التحول نحو الطاقات المتجددة ثمنه نفايات إلكترونية وتدمير النظم الإيكولوجية.. فما العمل؟
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تشير التقديرات إلى أن النفايات الإلكترونية بلغت عالميًا عام 2020 نحو 57 مليون طن، وازدادت في السنوات الخمس الأخيرة بنحو 20%. تحوي هذه النفايات مواد سامة بكميات كبيرة تعرض مصادر المياه ومساحات برية واسعة للخطر، تُعالج أحيانًا بواسطة الحرق، ما يتسبب في تلوث هوائي يهدد الحياة. مشكلة النفايات في العقود القادمة سوف تتفاقم، بسبب التحول المطلوب نحو الطاقات المتجددة. يتطلب إنتاج هذه الطاقات استخدام العديد من مكونات المعدات الإلكترونية، ويتضمن إنتاج هذه المعدات استخدام المعادن والفلزات على نطاق واسع، والتي تُستخرج من مناجم ضخمة. الحل الجذري لتعاظم النفايات الإلكترونية ومخاطرها على البيئة والصحة العامة، لا بد أن يبدأ بضبط شهواتنا الاستهلاكية وتقليل الاستهلاك إلى الحد الأدنى الضروري، ورفع الكفاءة وإعادة الاستخدام وإيجاد بدائل أقل ضررًا.
|
 |
أكوام الخردة تنتظر الفرز والبيع في مناطق بالضفة الغربية |
تزداد النفايات الإلكترونية في العالم سنويًا بمعدل يتفاوت من 3٪ إلى 4٪، وذلك أكثر من أي نوع آخر من النفايات.
وتشير التقديرات إلى أنها بلغت عام 2020 نحو 57 مليون طن، وازدادت في السنوات الخمس الأخيرة بنحو 20%.
تحوي هذه النفايات مواد سامة بكميات كبيرة تُعرّض مصادر المياه ومساحات برية واسعة للخطر، تُعالج أحيانًا بواسطة الحرق، ما يتسبب في تلوث هوائي يهدد الحياة.
زيادة الاستهلاك في البلدان النامية يُعد عاملاً رئيسًا في تعاظم هذه النفايات، يُضاف إلى ذلك عمر المنتج القصير وخيارات الإصلاح المحدودة.
الجهود المبذولة لتوسيع عمليات إعادة تدوير النفايات الإلكترونية سجلّت نجاحًا جزئيًا؛ ففي أوروبا تحديدًا توجد تشريعات تُلزِم المنتجين والمسوقين بجمع هذه النفايات ونقلها إلى مرافق إعادة التدوير؛ علمًا أن إعادة التدوير الفعلية في أوروبا وصلت إلى 20٪ فقط.
مشكلة النفايات في العقود القادمة سوف تتفاقم، بسبب التحول المطلوب نحو الطاقات المتجددة، يتطلب إنتاج هذه الطاقات استخدام العديد من مكونات المعدّات الإلكترونية، وبخاصة بطاريات تخزين الطاقة والمكونات المغناطيسية المستخدمة في القطارات الكهربائية والتوربينات لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح.
ويتضمن إنتاج هذه المعدات استخدام المعادن والفلزات على نطاق واسع، والتي تُستخرج من مناجم ضخمة.
ومن المتوقع أن يزداد الطلب على المعادن، مثل الليثيوم والنحاس والمنغنيز، بمعدل 20 مرة، بل وأكثر في العقود الثلاثة القادمة.
كما يُتوقع تسجيل زيادة كبيرة في الطلب على بعض "المعادن الحرجة" (عُرّفت على هذا النحو بسبب أهميتها وندرتها)، مثل "الديسبروسيوم" و"النيوديميوم"، والتي تُستخدم في منشآت طاقة الرياح والمَركبات الكهربائية.
التنقيب عن المعادن واستخراجها يتسبب بأضرار جسيمة للمناطق الطبيعية وانبعاث غازات الاحتباس الحراري. وبحسب بحث نشر عام 2020، صُمّمت حوالي 82٪ من مناجم التعدين في العالم لإنتاج معادن للطاقات المتجددة ولمكونات خاصة بالمركبات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، وجزء كبير من مناطق التعدين يقع في مناطق ذات أهمية إيكولوجية عالية.
الوجهة التالية لشركات التعدين هي أعماق المحيطات، حيث من المتوقع أيضًا حدوث أضرار جسيمة للبيئة البحرية. عمالٌ كثيرون في مناطق مثل وسط إفريقيا يعملون في المناجم في ظروف عمل مُذلّة يُرثى لها، ويتعرضون للتلوث.
لذا، تتطلب أنشطة التعدين النظر في التأثيرات على البيئة الطبيعية، وتحسين ظروف العمال ومنح مكانة متساوية للبلدان النامية في توزيع الأرباح الناتجة من المناجم الموجودة في أراضيها.
يمكن تقليل عمليات التعدين برفع كفاءة استخدام المعادن عند تصميم المنتجات، وإعادة استخدام المنتجات وتدوير المعادن الموجودة في النفايات؛ إذ كلما اُستخرج المزيد من المعادن في أثناء عملية التدوير، تقلّصت عملية تدمير المناطق الطبيعية بسبب إنشاء المناجم.

