خاص بآفاق البيئة والتنمية
مناطق السلطة الفلسطينية تُصنف منطقة استهلاكية، يبحث شبابها دومًا عن حلول مبتكرة لمشاكل مجتمعهم، وبخاصة مع غلاء أسعار المواد الإنشائية، إلى جانب معاناة المواطنين من مشاكل بيئية عديدة أهمها مخلفات السيارات "الإطارات" ومخلّفات المحاجر.
هذا ما حدث مع ستة طلاب يدرسون في جامعة القدس، شكلّوا فريقًا أسموه "كلين بالكو"، هدفه إعادة تدوير مخلفات البيئة وإنتاج مواد إنشائية بواسطتها، فما أصل هذه الحكاية؟
|
|
إطارات السيارات يتم شحنها إلى مشروع كلين بالكو |
على مدار السنوات الماضية اشتكى المواطنون عموماً، والمقاولون خصوصًا، من الارتفاعات المتتالية التي شهدتها أسعار المواد الإنشائية، لا سيما مع جائحة كورونا التي ما زالت آثارها الاقتصادية مستمرة حتى اليوم، وخلقت غلاء كبيرًا في المجالات كافة، جراء القيود التي فُرضت على الحركة التجارية في مختلف بقاع العالم.
مناطق السلطة الفلسطينية التي تُصنّف منطقة استهلاكية، لا يفتأ شبابها يبحثون عن حلول مبتكرة لمشاكل مجتمعهم، وهذا ما حدث مع ستة طلبة يدرسون في جامعة القدس، شكّلوا فريقًا وأسسوا شركة اختاروا لها "كلين بالكو" اسمًا، هدفها إعادة تدوير مخلفات البيئة وإنتاج مواد إنشائية بواسطتها، فما أصل الحكاية؟
الأعضاء الأساسيين في الشركة الطلابية
مسابقة "إنجاز فلسطين"
يقول سلمان عويس، أحد أعضاء الفريق، والمسؤول عن المبيعات والتسويق لمشروع "كلين بالكو"، إن الفكرة تبلورت عندما شارك فريقه المكّون من ستة شباب في مسابقة "إنجاز فلسطين"، التي عُقدت على مستوى الجامعات الفلسطينية، وتقدّم لها مئات الشباب، فاختارت اللجنة الفنية للمسابقة نخبة من المتقدمين، خضعوا لتدريبات وشاركوا في لقاءات عدة لوضع يدهم على المشاكل التي تؤرق المجتمع، ومن ثم الوصول إلى حلول نضجت بعد عصف ذهني وبحث وتمحيص كبير".
وعن لبّ الفكرة يحكي لنا الشاب الذي يوشك على التخرج من تخصص "علم الحاسوب": "أسعار المواد الإنشائية ترتفع، والمواطنون يعانون مشاكل بيئية عديدة ومنها مخلّفات السيارات "الإطارات"، ومخلفات المحاجر، لذا اهتدينا إلى حل بشقين: إعادة تدوير هذه المخلفات وتصنيع مواد إنشائية منها".
بلاط مطاطي أنتجته الشركة الطلابية
الخليل تعاني والأضرار كبيرة
بحث الفريق مليًا، فوجد أن أهالي مدينة الخليل على وجه الخصوص تقضّ مضاجعهم مشكلة بيئية خطيرة تؤثر سلبًا على حياتهم، وهي مشكلة "ربوة الحجر" التي تنجم عن قصّ الصخور في المحاجر الكبيرة.
ويشير عويس إلى أن الربوة التي تُلقى في الأراضي الزراعية في المدينة، والتي تبلغ نحو 25 ألف طن شهريًا، تدفع لقاءها بلدية الخليل سنويًا قرابة 3 مليون شيكل للاحتلال الإسرائيلي من أجل مساعدتهم على التخلص منها، كونها لما تسبّبه من ضرر كبير للمواطنين وأراضيهم الزراعية.
إلى جانب ذلك، فإن 5 مليون إطار سيارة يُتلف شهريًا في مناطق السلطة الفلسطينية، وبالتالي فإن المشروع سيخلّص المجتمع من مشاكل بيئية جسيمة، وفي الوقت نفسه سيوفر منتج غاية في الأهمية وبأسعار ممتازة للمواطنين، تبعًا لحديثه.
بلاط مطاطي وطوب أنتجته الشركة الطلابية من إعادة تدوير ربو الحجر والكاوتشوك
منتج منافس
فكرة المنتج الذي يعمل الفريق حاليًا على تطويره، تقوم على دمج الإطارات مع ربوة الحجر لإنتاج مواد إنشائية مناسبة للسوق الفلسطينية، والأسواق العالمية أيضًا.
