خاص بآفاق البيئة والتنمية
المعطيات الحالية حول واقع الزراعة في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 لا تُبشر بالخير، وتدلّ على أن هذا القطاع ليس من أولويات صانع القرار الفلسطيني؛ وليس أدل على ذلك من تراجع مساحة الأراضي المزروعة وأعداد العاملين في الزراعة، ناهيك عن تراجع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات متدنية. في بلد يرزح تحت الاحتلال، لا يمكن الحديث عن اقتصاد مقاوم وتحقيق السيادة على الغذاء من دون إعادة الاعتبار للزراعة، على أسس صلبة تحُقق التنمية المطلوبة، وتقطع الطريق أمام الاستيلاء على مزيد من الأراضي. وتبقى التصريحات والخطط الحكومية حول الانفكاك عن الاحتلال مجرد شعارات ما لم تنعكس نتائجها على الأرض. وفي مقابل التهميش الفلسطيني لهذا القطاع الحيوي، نجد أن الاحتلال الإسرائيلي يوفر كل المقومات لنجاح قطاعه الزراعي.
|
 |
استهلاك القمح في الضفة الغربية وقطاع غزة يفوق الإنتاج 10 مرات |
"إذا كانت الزراعة بخير فإن الوطن بخير"، مقولةٌ كانت تُردد سابقًا في فلسطين، في دلالة على أهمية الزراعة في حماية الأرض من الاستيطان، وتوفير مقومات الصمود من خلال بناء اقتصاد مقاوم.
المعطيات الحالية حول واقع الزراعة في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 لا تُبشر بالخير، وتدلل على أن هذا القطاع ليس من أولويات صانع القرار الفلسطيني؛ وليس أدلّ على ذلك من تراجع مساحة الأراضي المزروعة وعدد العاملين في الزراعة، ناهيك عن تراجع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات متدنية.
في بلد يرزح تحت الاحتلال، لا يمكن الحديث عن اقتصاد مقاوم وتحقيق السيادة على الغذاء من دون إعادة الاعتبار للزراعة، على أسسٍ صلبة تُحقق التنمية المطلوبة، وتقطع الطريق أمام الاستيلاء على مزيد من الأراضي. وتبقى التصريحات والخطط الحكومية حول الانفكاك عن الاحتلال مجرد شعاراتٍ ما لم تنعكس نتائجها على الأرض.
وفي مقابل التهميش الفلسطيني لهذا القطاع الحيوي، نجد أن الاحتلال الإسرائيلي يوفر كل المقومات لنجاح قطاعه الزراعي.

انكماش كبير في المساحات الزراعية الفلسطينية
معطيات تثبت تهميش الزراعة الفلسطينية
بلغ عدد العاملين في قطاع الزراعة الفلسطيني في عام 2018 نحو 51,500 منهم 37,000 من الضفة الغربية و14,500 من قطاع غزة، بينما كان عدد العاملين في قطاع الزراعة في عام 2013 نحو 82,700 منهم 59,900 من الضفة الغربية و22,800 من قطاع غزة.
أعداد العاملين في قطاع الزراعة
السنة
|
الضفة الغربية
|
قطاع غزة
|
المجموع
|
2018
|
37,000
|
14,500
|
51,500
|
2017
|
39,300
|
14,900
|
54,200
|
2016
|
44,200
|
15,700
|
59,900
|
2015
|
52,500
|
18,200
|
70,700
|
2014
|
61,800
|
21,700
|
83,500
|
2013
|
59,900
|
22,800
|
82,700
|
المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
بحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني "أداء الاقتصاد الفلسطيني 2018" الصادر في أيار 2019، فإن تدني أجور العاملين في قطاع الزراعة دفع للعزوف عن هذا القطاع.
وبلغ معدل الأجر اليومي الحقيقي في قطاع الزراعة في عام 2018 نحو 47 شيكل بمعدل 73 شيكل للعامل في الضفة الغربية و21 شيكل للعامل في قطاع غزة، وهذا يُظهر تدني الأجور في قطاع الزرعة وعلى وجه الخصوص في القطاع.