النفايات الإلكترونية تنتشر في كل مكان
المشهد الفلسطيني
لا يوجد في المستوى الفلسطيني شركات متخصصة ومسؤولة عن جمع النفايات الإلكترونية ونقلها لإعادة التدوير. ومع غياب قطاع فلسطيني منظم لجمع النفايات الإلكترونية وإعادة تدويرها فإن مناطق السلطة الفلسطينية ليست جاهزة للتعامل مع الزيادة المتوقعة في النفايات الإلكترونية، في حال تحقق التحول نحو الطاقة المتجددة واستخدام السيارات الكهربائية.
كما تفتقر مناطق السلطة الفلسطينية إلى البنية التحتية لمرافق الفرز وإعادة التدوير التي تلبي المعايير المهنية. والأنكى من ذلك، تهريب كميات ضخمة من النفايات والخردة الإلكترونية الإسرائيلية إلى مواقع عشوائية في الضفة الغربية، علاوة على أن أنشطة التثقيف والتوعية لتشجيع الناس على إعادة التدوير لا تزال ضعيفة جدًا.
يُضاف إلى ذلك، لم يُنظم بَعد التعامل القانوني مع مكونات المعدّات الإلكترونية ذات الصلة بالطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية.
إن عاجلاً أم آجلاً، لا بد من توفير المساعدة المطلوبة لإنشاء البنية التحتية لمنشآت الفرز وإعادة التدوير، بما في ذلك توفير الحوافز الحكومية. وقد يُطلب من شركات جمع المخلفات الإلكترونية البحث عن أسواق عالمية يمكن بيعها الخردة الإلكترونية المتراكمة.
حاليًا، في الضفة الغربية وقطاع غزة، يعمل في جمع الخردة والإلكترونيات والمخلفات كبيرة الحجم، شريحة كبيرة من العاملين في القطاعين غير الرسمي والخاص، سواء على مستوى فردي من جامعين متجولين، أم ورشات معالجة أم مصانع وشركات تجارية وصناعية، لكن هذا القطاع عشوائي وغير منظم.
يُولّد العاملون في هذا المجال (بالضفة والقطاع) حركة رأس مال تقدر بمئات ملايين الشواقل سنويًا. ويشكل هذا القطاع، بالتالي، سوقًا اقتصاديًا كبيرًا، إلا أنه يفتقر إلى الترتيب والتنظيم، علمًا أن أكثر المناطق تنظيما هي جنين، ثم نابلس، تليها طولكرم. ومن الواضح أن هذا القطاع يحتاج إلى عملية "شرعنة"، بمعنى سن القوانين لتنظيم عملية جمع النفايات وفصلها وتدويرها.
وخلق العمل بالنفايات الصلبة والإلكترونية في القطاعين الرسمي والخاص، من ناحية جمعها وفصلها، وأحيانًا فرزها وإعادة تدويرها أو تصنيعها، فرص عمل لا يُستهان بها للعاطلين عن العمل.
ومن الملاحظ أن بعض النفايات الإلكترونية الخطرة، مثل بطاريات الهواتف الخلوية، لا تجد مهتمين بجمعها ومعاملتها، في حين أن هناك كميات كبيرة تصل سنويًا إلى مكبات النفايات، وهي تحوي كميات لا يستهان بها من الكادميوم السام الملوث للبيئة والصحة العامة.

جبال من النفايات الإلكترونية في الضفة الغربية
إجمالاً، يمكننا القول، بأن جامعيّ الخردة عموماً، والخردة الإلكترونية بخاصة، ينفذون عملاً بيئيًا هامًا في مجال تنظيف البيئة الفلسطينية من النفايات الصلبة غير العضوية، وبخاصة في الأراضي الزراعية وجوانب الطرق والوديان والمناطق الوعرية والسكنية، بسبب حاجتهم الاقتصادية بالدرجة الأولى.
يضاف إلى ذلك، لا يوجد تدخل مباشر وواضح، أو مراقبة أو متابعة أو تنظيم لأعمال ونشاطات جامعي النفايات الصلبة، لا سيما الإلكترونية، من قِبل الجهات الحكومية المعنية (وزارة الصحة أو سلطة جودة البيئة)، علمًا أن العديد من الأطفال يعملون في مجال النبش والتنقيب في المكبات، ما يسبّب لهم أضرارًا صحية وبيئية خطيرة.
الحقيقة أن الحل الجذري لتعاظم النفايات الإلكترونية ومخاطرها على البيئة والصحة العامة، لا بد أن يبدأ من التحكم بـ "الشهية البشرية" التي لا تنضب لاستغلال واستنزاف الموارد الطبيعية، وذلك بضبط شهواتنا الاستهلاكية وتقليل الاستهلاك إلى الحد الأدنى الضروري، ورفع الكفاءة وإعادة الاستخدام وإيجاد بدائل أقل ضررًا.
وخلافًا لذلك، سنعيش في إطار اقتصاد يحوي نسبة أقل من الكربون والوقود الأحفوري، لكنه يعاني تلوثًا متزايدًا بالمعادن السامة والتدمير المستمر للنظم الإيكولوجية.