحرارية المرتفعة؛ إلا أن احتمال حدوث هذا الأمر كبير.  لذا، وفي حال معرفة المزارعين بوجود احتمال كبير لحدوث موجات حرارية، فيجب عليهم أخذ الاحتياطات وإتباع الوسائل الدفاعية وإنتاج أو شراء أصناف مقاومة للحرارة، سواء للبندورة  أو الخس أو غيرهما.  فمقاومة الخضار للحرارة أمر في غاية الأهمية، وكلما كانت مقاومتها أكبر كلما كان بالإمكان زراعتها في الظروف الحرارية القاسية.

إنتاج الغذاء أكثر من كاف لإطعام سكان العالم
يزعم بعض الخبراء بأن النقص العالمي في الغذاء قد يتفاقم بسبب التغيرات المناخية التي ستزيد عدد المناطق الجافة وتقلص المساحات الملائمة للزراعة.  وذلك بالرغم من تأكيد منظمة "الفاو" أن إنتاج الغذاء أكثر من كاف لإطعام سكان العالم، وبأن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعا كبيرا في الإنتاج العالمي لمحاصيل الحبوب الإستراتيجية، إلا أن المعروض العالمي من الحبوب قد انخفض وارتفعت الأسعار بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال الأعوام الأربعة الأخيرة.  بل إن تقارير "الفاو" تشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تهدر نحو 30% من الغذاء، أو ما يعادل 48.3 مليار دولار سنويا.  و"الهدر" هنا، يعني التخلص من الإنتاج الغذائي في مكبات النفايات.  وهذه الكمية تكفي لإطعام مئات الملايين من سكان الدول الفقيرة.  كما أشار نفس التقرير إلى هدر ثلث الغذاء في بريطانيا، ومعظمه في غلافه الأصلي دون مساس.  أما في السويد، فإن الأُسَر التي لديها أطفال تتخلص من نحو 25% من الغذاء الذي اشترته، كما هو دون أي استعمال.  يضاف إلى ذلك، أن نصف المياه المستعملة لإنتاج الغذاء في العالم تتعرض أيضا للهدر.
وفي تقريرها الشامل حول وضع الإنتاج الغذائي في العالم، والذي صدر في شباط الماضي، أشارت وزارة العلوم البريطانية إلى أنه في العقود الأربعة الأخيرة ارتفعت نسبة إنتاج الغذاء بمقدار 115%؛ إلا أن مساحات الأراضي المناسبة للزراعة ازدادت بنسبة 8% فقط؛ أي أن المعروض من الغذاء ازداد كثيرا، ولكن في ذات المساحات تقريبا.  وهذا يعني زيادة استغلال واستنزاف الأراضي الزراعية المتاحة؛ ما يفاقم تعرضها لمزيد من التلوث البيئي وعمليات التآكل وتدهور الخصوبة.
ويشير التقرير البريطاني أيضا إلى ضياع جزء كبير من الغذاء؛ وذلك أثناء عمليات الإنتاج وبسبب المبالغة في الاستهلاك بالدول الغنية.  وبحسب تقديرات التقرير يتحول نحو ثلث كميات الغذاء في الدول الغنية إلى نفايات؛ نظرا لسوء تخطيط عمليات شراء الغذاء، أو بسبب تحضير وطبخ كميات كبيرة جدا من الغذاء.     
مما ورد نستنتج أن "أزمات" القمح والحبوب  العالمية الدورية ليست سوى أزمات مفتعلة سببها الأساسي يكمن في التبذير والتخمة الغذائية في الدول الغنية، والتنافس على أسواق الحبوب بين أميركا (أكبر مصدر عالمي للقمح) وأوروبا، وبالتالي التلاعب بفائض القمح وسائر الحبوب المعروضة عالميا، وبالمحصلة التحكم بغذاء "العالم الثالث"، علما بأن تحويل الولايات المتحدة كميات كبيرة من الحبوب التي تنتجها (وبخاصة الذرة) لتصنيع الوقود الحيوي، والزراعات كثيفة الري والنمو السكاني، يعد من أهم أسباب الضغوط على إنتاج الحبوب والماء. 
إذن، الإنتاج الغذائي العالمي يكفي لإطعام جميع سكان الكرة الأرضية؛ إلا أن المشكلة تكمن في التوزيع غير العادل للثروات الزراعية والغذائية، والارتفاع المصطنع لأسعار الغذاء.  وبحسب منظمة "الفاو" يموت كل ساعة 700 طفل في العالم بسبب المجاعة أو الأمراض المتعلقة بسوء التغذية.   

