بحث وتعلم ومرونة.. هكذا تستمر بَصمتك
خاص بآفاق البيئة والتنمية

رويدة الجبالي
تُصبح الأهداف أمام الإنسان أكثر وضوحًا وألقاً، عندما يتحلى بالتحدي، والقابلية للتعلّم، وحبّ الاستكشاف.
حتى الطرق التي يَسيرها، يشعر أنها تستحق العناء والسعي؛ وهذا ما أوصلني إلى المكان الذي أتواجد فيه الآن.
بدأت مسيرتي واهتماماتي بالدراسات البيئية، عندما كنت في مرحلة البكالوريوس (هندسة معمارية وبيئة بُنيان) وأجريت بحثًا مفصلًا عن الاستدامة في الوطن العربي عمومًا، وركزت على الجزئية المتعلقة بـ "تخطيط المدن".
مع الوقت ودراسة متطلبات أخرى تتصل بالاستدامة والتصميم البيئي، بدأ منسوب الاهتمام يرتفع لديّ، وأصبحت الآفاق تتسع أكثر فأكثر؛ وهذا دفعني لدراسة الماجستير في "إدارة التقنيات والموارد".
وفي أثناء الدراسة التي كانت تضم أربعة تخصصات ثانوية، شدّت انتباهي دراسات المياه وإدارتها، ومع ذلك اخترت تخصص "تخطيط وإدارة المدن"؛ نظرًا للأبواب الواسعة التي يفتحها للطالب في سوق العمل.
لم تتوقف حكايتي مع قطاع المياه عند حدود الانجذاب فقط؛ فعند الانتهاء من الماجستير، كانت الأقدار تأخذ بيدي نحو هذا الاختصاص، إذ انضممت لفريق منظمة "سيواس"، التي تحمل شعار: "نعمل على بناء مستقبل ريادة الأعمال في قطاع المياه في الشرق الأوسط".
ومنذ عام 2014, حققنا من خلال عمل "سيواس" في دول عربية مختلفة ومنها الأردن وفلسطين، والعراق ولبنان العديد من الإنجازات، أبرزها العمل عن كثب مع مئات المبتكرين على تطوير أعمالهم التجارية، وتمكينهم في مجال المياه والبيئة في مراحل تطوير الأعمال المختلفة، من تطوير الفكرة وحتى تسريع وتوسيع التدخلات والتعاون مع الشركاء الرئيسيين لبناء نظام إيكولوجي داعم للريادة البيئية، وتنفيذ مشاريع ابتكار تقنية في مجالات المياه والزراعة والطاقة وإدارة النفايات الصلبة، وعقد تدريبات متخصصة في الإدارة المستدامة للمياه ومياه الصرف الصحي، إضافة إلى نشر القصص المميزة التي نشطَ أصحابها في ابتكارات بيئية.
ولا أُخفيكم يا أصدقاء، سعيدة بكوني جزءًا من هذا الفريق، لا سيما أني قمت ببناء مجتمع سيواس في المنطقة العربية، مما زاد من مصداقيتنا وولاء من نعمل معهم من مبتكرين وشركاء.
كما ساهمتُ مع الزملاء أيضاً في بناء المنظمة على الأرض في الأردن في بداية المسيرة.
سعيدة حقاً بأنني أقدم الدعم التقني والتوجيه والإرشاد للمبتكرين؛ بهدف إحداث تأثير اجتماعي وبيئي، في مجال إدارة المياه والموارد الأخرى، وكلي فخر أني جزء من التغيير.
وعند الحديث عن البيئيين والمبتكرين، فهناك نوعان: الأول مفهومه عن حماية البيئة ضيّق وسطحي، ولا يتعدى إطار "إزالة النفايات عن الطريق" رغم حصوله على شهادة "هندسة المياه"؛ لذا تجدهم يعملون دون علم ودراية، للأثر البيئي والمجتمعي الذين يقدمونه.
في المقابل، رأيت مبتكرين آخرين مطلّعين على الواقع الصعب، سواء شح المياه أو كارثة النفايات وغيرها، وبالتالي فإن اهتمامهم البيئي ملفت، ومساهمتهم في سوق العمل كبيرة، ويعملون باستمرار على تطوير أفكارهم وصقلها.
بالتأكيد، مع الفقر المائي الحاد بالمنطقة، والتحديات التي تواجه هذا القطاع، تبدو المبادرات والابتكارات المحدودة هنا وهناك، ليست كافية لحل الإشكاليات القائمة؛ فإدارة المياه المتكاملة تتطلب تعاونًا بين الحكومة، والقطاع الخاص، ومنظمات التنمية الدولية، والمؤسسات المجتمعية وحتى الأفراد.
كثيرًا ما أُسأل عن الجانب الذي تركتُ فيه بصمة تخصّني، في الحقيقة أن اجتهادي وتوكلي على الله هو معادلة وسرّ النجاح الذي أنا فيه، فأنا لا أتوقف عن البحث والتعلم وتطوير الذات.
نعم درست "عمارة وتخطيط مدن"، لكن وعلى سبيل المثال، إذا ما أخبرتني بنجاح دراسة عن السوق الزراعي في مصر، ستجدني أبحث عن الخرائط الزراعية وأقابل أناس، وأستعين بمعارف وأصدقاء لأعطيك دراسة شاملة ومفيدة عن الموضوع. إن كنت تريد مفتاحاً، فالنجاح مسيرة تتطلب الاستمرارية والمرونة، وليس ذلك هو النجاح المرتبط بالوصول إلى خط نهاية.
وها أنا أقيم في ألمانيا منذ أربع سنوات، حيث أكمل دراستي إلى جانب عملي، لقد أدركتُ أن المشاركة في إحداث الأثر غير مرتبط بقرب الشخص عن المكان أو بعده.
أخيرًا، دعوني أبُشركم، للدراسات البيئية مستقبل مشرق، وسوق العمل فيها ضخم ومتنوع، المهم أن نتقبل اختلاف بيئة العمل عن حياة الدراسة ومرونة التعامل مع الواقع، ونتعامل مع التحديات على أنها فرصٌ للاستمرارية والتطوير، ولنتذكر نحن لسنا الشهادة الجامعية، بل الشهادة هي جزء منا.
رويدة الجبالي/ مهندسة وباحثة مرشحة للدكتوراة - الأردن