شذرات بيئية وتنموية.. زلازل وسرطان وثلج وكورونا ومزارعون ولوز وانتخابات
خاص بآفاق البيئة والتنمية
زلزال نابلس 1927
سكنتُ نابلس منتصف التسعينيات، وفيها بدأت رحلتي مع "صاحبة الجلالة"، حينها شرعت بجمع شهادات شفوية عن زلزال 1927 الذي ضربها، وتابعت لاحقًا الأمر في نحو 30 نصًا وتحقيقًا وحوارًا.
وأوصيت في البرنامج الانتخابي لـ (قائمة قادرات النسوية) باعتماد الكود الزلزالي للمباني، فقوبل الأمر بالتندر. تتكسّر مؤخرًا (خلال كانون الثاني وشباط) الصفائح الأرضية لحفرة الانهدام فنشعر بها.
نتذكر عام 1985 كانت الهزة شديدة الوضوح، يومها كنا نزرع الكوسا وأطلقنا على إنتاجه (موسم الزلزال)، أتذكر عنوان تحقيق لي نافس في مسابقة دولية أننا نغمض أعيننا عن الزلزال القادم، وصدق المثل (السمن بسمونة والعرس بدبورية، وأهل المجيدل يرقصون من بعيد).
المؤسف أننا لا نراجع ممارساتنا في تجهيز المباني وتحصينها، ولا خطط لدينا لإقامة مستشفيات ميدانية إذا ما وقعت الكارثة، في حين أن بيوتنا هشة، ونظام الطوارئ ضعيف.
لتتخيلوا حجم الأزمة، سألت مسؤول الطوارئ وعضو لجنة هيئة وطنية للأزمات، في حوار متلفز لمجلة "آفاق" و"تلفزيون وطن"، عن قوة مبنى الهيئة، فأفاد بأنه ليس ضد الزلازل، فيما يؤكد مرارًا المتبحر فيها د. جلال الدبيك أنها قاب قوسين أو أدنى، وتخلع ثوبها مرة كل 100 عام، دون أي خطة تطبيقية أو إجراءات جادة.
ماذا نقول لمسؤولي شؤوننا اليومية، الذين لم يسمعوا يومًا بالكود الزلزالي، كما أخبرني أحدهم؟ صحيح أننا لا نهتز من فرط ما نتعرض له، ولليأس الذي يصيبنا، ولسوء إدارتنا، لكن علينا أن نقر بأن الزلزال، كما يقول الخبراء، مسألة وقت، ونحن في سبات.
نصوص ولصوص
خرجت أول نصوصي إلى صحيفة "الفجر" في شتاء 1988، كنت في الرابعة عشرة، وانحزت إلى حراس الأرض. كتبت ببراءة عن بيارات جنين الآخذة بالانحسار، والخسائر الفادحة التي تطارد أصحابها. كان العنوان (مزارعو البرتقال يشمون الأرباح ولا يتذوقونها).
ثمة مفارقتان؛ زعم مدير مكتب الجريدة أن النص من حقه، لإرساله عبر الفاكس وهو سلوك لصوصي ما زال يستشري في غير مهنة، واستمرار معاناة الفلاحين وتفاقمها من عصر الورق إلى زمن الافتراض الأزرق، دون أن تتدخل جهة لإنصافهم، وانحسار بيارات البرتقال أضعافًا عدة.
أطفال السرطان
داء أسود
تتوقف دول الأرض كل عام مع اليوم العالمي للسرطان (4 شباط الفائت). هو داء أسود بات يلاحق كل الفئات، ويشكل 14 % من وفيات أبناء شعبنا. ويصيب 116 من كل مئة ألف، وفق وزارة الصحة. وهو المسبب الثاني للموت بعد أمراض القلب.
عشت مع والدي رحمه الله رحلة شفاء، بعد أن تسلل له المرض الخبيث، كان ألمه ثقيلًا، وكنا رهائن للمستشفيات. يدخل المصاب إلى حافة الموت، ثم يمنّ الله عليه بالتعافي، ويخضع لعلاج قاس يحرق أجزاء من جسده، أو ينهال عليه بجرعات الكيماوي.
يُلاحق هذا الداء أصدقاء وأعزاء وعدد هائل من الموجوعين، الذين يعانون بقهر وصمت، واختطف أرواحًا عدة. لعل الغذاء الصحي، والفحص المُبكر، وتفادي التدخين، ومحاربة السمنة، وممارسة الرياضة، ومحاربة السكر الصناعي، والإقبال على الخضروات والفواكه، من أبرز الخطوات لإحباط المرض. رحم الله الأحبة الذين هزمهم المرض الخبيث، وكان مع رهائن الوجع.
المرحومة العمة ام طالب
جنرال أبيض
طرق الجنرال الأبيض بابنا عام 1992، كنت في السادسة عشرة، وبحكم بيتنا الملاصق لمنزل العم المرحوم أبو طالب، أمضيت جزءًا كبيرًا من صباي رفيقًا لزوجة العم أم طالب، رحمها الله.
