خاص بآفاق البيئة والتنمية

دقّت مشكلة تلوث المياه أخيرًا ناقوس الخطر في العالم أجمع، هذه الثروة العظيمة باتت مُهددة بتبدّدها جراء التلوث بالدرجة الأولى.
وبعد أبحاثٍ مطولة، توصّل الكيميائيون إلى حل بالغ الأهمية يعالج تلك المشكلة جذرياً، وذلك عن طريق تقنية كيميائية مستحدثة، تُعرف بــ "عمليات الأكسدة المتقدمة AOPs".
والمقصود بها: "مجموعة من الإجراءات والمُعالجات الكيميائية المُصمّمة لإزالة المواد العضوية (وأحيانًا غير العضوية) في المياه وتحديداً مياه الصرف الصحي(1)".
ومن أبرز ملوثات المياه، الملوثات العضوية الثابتة، المقاومة للتدهور أو الانحلال البيئي بواسطة العمليات الكيميائية والبيولوجية والتحلل الضوئي، خصوصاً حين تتآلف مع عنصر الكلور.
تلك الملوثات تتمثل في المبيدات، وبعض المواد المستخدمة في العمليات الصناعية، وفي إنتاج مجموعة من السلع مثل المذيبات، و"البولي فينيل كلوريد"، والمستحضرات الصيدلانية، والمركبات العطرية.
والخطر الأكبر يكمن في خصائصها الكيميائية وقابليتها للذوبان في الدهون، والقدرة على الانتقال بواسطة أغشية الفسفوليبيد البيولوجية، وتراكمها في الأنسجة الدهنية للكائنات الحية(2).
وكون تلك المواد مقاومة للانحلال فهي تشكّل خطراً كبيراً مُحققاً على المياه والبيئة والكائنات الحية في آنٍ معاً، مما دفع العلماء لإيجاد حلٍ فعّال لمشكلة تضر بإحدى أهم الثروات، ألا وهي المياه.
كما ذكرنا آنفًا، عمليات الأكسدة المتقدمة مصمّمة لإزالة أكثر المواد الملوثة للبيئة "المواد العضوية"، عن طريق الأكسدة بواسطة التفاعلات مع جذور الهيدروكسيل (OH).
بشكل أكثر تحديداً، يشير هذا المصطلح إلى "مجموعة فرعية من هذه العمليات الكيميائية التي تستخدم الأوزون (O3)، وبيروكسيد الهيدروجين (H2O2) أو ضوء الأشعة فوق البنفسجية".
وتستند عمليات الأكسدة المتقدمة إلى حصيلة جذور الهيدروكسيل شديدة التفاعل، والقادرة على أكسدة أي مركب موجود في المياه بسرعة كبيرة.
يتفاعل OH تفاعلاً غير انتقائي بمجرد تشكيله، وستُفتت الملوثات بسرعة وكفاءة وتحوّل إلى جزيئات غير عضوية صغيرة (مواد غير ملوثة) مثل الماء وثاني أكسيد الكربون والأملاح.
تُنتج جذور الهيدروكسيل بمساعدة واحد أو أكثر من المؤكسدات الأولية (مثل بيروكسيد الهيدروجين، الأوزون، الأكسجين) أو مصادر الطاقة (كالأشعة فوق البنفسجية أو المحفزات (مثل ثاني أكسيد التيتانيوم)(1).
لعمليات الأكسدة المتقدمة مزايا عدة، تتمثل في إزالة جميع الملوثات العضوية في وقت واحد، كون OH يتفاعل مع كل ملوث مائي تقريبًا دون تمييز من جهة، وتطهير المياه من جهة أخرى، ما يجعل هذه العمليات حلاً متكاملاً لغالبية مشاكل جودة المياه.
إضافة إلى ذلك، تساهم تلك العمليات في التخلص على نحو فعال من المركبات العضوية في مرحلة واحدة وهي المياه.
وأخيراً فإن عمليات الاكسدة المتقدمة نظريًا لا تُدخل أي مواد خطرة جديدة في الماء، نظرًا لأن منتج الاختزال الكامل لـ OH هو H2O (مياه)، وهنا تكمل فعالية وأهمية تلك التقنية.
ولكن يا للأسف كسائر التقنيات البيئية، تعد تقنية عمليات الأكسدة المتقدمة باهظة الثمن نوعاً ما، لأن الإدخال المستمر للكواشف الكيميائية باهظة الثمن، مطلوب للحفاظ على تشغيل معظم أنظمة عمليات الأكسدة(3).
المياه ثروة عظيمة تقع مسؤولية الحفاظ عليها على عاتقنا جميعًا"، بدءاً بترشيد استهلاكها أولاً، والحد من تلوثها قدر الإمكان عن طريق نشر الوعي فيما يتصل بطريقة الاستهلاك.
ولأن العلم سبيل للنجاة، حريٌ بنا أن نضع الخطط المدروسة والتقنيات الآمنة لمعالجة التلوث بطرق فعالة، اليوم عمليات الأكسدة المتقدمة، ربما غداً نصل إلى تقنيات فعالة أكثر، فلا سبيل لنجاة أمتنا إلا بالعلم والمعرفة.
المراجع:
1-Degradation of theophylline in aUV254/PSsystem: Matrix effect and application to a factory effluent: SuhaAl Hakim, SalyJaber, NaghamZein Eddine, AbbasBaalbaki, AntoineGhauch
DOI: 10.1016/j.cej.2019.122478
2-https://www.unep.org/ar/astkshf-almwady/almwad-alkymyayyt-alnfayat/mlna/almlwthat-aldwyt-althabtt
3-Mechanism of photochemical degradation of Fe (III)-EDDS complex: S. Jaber, M. Leremboure, V. Théry, A. Delort, G. Mailhot
DOI: 10.1016/j.jphotochem.2020.112646