تونس/ آفاق البيئة والتنمية: تسبّبت الحرب الأوكرانية في ارتفاع كبير بأسعار الحبوب، فقررت تونس التي تستورد 66% منها من منطقة البحر الأسود، وضع خطة للتعويل على إمكاناتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح الصلب.
وفي حين ستواصل تونس استيراد القمح الليّن لصناعة الخبز، تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب، المادة الأساسية في الغذاء على موائد دول المغرب العربي، وخصوصاً تونس ثاني أكبر مستهلك للمعكرونة خلف إيطاليا مع 17 كيلوغراماً للفرد الواحد في العام.
لكن، في مقابل ذلك، يشكو المزارعون في منطقة سبالة بن عمّار في شمال البلاد من نقص في المعدّات وتقادمها، فضلًا عن ضعف الدعم الحكومي الموجه خصوصاً لصغار المزارعين.
ويحدّق المزارع منذر المثالي في حقله الشاسع المزروع بالحبوب، بينما يقطع هدير محرّك الآلة الحاصدة التي يناهز عمرها نصف قرن، سكون المكان.
يقول المزارع البالغ 65 عامًا لوكالة فرانس برس وقد أتلفت آلته القديمة ثلث المحصول "يا حبذا لو أشتري آلة حاصدة جديدة، لكن لا يمكن ذلك من دون الدعم الحكومي".
ويسكن منذر هاجس وخوف متواصلان من أن يصيب الآلة عطب ميكانيكي "كارثي" في يوم من الأيام، ويصبح عاجزاً عن جمع محاصيله، لذلك يكابد لشراء قطع الغيار من السوق والتي تشهد بدورها ارتفاعاً في الأسعار.
إلى ذلك يبدو التفكير في شراء آلة جديدة أو حتى مستعملة أمراً صعب المنال بالنسبة لصغار المزارعين لأنها ستكلفهم 150 ألف يورو على الأقل.
ويضيف المثالي: "لو تدعمنا الدولة ستتحسن النوعية، وسيرتفع الإنتاج من 50% إلى 90%»، لكن "الوضع يتأزم والدولة لا تساعدنا".
وتقرّ رئيسة ديوان وزير الزراعة فاتن الخمّاسي بأنه "تتواجد في تونس حوالي 3 آلاف آلة حاصدة، 80% منها طاعنة في السن ومتلفة، ما يتسبب في خسائر كبيرة".
وحثّت الأزمة الأوكرانية ووباء (كوفيد-19) السلطات التونسية على التفكير بسرعة في إيجاد حلول ومراجعة سياساتها لإنتاج الحبوب.
وكانت تونس قد اشترت في الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2016 حوالي 33% من حاجياتها من القمح الصلب، و71% من الشعير، و85% من القمح الليّن، على ما جاء في تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو".
إلى ذلك، لعب المناخ السياسي غير المستقر دورا كبيراً وأثّر على عمليات الإنتاج، خصوصاً أن البلاد لم تشهد استقراراً منذ عام 2011، وتعاقبت الكثير من الحكومات من دون أن تتمكن من إرساء إستراتيجية واضحة لهذا القطاع السيادي.
تقول سعيدة البلدي المتخصصة في الزراعة العاملة في القطاع العام: "كل فترة وزير جديد للزراعة. وحين ينال منصبه تتغير السياسة (…) لا يوجد استمرارية".
وباشرت الحكومة في أبريل/نيسان الفائت اعتماد إجراءات جديدة تهدف إلى تعزيز تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح الصلب في العام المقبل، عبر زيادة المساحات المخصصة لهذه الزراعة من 560 ألف هكتار إلى 800 ألف هكتار.
كذلك، رفع الديوان الوطني للحبوب (حكومي) سعر شراء الطن الواحد من المزارعين، في خطوة تهدف لتشجيعهم على مزيد من الإنتاج.
وتعمل وزارة الزراعة بدورها على زيادة مساحات الأراضي المخصصة لزراعة القمح الليّن بنسبة 30% في الموسم المقبل، فضلاً عن منح المزارعين بذوراً جيدة وتخصيص متابعة تقنية لعمليات الإنتاج، وتمكين المستثمرين الصغار من قروض بضمان حكومي.
وتفيد الخمّاسي أن التعاضديات الزراعية ستُدعم من أجل أن تتمكن من شراء آلات حاصدة يستغلها جميع المزارعين في كل منطقة.
كذلك، تؤكد الخمّاسي أن أمام الدولة خيارين، إما تطوير إنتاج الحبوب للوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي أو دعم زراعات أخرى معدّة للتصدير.
وتحث المؤسسات المالية الدولية المانحة الدول الفقيرة على التركيز على زراعة وتطوير زراعة المنتوجات التي تُصدّر كاملة، على حساب الإنتاج للاستهلاك المحلي.
وأكدت وزارة الزراعة في يونيو الماضي أنها ستمنح تراخيص للمستثمرين الأجانب لامتلاك شركات زراعية كاملة بدلًا من فرض شراكة مع طرف تونسي.
وتعلّل الخمّاسي دواعي اتخاذ هذا القرار باستحداث المزيد من فرص العمل وجذبٍ أكبر للاستثمارات الخارجية إلى القطاع.
لكن المحلّل الاقتصادي فاضل قابوب يرى أن هذا الخيار "فاشل منذ البداية"، ويُبين أن الهدف "من هذا الأنموذج الاقتصادي للشركات الكبرى، هو ربح مزيد من الدولارات واليوروهات لدفع ديونهم، وليس إنتاج القمح بالدينار على مستوى السوق المحلي".
ويضيف الخبير أن صغار المزارعين الذين ينشطون في مساحات محدودة من الأراضي "لن يتمكنوا من منافسة كبار المستثمرين الذين يملكون سهولة في الوصول إلى قروض ميّسرة من بنوك أوروبية".
ويتساءل المثالي الذي يكابد من أجل استمرار مشروعه وتوريثه لابنه "كانت تونس مطمور (مخزن) الإمبراطورية الرومانية بمادة القمح، فلماذا لا نعيد ذلك؟".