اقتصاد استهلاكي وطفيلي
تتمثل أهم سمة خطيرة مميزة للاقتصاد الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي في بنيته الاستهلاكية الطفيلية.  وتتجسد هذه البنية في حقيقة أن المجتمع الفلسطيني ينتج حاليا أقل بكثير مما يستهلك، ولا توجد مؤشرات فعلية تدل على أن الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك آخذة في التقلص.  كما أن  نسبة الاكتفاء الذاتي الغذائي (الإنتاج/الاستهلاك) ضعيفة.
إن حقيقة كون المجتمع الفلسطيني مجتمعا استهلاكيا، يشتري معظم طعامه من إسرائيل والخارج، ومنه الغذاء الاستراتيجي، تعني، تحديدا، أنه يفتقر إلى الأمن الغذائي وبالتالي السيادة على الغذاء.  وهنا بالذات يكمن السبب الأساسي في تبعيته للخارج.  وافتقاره للسيادة على غذائه يعني أيضا افتقاره للأمن الوطني الذي لا يمكن توفيره ما دامت إسرائيل والاقتصاديات الخارجية تتحكم في عملية إطعامه أو تجويعه. 
لقد ثبت أننا في ظل الاحتلال الاستيطاني الاقتلاعي الجاثم على صدورنا، لا مجال ولا مستقبل للحديث عن تنمية اقتصادية لدينا إلا  في إطار اقتصاد مقاوم للاحتلال وداعم للمقاومة الوطنية الشعبية؛ وذلك بعكس كل الثرثرة وطحن الكلام الدائرين حول "التنمية" في الضفة الغربية وقطاع غزة في أوساط العديد من "خبراء التنمية" و"المانحين"، تحت أغلفة تنموية وبيئية وإغاثية، بمضامين سياسية أيديولوجية بحتة، علما بأن "التنمية الديمقراطية" التي طالما تغنت بها الإمعات "التنموية" تحولت فجأة، في قطاع غزة، إلى عملية تجويع وقتل جماعي لأكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني، في أبشع جريمة حرب معاصرة، بتخطيط وتنفيذ إسرائيليين، وبمشاركة مباشرة من العديد من أساطين "التنمية" الأميركيين والأوروبيين والدوليين والعرب، فضلا عن بعض الفلسطينيين الرسميين والشياطين الخرس الساكتين عن الحق...   

اقتصاد المقاومة

المقصود بنموذج اقتصاد المقاومة هو الاقتصاد المستند إلى تدعيم البنية الإنتاجية الزراعية والصناعية الوطنية الشعبية، المتمحورة داخليا في السوق المحلية، والتي تنتج الاحتياجات الأساسية للشرائح الشعبية؛ وبالتالي تحررنا من التحكم الصهيوني في عملية إطعامنا وتجويعنا، وذلك من خلال إطلاق العنان للحريات والمبادرات الشعبية المعتمدة على الذات والمشاريع الإنتاجية العامة، والتكامل القطاعي، والنشاطات الزراعية غير الرسمية التي تتميز بالتنوع الإنتاجي والتي توفر الأمن الغذائي للناس. 
إن الحصار والتجويع الهمجيين المفروضين على مليون ونصف مليون غزي، وتفاقم البطالة والفقر وتدني معدل الأجور والتآكل الكبير في الدخول وارتفاع الأسعار بشكل عام في الضفة الغربية وقطاع غزة، تثبت يوما بعد يوم صحة المنظور التنموي البديل الداعي إلى الإنتاج المحلي من أجل الاستهلاك المحلي، وبخاصة عبر المبادرات الإنتاجية الشعبية المعتمدة على الذات والتي تنتج الغذاء الأساسي للناس، تطبيقا لمبدأ الاستفادة من مواردنا المحلية وعلى رأسها الأرض لتلبية احتياجاتنا المحلية،  بدلا من إشباع رغبات الأسواق الخارجية وقلة من الناس المتكسبين؛ وبالتالي إعادة إنتاج البطالة والفقر والجوع.
ومن نافلة القول، أن الزراعة تعد أهم مورد معيشي واقتصادي لشعبنا، ناهيك عن كونها مكونا أساسيا من مكونات تراثنا وثقافتنا، علما أن إنتاجنا الزراعي، في الماضي غير البعيد، كان خيرا ومتنوعا، وتمتع ريفنا الفلسطيني باكتفاء ذاتي في كل احتياجاته الغذائية.  أما اليوم، فقد تحولت قطاعات واسعة من شعبنا إلى عاطلة عن العمل، بل وجائعة.
وبالرغم من مصادرة إسرائيل ونهبها لمئات آلاف الدونمات من أخصب أراضينا الزراعية، فلا تزال هناك مساحات لا يستهان بها من الأراضي الصالحة للزراعة لكنها غير مستغلة، فضلا عن الأراضي المباشرة حول المنازل والتي تملؤها الأشواك والأعشاب الضارة، والتي بإمكاننا زراعتها والاستفادة من إنتاجها.  بل، أحيانا كثيرة، وكأن هذا الإهمال للأرض غير كاف، نجد البنايات التجارية وقد ارتفعت فجأة، على حساب الأرض الصالحة للإنتاج الزراعي.

بذور بلدية

 

التعليقات

نسمع عن بعض المؤسسات الفلسطينية المهتمة بالبذور البلدية لكن الواقع الزراعي الفعلي لا يزال يعتمد بشكل شبه كلي على البذور الإسرائيلية.  لتعميم وترسيخ الزراعات البلدية والعضوية المعتمدة على البذور البلدية نحتاج إلى إستراتيجية فلسطينية مركزية وعقيدة وطنية تتبنى اقتصاد المواجهة وفك الارتباط باقتصاد الاحتلال، كما ورد في هذا التقرير .
غانم غانم

 

كل التقدير والاحترام يا أستاذ جورج على هذا التحليل العلمي المتماسك والجدلي وهذه النظرة التنموية الزراعية الشمولية لواقعنا الغذائي تحت الاحتلال .
سعيد قحامش

 

أتفق تماما مع العرض التحليلي الاستراتيجي الذي قدمه المفكر التنموي جورج كرزم، كما أتفق مع ما قاله الأخ غانم .
وائل عيلوطي

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

  مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية