خاص بآفاق البيئة والتنمية
في السنوات القليلة الماضية، تراجعت كثيرًا المحاصيل الفلسطينية الحقلية بالمساحات والإنتاجية، وذلك لأن العملية الزراعية تُبنى على جدوى الربح والخسارة، وليس سيادة غذائية يجب تعزيزها، علمًا أن حجم تكاليف الإنتاج أعلى سعرًا من الاستيراد. إذا أردنا تقليل تبعيتنا الغذائية للخارج، والاقتراب من تحقيق السيادة الغذائية، فحسابات العمل الزراعي يجب ألا تقتصر على معادلة الربح والخسارة المالية، وبخاصة مع ازدياد الاستهلاك؛ فمصر كانت أكبر مصدّر للقمح وحاليًا هي أكبر مستورد له، بعد دخولها بعلاقات تجارية مع الولايات المتحدة الأميركية، ما ضرب لديها سيادتها الغذائية. من الضرورة بمكان توفير الدعم الحكومي للمحاصيل الحقلية وتمويلها، ووضع إستراتيجية لتشجيع المزارعين وإخضاع المحاصيل لسياسات تسعيرية، بما يضمن قدرة المزارع على تحقيق أرباح مجدية وتعويضه الخسائر، ومساعدته في التسويق، والاستثمار في هذا القطاع لتعزيز سيادتنا الغذائية.
|
 |
الزراعات الحقلية الفلسطينية تواجه خطر الاختفاء |
في مثل هذا الوقت من كل عام، كان سهل البقيعة، ثالث السهول في الضفة الغربية من حيث المساحة شرق بلدة طمون، منتِجًا رئيسًا للمحاصيل الحقلية وعلى رأسها "القمح"، تخضّر أرضه ببداية موسم زراعة المحاصيل الحقلية البعلية.
وفي الآونة الأخيرة، باتت الزراعات المروية تسود أراضي السهل بدلًا من البعلية، وقد سُجّل تراجعًا في الزراعات الحقلية في المنطقة إلى حدٍ كبير.
المزارع عبد الله حسين (65 عامًا) من بلدة طمون، يستذكر السهل قائلًا: "كنا نزرعه بالعديد من المحاصيل الحقلية في كل عام، مثل القمح والعدس والفول والبيقا وغيرها في الشتاء، لنحصد في الصيف، معتمدين على دورة زراعية واحدة".
وبينما يتفقّد حسين محصول البندورة داخل بيت بلاستيكي، يواصل حديثه: "حلَّت في الوقت الراهن الزراعات المروية مكان البعلية، فنحن نستغل الأرض على مدار العام، ونزرعها بمختلف المحاصيل التي أصبحت تشكّل مصدر رزق لنا".
وأدت العديد من العوامل إلى تراجع المساحات المزروعة بالمحاصيل الحقلية، في السنوات الأخيرة.
وبحسب ما تفيد به وزارة الزراعة فإن مساحة وإنتاج المحاصيل الحقلية في الضفة الغربية (2019-2020) 288,589 دونمًا. فيما أنها في الموسم (2018-2019) بلغت 294,134 دونمًا، بكمية إنتاج 131,203 طن، 146,396 طنًا على التوالي.
فيما كانت أعلى نسبة لزراعة المحاصيل الحقلية في الموسم الزراعي (2016-2017) بمساحة 446,468 دونمًا وكمية إنتاج 234,356 طنًا، تبعاً لوزارة الزراعة.

الزراعات الحقلية الفلسطينية محرومة من الدعم ومكشوفة أمام الإغراق الإسرائيلي والأجنبي
"الزراعة" تشجع على الزراعات الحقلية
من جهتها، تقول آلاء إسماعيل مديرة دائرة المحاصيل الحقلية في وزارة الزراعة إن المساحات المزروعة بالمحاصيل الحقلية تشهد تذبذبًا وتراجعًا في المساحات، وتوجهاً للمحاصيل المروية، والتي تدر إنتاجًا ودخلًا أكبر، عدا عن توجه العمالة إلى "إسرائيل".
وتشير إلى أن محافظتيّ طوباس وجنين كانتا من أكثر المحافظات التي تزرع المحاصيل الحقلية بسبب توفر المساحات الواسعة والسهلية، والآن تتجه للزراعات المروية المكشوفة وداخل البيوت البلاستيكية.
ووفق الجهاز المركزي للإحصاء، بلغ عدد العاملين في "إسرائيل" والمستعمرات في عام 2021 حوالي 145 ألف عامل منهم 21 ألف يعملون في المستعمرات الإسرائيلية، وبلغت نسبة العاملين في "إسرائيل" والمستعمرات الحاصلين على تصاريح عمل 61% في حين بلغت نسبة العاملين من دون تصاريح عمل نحو 25%، أما حَملة الهوية الإسرائيلية أو جواز سفر أجنبي فقد بلغت نسبتهم 14%.
وبلغ معدل الأجر اليومي للعاملين الفلسطينيين في "إسرائيل" والمستعمرات 266 شيقلاً.

زراعات حقلية في الأغوار
وتوضح إسماعيل أن وزارة الزراعةـ، تعمل جاهدة لتشجيع الناس على الاستمرار في الزراعات الحقلية، بممارسات زراعية ذكية مثل استخدام بذار محسنة لزيادة الإنتاج لوحدة المساحة، والتي ترفع سقف الإنتاج للوحدة الواحدة من 200 كيلوغرام إلى حوالي 400 كيلوغرام، واستخدام "الزبل العضوي" لتحسين نوعية التربة، وتشجيعهم على اتباع دورات زراعية للقضاء على الأمراض التي قد تصيب النبات وتحدث خسائر في المحصول.
كما تُستخدم الزراعة الحافظة والحراثة الصفرية لتنعكس على ربحية المزارع، وتعمل على استخدام المياه المعالجة لري بعض الزراعات بديلًا لاستغلالها خاصة في المحاصيل الحقلية العلفية وتشجيع المزارع على تقبل هذه الأنماط.
وتلفت إلى أن وزارة الزراعة توزع البِذار على المزارعين من أجل تشجيعهم للزراعة وزيادة الإنتاجية.
وتضيف إسماعيل أنهم يحاولون الحد من تراجع الزراعات الحقلية بتأطير الأراضي، بسبب صغر مساحتها، وتقسيم الملكية، تحت مظلة الجمعيات للحصول على مساحات أوسع والتغلب على تفتت المساحات، ضمن مشروعٍ واحد.
وترى أن المزارعين المنتجين للمحاصيل الحقلية وخاصة القمح، يواجهون مشكلة تسويق الإنتاج، مع انخفاض سعر المستورد عن المحلي، إضافة إلى نقص مهارات المزارع في المحاصيل الحقلية، واستخدامهم الأدوات والمعدات القديمة التي تزيد من الفاقد، عدا أن بعض المحاصيل الحقلية تزرع من أجل الرعي، ما يقلل من كمية الإنتاج.

حقل قمح في جنين
تأخر الأمطار
ويؤكد يامن حمدان الأستاذ المحاضر في كلية الزراعة في جامعة فلسطين التقنية/ خضوري، تراجع الزراعات الحقلية، بسبب التغير المناخي وتذبذب الأمطار وعدم توزيعها في الموسم، وتوافر أصناف بذار لا تحتمل نقص المياه والجفاف.
ويضيف حمدان أن تفتت ملكية الأراضي بين الورثة، أدى إلى تقسيمها إلى مساحات أصغر، غير مدى زراعتها بمحاصيل حقلية، والتوجه نحو الزراعة المروية.
بدوره، يشير ماهر صلاحات رئيس قسم المحاصيل الحقلية بمديرية زراعة طوباس، إلى أن أهم اسباب التراجع والتذبذب في زراعة المحاصيل الحقلية في محافظة طوباس، هو مضايقات الاحتلال وتدريباتهم العسكرية في الأراضي الزراعية، ومنع وصول المزارعين إلى بعض الأراضي لزراعتها والاعتناء بها، ومصادرة الاحتلال للمعدات الزراعية والآلات والتراكتورات.
ويوضح أن تأخر هطول الأمطار عن مواسمها المعروفة، دفع الناس إلى تغيير النمط الزراعي من بعلية إلى مروية، والدخول على قطاع الخضراوات والبستنة الشجرية والبيوت البلاستيكية وقطاعات زراعية أكثر استدامة وربحية.
ويشير إلى أننا ننتج ما بين 8 و 11% من حاجتنا من القمح، وما تبّقى منه يُستورد من الخارج.
وبحسب إحصاءات وزارة الزراعة، زُرع نحو 119,931 دونمًا من القمح في الموسم الزراعي ( 2020-2021).
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي د. بكر اشتية، إن المحاصيل الحقلية تتراجع بالمساحات، والإنتاجية، وذلك لأن العملية تُبنى على جدوى الربح والخسارة، وليس أمنًا غذائيًا يجب المحافظة عليه، فحجم تكاليف الإنتاج أعلى سعرًا من الاستيراد.
ويستطرد اشتية قائلًا: "هذه المحاصيل يجب ألا تحسب هكذا، خاصة مع ازدياد الاستهلاك، وأن تخرج من حساب الربح والخسارة".
ويشير إلى أن مصر كانت أكبر مصدّر للقمح، وحاليًا هي أكبر مستورد له، بعد دخولها بعلاقات تجارية مع الولايات المتحدة، ما ضرب لديها أمنها الغذائي.
وجدير بالذكر أنه يبلغ معدل استهلاك الفرد الفلسطيني الواحد من القمح حوالي 120 كغم/سنوياً.
وأكد اشتية أنه يجب التركيز على مصادر الأمن الغذائي، وزراعة الأراضي بالمحاصيل الحقلية، خاصة المصنفة "ج" نظرًا لصعوبة الوصول إليها أحيانًا، ولأن المحاصيل الحقلية لا تحتاج إلى عناية كبيرة.
ويؤكد ضرورة الدعم الحكومي للمحاصيل الحقلية وتمويلها، ووضع إستراتيجية لتشجيع المزارعين وإخضاع المحاصيل لسياسات تسعيرية، بما يضمن قدرة المزارع على تحقيق أرباح مجدية وتعويضه الخسائر، ومساعدته في التسويق، والاستثمار في هذا القطاع للحفاظ على أمننا الغذائي.