يومها، غطى الثلج ساحة المنزل وتراكم فوق أغصان شجرة الليمونة الباسقة. شعرنا بالغبطة، وفتحت ممرًا للعمة الباسمة، خشية عليها.
لازمنا كانون النار، وشواء الجبن، وأقاصيص طويلة. لم يكن التلفاز يستهوينا، فسرد العمة وحديثها الشائق لا يُعوض.
ادعيتُ، والثلج يتهاطل أني خبير أقمشة، لأتفحص لها نوعية زنار حريرها الأصلي، الذي أحضرته يوم عرسها من حيفا، وأذكرّها بسطو قطاع الطرق على هدية أهلها بعد زفافها، فتقول ضاحكة: "أنت لا تنسى شيئًا".
كنا لا نختتم السهرة إلا بقصص العمة أم طالب، التي خجلت يوم كانت ضيفة بصحبة أطفالها على بيتهم، من تناول الطعام، فتضحك.
بين ثلوج فصل الشتاء الحالي، ووثلوج عام 1992 تغيرات عديدة عصف بأشجارنا وأبنيتنا القديمة، وأطاحت بالمزيد من أرضنا الخصبة.
نسترد في هذا الشتاء المزين بالثلج رفيقة الصبا، ونتمنى أن يهطل الزائر الأبيض فوق قبرها، وأن تكون في أوسع الرياض.
كورونا
فوضى الفايروس
طالت سيناريوهات كورونا، وما عاد القلق من الفيروس ينتاب غالبية الناس، حتى بروتوكولات وزارة الصحة صارت باهتة وبلا طعم. وأصبحت اللقاحات مثل مباريات كرة القدم الحاسمة بتمديد أشواط وركلات جزاء.
ربما من المناسب التفكير بالتوقف عن الفحص، بعد تقليص الحجر المنزلي للمصابين عدة مرات، لأن "حراثة الجمال" لا تبشر بمحصول وفير!
مؤشرات وحرارة
وثّقت خلال كانون الثاني والربع الأول من شباط زهر اللوز، وعدت إلى أرشيفي المصور لمجموعة مماثلة من الأشجار وقارنتها بالفترة نفسها من أعوام 2016 و2019 و2021. كانت النتيجة أن الأزهار هذا العام لم تتفتح بعد على الأشجار ذاتها، والسبب غالبًا تدني درجات الحرارة في 2022.
حراس الأرض
المؤسف أن العيون تُلاحق المزارعين-حراس الأرض- إذا ما ارتفعت أسعار الخضروات فترة وجيزة، لكنها تغفل عن الانخفاض المزمن للمحاصيل، والذي يصل حد إتلافها وإطعامها للمواشي، مقابل الصعود الحاد لمستلزمات الإنتاج.
معضلة المزارع أن عمله مكشوف تحت الشمس، بخلاف الشرائح الأخرى، وتطارده العمليات الحسابية. أحد الحلول السريعة لقطاع الزراعة الهش، فرض سقف سعري معقول للمحاصيل يدعم الفلاح ويراعي المستهلك.
بنية تحيتة متهالكة في مختلف الأنحاء الفلسطينية
بنية هشة
إحدى أمنيات عمري أن تصبح لدينا بنية تحتية تحترم الإنسان، الذي كرّمه الله ونعّمه.
لست أدري إصرارنا على عدم الإتقان في كل شيء. المشكلة ليست في التمويل بل في الضمير، الذي تتسبب كل شتوة في كشف عورته، ثم يأتي أحدهم ليطعمك ويسقيك شعارات وتبريرات للتهرب من المسؤولية، ونذهب لاختيار ممثلين لنا لم يسمعوا يومًا بالتخطيط والهندسة والإدارة والبنية التحتية والاستعداد لهزات الأرض وغيث السماء.
بالمناسبة، أبسط حق لطلبتنا أن تكون مدارسهم بمواصفات مكتب معالي وزير التربية، دون ذلك، لا يحق لأحد رفع الشعارات الفارغة، حتى لو وجد من يتطوّع للتصفيق له.
"مفارقة" قانونية
مؤسف ما يسمح به قانون الانتخابات من مفارقات.
صحيح أنه يشترط في أثناء التشكيل وجود النساء في كل القوائم، ويخصّص مقعدًا مسيحيًا في بعض الهيئات، لكن بعد النتائج، وحال استقالة النساء (أو وفاتهن، أو إجبارهن على الانسحاب) من أي قائمة، فسيحل مكانها رجل من القائمة نفسها، أما إن رغب صاحب المقعد المسيحي بالاستقالة فسيأتي مكانه أي مرشح من قائمته. هذا يعني أن النساء -وكذا المقعد المسيحي- مجرد ديكور، وبالإمكان الإطاحة بهن بموافقة القانون ورغبة الرجال.