المياه العادمة الطبية في المشافي الفلسطينية تتدفق في شبكات المجاري العامة دون معالجتها أو فصلها عن المياه العادمة العادية
المياه العادمة المتدفقة من المشافي تحوي مخلفات الأدوية والمواد المشعة والمحاليل ومواد التعقيم والمعادن الثقيلة والمركبات الكلورية العضوية
|
مجمع فلسطين الطبي في رام الله |
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
كشفت مجلة آفاق البيئة والتنمية، من خلال متابعات مباشرة لبعض مشافي الضفة الغربية، أن المياه العادمة المنزلية والطبية والصناعية والزراعية بالضفة الغربية يتم التخلص منها في نفس شبكات المجاري أو الحفر الامتصاصية أو الحفر الصماء، لتصب، في نهاية المطاف، في الأراضي المفتوحة والوديان دون أي معالجة؛ إذ لا توجد محطات لمعالجة المياه العادمة في الضفة الغربية، باستثناء مدينتي رام الله والبيرة حيث تتم معالجة جزئية ومحدودة للمياه العادمة؛ علما بأن محطات المعالجة في كلا المدينتين ليست بالمستوى المطلوب ولا تغطي كامل المنطقة، وهي غير مؤهلة لمعالجة الملوثات العضوية الدقيقة الناتجة من المشافي والمختبرات الطبية ومراكز الرعاية وغيرها من المؤسسات والمنشآت الطبية، مما يشكل خطرا جديا على الصحة العامة والبيئة.
وحاليا، يتم تصريف المياه العادمة الطبية الناتجة من المشافي الفلسطينية في شبكة المجاري العامة، دون فصلها عن المياه العادمة العادية ودون معالجتها.
وتكمن خطورة المياه العادمة المتدفقة من المشافي في أنها تحوي مواد سامة كثيرة مثل الأدوية والمواد المشعة ومحاليل ومواد التعقيم لأغراض طبية أو مخبرية أو بحثية.
وبالرغم من خصوصيتها، يتم التعامل مع الملوثات الخطرة المتواجدة في مياه المشافي العادمة بنفس طريقة التعامل مع المجاري العامة.
وقد دلت الأبحاث العلمية أن المياه العادمة الطبية المتدفقة من المشافي تحوي ملوثات خطرة أكثر بنحو ثلاثة أضعاف على الأقل ما تحويه المياه العادمة المنزلية العادية، وبخاصة الملوثات التقليدية والدقيقة، الأدوية، المعادن الثقيلة، المركبات الكلورية العضوية والمواد المُعَقِّمة.
كما ومن المعروف أن نحو 90% من المواد الطبية التي يتناولها الإنسان والحيوان لا يمتصها الجسم بشكل كامل، ويفرزها لتتدفق مع المياه العادمة المنزلية والزراعية.
ويفترض، في سياق تطوير البنية التحتية لشبكات المجاري ومحطات تنقية المياه العادمة، فصل المياه العادمة الطبية من المصدر (في المشافي) ليصار لاحقا إلى معالجتها في منشآت خاصة لتنقية المياه العادمة الطبية؛ بحيث تتم عملية تفكيك المواد الطبية بنسبة عالية قد تصل إلى أكثر من 80%، وذلك حسب خواص المادة الطبية وكيفية المعالجة. ويمكن توجيه المياه العادمة المعالجة التي قد تحوي متبقيات المواد الطبية غير القابلة للتفكك، إلى البيئة مباشرة، وتحديدا الأنهر والبحيرات والبحار؛ أو أنها قد تصل إلى هذه المواقع من خلال عمليات الري الزراعي.
وفي المستوى الفلسطيني؛ لا توجد مواصفة تحدد متبقيات المواد الطبية في مياه الشرب أو المياه العادمة. والسبب الأول لذلك هو اعتبارها مجموعة ملوثات غير معروفة؛ فضلا عن نقص المعلومات المتعلقة بمدى التأثيرات البيئية والصحية للمواد الطبية بتركيز منخفض جدا في المياه. وينسحب هذا الأمر على المياه العادمة الصناعية.
