
بلاد لا ماء فيها تُهجّر، فلا حياة دون مياه، ولا حيلة للأحياء بالبقاء إلا بالمحافظة على الثروات الطبيعية وعلى رأسها الماء، وسوى ذلك فالفناء قادم لا محالة، يقول الله عز وجل "وجعلنا من الماء كل شيء حي".
وتُشكّل المياه العنصر الأساسي في العمليات البيولوجية في أجسام الكائنات الحية كافة، وتُستخدم المياه في مجالات عدة كالتنظيف، وتوليد الطاقة، وإنتاج الغذاء، والزراعة.
يقع العالم العربي جغرافياً ضمن حزام الأراضي القاحلة والجافة، تمثل مساحته حوالي (4,9%) من مساحة العالم، إلا أنه لا يستحوذ أكثر من (1%) من المخزون العالمي للمياه، (1) هذه الأرقام تبيّن جليًا فقر العالم العربي بالمياه العذبة، فمصادر مياهه تتسم بالمحدودية.
وتُعد التساقطات أبرز مصدر للمياه السطحية في الوطن العربي، فضلًا عن الأنهار الدائمة الجريان مثل "نهر النيل" ونهري دجلة والفرات.
وإضافة للمياه السطحية، تشكّل المياه الجوفية أيضاً مصدراً آخر للمياه، بحيث تتفاوت درجات ملوحة هذه المياه من عذبة إلى مالحة إلى شديدة الملوحة (1).
ومن أعظم المشكلات التي يعانيها العالم العربي مشكلة التصحر، ومن أهم مظاهره ملوحة التربة، وتدهور الغطاء النباتي، ونضوب المياه بجفاف العيون والأنهار والآبار.
ويعد تلوث المياه أحد أبرز المخاطر التي تواجه العالم العربي، وهناك أسباب عدة تساهم في تلوثها، أبرزها:
1-التلوث بالمصادر الكيميائية:
- المبيدات الحشرية: تصل للمياه مباشرة بواسطة الأنشطة الزراعية، وذلك برش المبيدات على مساحات كبيرة، أو بصورة غير مباشرة مع الجريان السطحي للماء الزراعي.
- المعادن ومركباتها: المعادن السامة، أبرزها الزرنيخ، والزئبق، والكروم، فهذه المعادن تصل إلى المياه عبر تصريف النفايات الناتجة عن المصانع (مصانع البتروكيماويات ومصانع السيارات والأدوية والأغذية وغيرها) في الأنهار والبحار.
- النفط الخام والمنتجات البترولية المتعددة: التي تطفو بغالبيتها على سطح المياه، ويعود ذلك إلى تجاوز كثافة الماء كثافتها، وتظهر على شكل بقع زيتية لامعة على سطح المسطح المائي سواء كان أنهار أم بحار وغيرها.
أما في حال ذاب جزءٌ بسيط فقط من تلك المركبات في المياه، فإنه سوف يساهم بضرر كبير وتلوث في المياه، ومن ضمن الأمثلة لتلك المواد وقود الديزل، والجازولين، والكيروسين، فضلاً عن زيوت المحركات والتشحيم وغيرها الكثير، وجميعها تصل إلى المياه عبر تصريف نفايات مصافي النفط في المياه.
-الأسمدة: تُنقل الأسمدة مثل الفوسفات والنترات للبحار بسبب انجراف التربة وغيرها من العوامل والأسباب (2)
2-التلوث بالقمامة والمواد البلاستيكية
تصل المواد البلاستيكية إلى البحر عبر التخلص العشوائي من النفايات البلاستيكية الناتجة عن الرحلات البيئية في عرض البحر على سبيل المثال، أو التخلص من الألعاب الترفيهية في المياه.
وقد تتسرب القمامة إلى المياه وتلّوثها، خصوصاً في حال تواجد مكبات النفايات بالقرب من البحار والأنهار(2)
3-التلوث بالرواسب
تشكل الرواسب إحدى المصادر الرئيسية لتلوث البحار والأنهار والمحيطات.
وهذه الرواسب ناتجة عن تآكل التربة أو الرمال في مواقع الإنشاءات العمرانية القريبة من الأنهار والبحار، كذلك بسبب تآكل التربة الزراعية القريبة من الأنهار.