وأفاد المتحدث باسم الفريق لـــ "آفاق البيئة والتنمية" أن عملهم يسعى في المرحلة الراهنة إلى إنتاج ثلاثة أنواع من المواد الإنشائية، وهي "البلاط والطوب والأرضيات المطاطية التي تُستخدم في حدائق الأطفال".
مضيفاً: "بإجراء البحوث اكتشف الفريق أنه بإمكانه صناعة العديد من المواد الإنشائية بدمج هذين النوعين من المواد الخام (الإطارات وربوة الحجر)".
وحول مدى حاجة السوق لمنتجهم، أكد سلمان عويس أن "أغلب المنتجات الإنشائية في سوقنا تُستورد من الخارج، وبأسعار مرتفعة جدًا، في الوقت الذي سيكون منتجهم أرخص من المستورد بمقدار النصف أو أكثر".
وفي السياق نفسه أوضح سبب انخفاض السعر: "المواد الخام التي نستخدمها شبه مجانية كونها تعالج مشكلة بيئية، ما يعني أن هذا سيوفر ماديًا الكثير على المستهلك النهائي".
واستطاع فريق "كلين بالكو" نسج شراكات عديدة مع مؤسسات وبلديات مختلفة، من أجل تسهيل وتسريع عملهم، وحاليًا لديهم شراكة مميزة مع بلدية الخليل التي ستساعدهم في الإنتاج إلى حد كبير، كما يقول.
طوب أنتجته الشركة الطلابية من إعادة تدوير ربو الحجر والكاوتشوك
تحديات وسعي للنجاح
فاز المشروع بالمركز الأول على مستوى فلسطين في مسابقة "إنجاز فلسطين" لعام 2021، ثم في مسابقة "إنجاز العرب" ظفر بالمركز الأول ليكون "أفضل شركة طلابية على مستوى الوطن العربي لعام 2021، والتي شارك فيها 15 دولة عربية.
ويبذل الفريق في هذه المرحلة قصارى جهده لتطوير المنتج من أجل الحصول على شهادة جودة المواصفات والمقاييس الفلسطينية، حتى يتسنّى له تسجيل المنتج رسميًا لدى وزارة الاقتصاد، ويصبح بوسعه مُباشرة التوزيع والتسويق على نطاق أكبر.
سألناه عن طبيعة الفريق، فقال: "نحن طلبة من تخصصات مختلفة، منها الهندسة الصناعية المسؤولة عن تطوير الجودة، وهندسة المواد، والتسويق، والتجارة، نعمل بروح الفريق ونكمّل بعضنا البعض لنصل بمشروعنا إلى بر الأمان".
"ماذا عن التحديات؟".. يتطرق إليها قائلًا: "منذ بدء المشروع قبل قرابة عام ونصف، وبما أن الفريق كله شباب جامعيون، فقد استهان به أشخاص كثر واستخفوا بقدراته. قلائل من وثقوا به ودعموه للمضي قدمًا ليصنع من الحلم قصة نجاح".
وحتى وقت قريب كان الفريق يستخدم مختبرات جامعة القدس لإنتاج المواد الإنشائية، مضيفاً: "في الآونة الأخيرة لم تعد المختبرات متاحة لنا كما في السابق".
ويردف حديثه بالقول: "تخطّينا هذه العقبة باستئجار مكان صغير في مدينة بيت لحم للتصنيع والإنتاج، كي يبقى الفريق قريبًا من مدينة الخليل التي تمثّل مصدر المواد الخام".
وثمة صعوبة أشدّ يخبرنا بها بخصوص عدم توفر التمويل: "تكاليف العمل والإنتاج حتى اللحظة ندفعها من جيوبنا، لم نتلّق دعمًا مالياً من أي جهة، حتى الجائزة التي حصلنا عليها معنوية، إلا أن عددًا من المستثمرين أبدوا استعدادهم للدعم فور أن نحصل على شهادة الجودة، وهذا ما نسعى إليه بجد".
فريق الشركة الطلابية
جدير بالذكر أن جهد فريق "كلين بالكو" يتجه حاليًا نحو التصنيع والبيع على مستوى بسيط، كونهم بحاجة لآلات وماكنات تساعدهم على الإنتاج، وهي بطبيعة الحال باهظة الثمن ولا يستطيعون شراءها إلا إذا توفر الدعم.