وعلى ضوء المعطيات السابقة، لا بد من إقامة منشآت معالجة محلية أولية للمياه العادمة في المشافي؛ بحيث تتم التنقية الأولية في المشافي، قبل تركها تتدفق إلى شبكة المجاري العامة؛ وهذا أضعف الإيمان. وأحيانا، قد يضطر المشفى إلى إقامة منشأة خاصة لمعالجة مادة ملوثة محددة.
|
|
جانب من مجمع فلسطين الطبي |
جناح الأطفال في مشفى رام الله |
جراثيم مقاومة للمضادات الحيوية
ومما يثير المخاوف، أن متبقيات المضادات الحيوية في المياه قد تتسبب في نشوء جراثيم مقاومة للمضادات؛ كما أن الذائبية المرتفعة لهذه المواد في المياه تزيد من احتمالات الضرر البيئي، علما بأن الذائبية تسهل حركة تلك المواد في منظومة الأرض والمياه؛ وبالتالي تزيد احتمال تسربها إلى المياه الجوفية.
ودلت الأبحاث أن التعرض المتواصل لتركيزات صغيرة من المضادات، قد يؤدي إلى أن تطور الجراثيم المتواجدة بشكل طبيعي في جسم الإنسان، مناعة لمضاد محدد، أو لعائلة المواد التي ينتمي إليها ذلك المضاد. كما أن الخطر يكمن في نشوء أنواع معينة من الجراثيم المقاومة للمضاد الحيوي؛ كنتيجة لوجود المضاد في المياه العادمة. وأكدت الأبحاث أن المياه العادمة غير المعالجة المتدفقة من المشافي تعد مصدرا هاما للجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية؛ بما يفوق الضعفين إلى عشرة أضعاف المياه العادمة العادية، وبخاصة المنزلية.
السؤال الجوهري المطروح هنا هو: إذا كانت سلطة البيئة الفلسطينية تقف عاجزة تماما أمام جميع المشاكل والكوارث البيئية في البلد ولا حول لها ولا قوة، فما مبرر وجودها واستمراريتها؟ فهي لا تملك الأدوات والمعدات والقوى البشرية المؤهلة والمدربة لمتابعة ومراقبة وفرملة التسيب البيئي والصحي في المياه العادمة الطبية والنفايات الصلبة الطبية والخطرة والتلوث الهوائي الرهيب
الناتج عن فوضى عوادم السيارات والانتشار العشوائي لمحطات الوقود في الأحياء السكنية والطاغوث الإشعاعي الذي ينفث سمومه الإشعاعية في كل مكان وغير ذلك الكثير الكثير...ثم أين وزارة الصحة من الفوضوى والتسيب البيئيين والصحيين؟
كميليا حجار
الحقيقة أن النفقات الحكومية الفلسطينية المتعلقة بالأمن أهم بكثير من الإنفاق على تطوير القطاع الصحي وفصل النفايات الطبية الصلبة والسائلة عن سائر النفايات. أو ليست حصة الأجهزة الأمنية من موازنة الحكومة تقترب من 40% ؟ ومجموع العاملين في تلك الأجهزة يبلغ نحو نصف إجمالي العاملين في جميع الوزارات والقطاعات الأخرى (80 ألف من أصل 160 ألف)؟
واصل العريان
ما دامت حصة الأسد في النفقات الحكومية الفلسطينية للأمن فمن الطبيعي أن لا يبقى مكان للتطوير الجدي في القطاع الصحي أو الإنفاق على فصل ومعالجة النفايات الطبية السائلة والصلبة، علمابأن حصة الإنفاق على الأجهزة الأمنية تقترب من 40% من إجمالي الإنفاق. كما أن هذه الأجهزة تشغل نصف العاملين في جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية (80 ألف من أصل160 ) ألف !
عامر عكاوي
|