4-التلوث الناتج عن البكتيريا والفيروسات
من ضمن الملوثات العضوية التي تشكّل خطراً على المياه والكائنات الحية الموجودة ضمن المياه في آن معاً "البكتيريا والفيروسات".
تصل هذه الملوثات العضوية إلى المياه بتسربها من خزّانات مياه الصرف الصحي المتهالكة، أو من معالف الحيوانات التي تلقي مخلفاتها في الأنهار.
التلوث بالإجهاد الحراري
ويُقصد به الارتفاع الشديد لحرارة المياه الناتج عن إزالة الغطاء النباتي فوق سطح الأنهار، مما يساهم في امتصاص المياه لكميات هائلة من الحرارة التي بدورها تؤدي إلى تلوث المياه بالإجهاد الحراري (2)
يساهم تلوث المياه في إحداث ضرر كبير على جميع الكائنات الحية التي تستهلك المياه، وأبرزها انخفاض كبير في أعداد الكائنات المائية، وزيادة نسبة الوفيات في الكائنات الحية نتيجة ارتفاع تركيز الملوثات في مياه الأنهار، وتدهور القيمة الاقتصادية لمياه الشرب والمياه المخصصة للري بسبب ارتفاع نسبة الملوثات من أحياء دقيقة وطفيليات وبكتيريا داخل المياه، وتراجع نمو الكائنات النباتية المائية بسبب عدم اختراق الأشعة الشمسة للمياه نتيجة الملوثات التي تسيطر على سطحها، وتدهور التنوع البيولوجي بسبب الأضرار التي لحقت بالتربة التي تصبح عقيمة وغير مناسبة للنباتات التي تعمل غذاءً لمختلف أنواع الحيوانات(3)
لذلك من البدهي اقتراح بعض الحلول للحد من التلوث:
1-التخلص من المخلفات الصناعية: تعد الصناعات بمختلف أشكالها المسبّب الأول لتلوث المياه.
ومن الأهمية بمكان إبرام القوانين التي تجبر الصناعات على البدء في تنظيف النفايات التي تتركها في محيطها، بما في ذلك المياه والأراضي السطحية، للحد من الملوثات التي تصبح تدريجيًا جزءًا من دورة حياة الماء.
2-التخلص من المخلفات الزراعية: يترتب على الأنشطة الزراعية الجائرة ومخلفاتها العديد من العواقب التي تقف أمام تنقية المياه وجعلها صالحة للاستخدام.
لذلك اُقترحت بعض الحلول فيما يتصل بالنظام الزراعي للعالم بأسره، التي من شأنها التقليل من كمية التلوث التي تحدث للمياه.
وتركز المقترحات على استبدال المبيدات الزراعية بمختلف أشكالها بطرق المكافحة الحيوية أو استخدام المواد العضوية بديلًا طبيعيًا.
3-التخلص من النفايات: تساهم الإدارة السليمة للنفايات التي تُخلّص منها بتجنب تخزين النفايات في قناة المياه، الأمر الذي سيمنع التلوث إلى حد كبير.
4-تنقية الماء: من أبرز الحلول لتنقية المياه الملوثة هي عمليات الأكسدة المتقدمة، وهي عبارة عن مجموعة من إجراءات المعالجة الكيميائية المصمَّمة لإزالة المواد العضوية (وأحيانًا غير العضوية) في المياه، والمياه العادمة عن طريق الأكسدة من خلال التفاعلات مع جذور الهيدروكسيل، الذي بإمكانه أكسدة أي مركب موجود في مصفوفة المياه. يتفاعل الهيدروكسيل تفاعلًا غير انتقائي بمجرد تشكيله، وتُفتّت الملوثات بسرعة وكفاءة وتُحول إلى جزيئات غير عضوية صغيرة.
تُنتج جذور الهيدروكسيل بمساعدة واحد أو أكثر من المؤكسدات الأولية (مثل الأوزون، بيروكسيد الهيدروجين، الأكسجين) أو مصادر الطاقة (مثل الأشعة فوق البنفسجية) (4)
المراجع:
(1) https://cutt.ly/ZLVZng1
(2) https://cutt.ly/PLVZQ84
(3) https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/drinking-water
(4) https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S1385894719318819
(Degradation of theophylline in a UV254/PS system: Matrix effect and application to a factory effluent
SuhaAl Hakim SalyJaber NaghamZein Eddine AbbasBaalbaki AntoineGhauch)