وفقًا للتقرير ذاته، بلغت مساهمة أنشطة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.8% في قطاع غزة مقابل 2.6% في الضفة الغربية، وهي نسبة متدنية مقارنة بالقطاعات الأخرى، لا سيما قطاعيّ الخدمات والتجارة؛ علمًا أن مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي بلغت في منتصف السبعينيات نحو 36%، ثم انخفضت إلى 25% في الثمانينيات، وفي عام 1994 تراجعت إلى 13.4%، واستمرت هذه النسبة بالتدني حتى وصلت عام 2018 إلى 3%، ويظهر ذلك في إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ما وصلت إليه الزراعة في الأراضي الفلسطينية، كان نتيجة طبيعية لتهميش هذا القطاع. إذ تشير الأرقام الرسمية إلى أن حصة الزراعة الفلسطينية في الموازنة العامة لم تتجاوز 1% من ميزانيات الحكومات الفلسطينية المتعاقبة. قرابة 85% من ميزانية وزارة الزراعة (1%) تذهب لرواتب الموظفين والنفقات التشغيلية.
في عام 2014 مثلًا بلغت حصة الوزارة من إجمالي المصروفات في الموازنة الفلسطينية نحو 0.7% (27 مليون دولار من أصل 3.860 مليار دولار).
أما حصتا وزارتي التربية والتعليم والصحة فبلغتا 18.7% و13.3% على التوالي، 722 مليون و512 مليون دولار)؛ وفي المقابل بلغت مصروفات قطاع الأمن 28% من إجمالي المصروفات في الموازنة العامة في عام 2014 (حسب بيانات وزارة المالية).
وفي موازنة عام 2016 التي بلغت 4.25 مليار دولار، حظي قطاع الأمن لوحده بـ 28% من الموازنة، أما القطاع الزراعي فخصصت له نسبة 1%؛ ما يعني أن القطاع الزراعي حظي بمكانة هامشية في الخطط التطويرية للحكومات الفلسطينية.

خبير الزراعة البيئية سعد داغر يشرح لمجموعة من الأطفال عن الزراعة البيئية
"إسرائيل".. استثمارات بالملايين في التكنولوجيا الزراعية
الزراعة في "إسرائيل"، من أحد القطاعات الاقتصادية الهامة، إذ تُشكل 2.5% من مجموع الناتج المحلي و3.6% من صادراتها. ويوظف القطاع الزراعي حوالي 3.7% من مجموع العمال في دولة الاحتلال، لينتج ما يصل إلى 95% من احتياجاتها الغذائية.
ما من شك في أن السياسات القائمة على مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني والسيطرة على مصادر المياه، ساعدت الاحتلال الإسرائيلي في تقوية قطاعه الزراعي؛ علاوة على تقديم الحوافز للمستوطنين للاستثمار الزراعي على الأراضي المسروقة خصوصًا في الأغوار؛ كما ساعدت تكنولوجيا "إسرائيل" المتقدمة في أن تكون من ضمن الدول الرائدة في توظيف التكنولوجيا في الزراعة.
وفي عام 2017، بلغ إجمالي الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية في "إسرائيل" 141 مليون دولار، والتي تُعد واحدة من أفضل خمس دول في قطاع التكنولوجيا الزراعية على مستوى العالم، وفقًا للحكومة الإسرائيلية.
وفي العقد السابق، أنتج قطاع التكنولوجيا الزراعية في "إسرائيل" عددًا كبيرًا من شركات الابتكار التكنولوجي الجديدة، لمعالجة المشكلات الزراعية العالمية.

عجز خطير في إنتاج المحاصيل الاستراتيجية في الضفة الغربية وقطاع غزة
الزراعة طريق نحو التحرر
"من يمسك بلقمة عيشك، يسيطر عليك ويسلبك الحرية، وفقط حين يكون غذاؤك حراً، يمكنك أن تحقق الاستقلال الحقيقي ببعده التحرري من تبعات قوى الهيمنة والاستعمار بأذرعها المتمثلة بالشركات العابرة للقارات، المسيطرة على البذور والأسمدة والسموم الزراعية الكيميائية والتكنولوجيا الذكية" يقول المهندس الزراعي سعد داغر.
