"أنقذنا السمكة".. ومازال في الحياة حياة
خاص بآفاق البيئة والتنمية

سمكة ناريمان التي نجت من القصف الإسرائيلي
كنت جزءًا من مدينتي التي تحترق بسبب عدوان "إسرائيل" الأخير عليها، لكنّ أمي كعادتها تفعل كل ما بوسعها لتغمرنا بالأمان والطمأنينة بالرغم من الخوف المسيطر على قلوب أهل غزة؛ حاولت صنع بهجة لعيد الفطر الذي كنّا نصفه بـ “السعيد” إلا أن طائرات الاحتلال حالت دون هذه المحاولة.
في الـ 13 من مايو/ أيار 2021، أول أيام العيد، وبينما تقف أمي في المطبخ لتجهيز وجبة الفطور المعتادة (الفسيخ)، كنت أنا أحوم بفرح في غرفتي وأدندن “أهلًا أهلًا بالعيد” أنتظر عودة أبي من المسجد لأحظى بعناقٍ وعيدية، وإذ بصوتٍ فزِع يأتي: “اخلو البيت بسرعة بدهم يقصفو”.
شعرت بالخوف في تلك اللحظة وبكيت بمرارة، لديّ الكثير من الأشياء والألعاب في بيتنا وحتى الذكريات، كيف يُمكن أن تُمسى ركامًا بعد دقائق! أمي هربت بنا إلى منزلٍ قريب أقل خطورة، أما أنا فبقيت أصرخ “ملابس العيد، ألعابي، عصافيري، وسمكاتي”.
حوض السمك والعصفوران، هما هدية من والديّ، في ذكرى ميلادي العام الماضي، عندما سألوني عن هدية طلبت منهما دون تردد “عصفورًا وسمكة”. أعتقد أنني نجحت في بناء علاقة صداقة معهم؛ لذا كنت خائفة عليهم تمامًا كخوف أمي علينا من الموت؛ فلم أكفّ دقيقة عن البكاء عليهم وعلى الكثير من أشيائي في المنزل.
ذهبنا إلى البيت بعد القصف بنحو ساعة؛ صار أثرًا بعد عين، وامْتَلأَ دُخاناً، أمي كانت تبحث عن أغراض وأوراق مهمة تخصّ العائلة، أما أنا فاستعنت بابن عمتي للبحث عن أشيائي، تمكنّا من إنقاذ “السمكات”؛ فرحت كثيرًا شعرت بانتصارٍ عظيم؛ نعم؛ أعدت لهم الحياة في اللحظة التي قرر العدو قتلها فينا ولم يستطع.
في أول حوار بيني وبين السمكات قلت لهم كلمة أمي الشهيرة (ما تخافوا أنا موجودة معكم، أطعمتهم بيدي)، لكن ما مصير العصافير؟
بعد ساعات من الإلحاح ونزولًا عند رغبتي، عاد أبي إلى البيت، يقتفي أثر العصافير، وأخيرًا جاؤوني بهم، حينها تذوقت لذّة النجاة الحقيقية، فهذه الكائنات “حرام تموت” ونحن أيضًا!

عصافير ناريمان التي نجت من القصف الإسرائيلي لمنزلها
ناريمان العقاد (9 سنوات)
خانيونس - جنوب قطاع غزة