ويدعو داغر الحكومات الفلسطينية إلى أن تكون الزراعة في سلم أولوياتها بعيدًا عن شعارات التغني بالزراعة والمزارعين والفلاحين بأنهم خط الدفاع الأول عن أرضنا وترابنا ووجودنا، بل يجب ترجمة ذلك في الموازنات السنوية التي تقرها الحكومات وبالعمل الإرشادي والتدريبي على الأرض وتنفيذ المشاريع المستدامة.
والمفارقة الكبيرة من وجهة نظر داغر، أننا نتغنى بالزراعة كخط دفاع أول عن أرضنا، بدءاً من قيادة الصف الأول وانتهاءً بأصغر متحدث في السياسة، بينما حصتها في الموازنة الحكومية هامشية، فيما الأجهزة الأمنية تحوز على حصة الأسد في الموازنات.
وحتى نسير في طريق الاقتصاد المقاوم، يشدد داغر على أن دعوات مقاطعة البضائع الإسرائيلية لا بد أن يرافقها جهد أكبر بكثير، بهدف توفير مقومات الإنتاج الذاتي للغذاء ودفع الشباب نحو العمل الفلاحي بكل مكوناته. ويضيف: "فكما لا تطور صناعي دون قاعدة زراعية، فإنه لا تحرر حقيقي دون قاعدة إنتاج للغذاء الحر الذي يأتي من زراعة حرة غير مقيدة بسلاسل شركات البذور والمبيدات والأسمدة الكيميائية. وكي نحقق ذلك، لا بد أن نحدد الفجوات في إنتاج الغذاء، وبالتالي توجيه الطاقات لإنتاج ما ينقص السوق المحلي، بعيدًا عن حرف الوعي نحو مشاريع زراعية غير مستدامة، أو موجات الموضة".
السيادة على الغذاء: الأرض لمن يفلحها
يتفق مدير وحدة الدراسات والأبحاث في مركز العمل التنموي "معا "جورج كرزم مع المهندس الزراعي داغر، ويرى أن هدف أية سياسة زراعية محلية ووطنية يجب أن يكون الاكتفاء الذاتي غذائيًا.
"بمعنى أن مزارعي الوطن يجب أن ينتجوا معظم الغذاء المستهلك محليًا" هذا الشرط تحديدًا -وفق كرزم- لا يشمله مفهوم "الأمن الغذائي" الذي طوعته الدول والشركات الصناعية الغربية والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية لصالح المصالح التجارية الاحتكارية في أوروبا وأميركا الشمالية.
في حين يعرف ممثلو احتكارات الغذاء الأميركية "الأمن الغذائي" باعتباره القدرة على تلبية الاحتياجات الغذائية للبلد، من خلال الإنتاج المحلي أو الاستيراد.
والأساس هنا، وفق المفهوم الإمبريالي، هو الاستيراد بما يؤدي إلى إغراق أسواق الشعوب الفقيرة بالسلع الغذائية الغربية المدعومة والرخيصة، وبالتالي القضاء على الإنتاج الغذائي الوطني، كما حدث في العديد من دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
وحتى يتحقق هدف السيادة على الغذاء، يطالب كرزم بأن تسعى أنظمة الغذاء الوطنية لإنتاج غذاء صحي بجودة جيدة وينسجم مع التراث والثقافة المحليين، وهذا يعني تجنب الوجبات الاصطناعية السريعة والقوالب والمعايير العالمية الجاهزة للأغذية المصنعة، كما يعني أيضًا رفض التوجه الذي يرى الغذاء مجرد سلعة أخرى أو عنصرًا من عناصر الصناعات الزراعية العالمية.
متطلب آخر يطرحه كرزم يتمثل بإعادة التوازن بين الزراعة والصناعة، بين الريف والمدينة، وعكس الاتجاه القائم المتمثل بتبعية الزراعة والريف للصناعة ونُخب المدينة، وما نتج عن ذلك من أرياف منكوبة وتدمير للاقتصاديات الزراعية، الناتج إلى حد كبير، في الحالة الفلسطينية، بسبب نهب الاحتلال للأراضي والموارد الطبيعية.
السيادة على الغذاء في الحالة الفلسطينية لن تتحقق بالسياسات التهميشية الحالية، ولا بد من ترجمة الشعارات إلى أفعال على الأرض، وتذليل كل المعيقات أمام عودة الشباب إلى الزراعة؛ "فلا خير في أمة تأكل مما لا تزرع".