رئيس مؤسسة الأطلس الكبير
تمثل أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة طموحًا عالميًا، بهدف معالجة قضايا ذات صدى عالمي بكل جدية وحزم.
وبالرغم من الفوائد الكبيرة والأثر العميق الذي تحويه طيات تلك الطموحات، إلا أن الأهداف التي وضعتها لا تخلو من بعض التحديات والعراقيل.
الحقيقة أنها قد تفتقر إلى التوجيه، وربما ينقصها الانسجام أو التوافق الصريح مع ما لا ينبغي الإغفال عنه عند الحديث حول الاستدامة ويتلخص في مشاركة السكان المحليين.
وفي هذا الصدد، فإن عملية وضع ودراسة أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، لم تستند إلى مجموع الاحتياجات التي عبرت عنها المجتمعات المحلية في مختلف أنحاء العالم. وبناء على ذلك، سيظل الأشخاص الذين تطمح الأهداف إلى تحسين حياتهم غير مدركين لفحواها ولا مُلّمين بها، وهم بطبيعة الحال أَولى بدمجهم في عملية التخطيط من أجل تحقيق الأهداف الــ 17 لمغزاها الذي وُضعت من أجله، وكذلك توجيه مراحل تطبيقها.
ولعل قابلية التطبيق على نطاق عالمي وفي سياقات متنوعة واسعة؛ تُعد أحد أهم عناصر هذه الأهداف، وبما يتناسب مع ظروف الوباء الراهنة.
ومع الاختلافات الثقافية التي لا حد لها، يصعب اعتماد نهج مناسب وفعال يراعي جميع الأوضاع، كما أن غياب تعليمات خاصة تؤطر وسائل تنفيذه، سيُبقي الأهداف مجرد رؤى طمَوحة منفصلة، وليست مقاصد واقعية قابلة للتنفيذ.
وللمضي قدمًا بمراحل التنفيذ، يتوجب على الدول تحديد منهجية تتجاوز الأصعدة المحلية والطموحات الفردية. ومع أن أهداف التنمية ذات طبيعة عالمية شاملة فإنها لا بد وأن تتماهى مع المجتمعات المحلية. لذلك، ستساعد اللامركزية في صنع القرار والإدارة المستفيدين في تحديد عوامل الاختلاف عبر الثقافات، مما سيحقق تنمية مستدامة تقوم على المشاركة الشعبية.
ومن أجل تحديد أهداف متكيفة مع ظروف المجتمعات المحلية، فإن الأمر يستدعي إجراء دراسة استطلاعية بقيادة محلية بقصد جمع البيانات بما يراعي التنوع الثقافي والسياسي واختلاف البيئات، فمن شأن هذه المنهجيات الإثنوجرافية والبحث التشاركي أن يساعدا في تسليط الضوء على الأوضاع المحلية من منظور السكان أنفسهم. على أن يتمخض عن هذه الدراسة التحليلية الجماعية، وضعًا أفضل لأفراد المجتمع، عندما تتحدد أنسب المشاريع القابلة للتطبيق والتي تهتم مباشرة بالاحتياجات التي عبرّوا عنها.
ويمكن القول إن الطابع العالمي سمة إيجابية تميز الأهداف، ومن الجيد أن يرى السكان أنفسهم في الأهداف المنجزة بما أنها تمس جميع جوانب الحياة وتعكس الصورة المتداولة بشكل واسع. ومع ذلك، فإن هذا لا يكفي للجزم باستعداد الناس لقبول أهداف التنمية تلك إطارًا تحفيزيًا أو عمليًا، لأن العامل الذي يلهمهم للاستثمار في تنفيذ الأهداف التنموية يرتبط بدرجة مشاركتهم في وضعها وتطويرها.
ما نخلص إليه، أن المدى الشمولي للأهداف التنموية، بشكل عام، عامل يمكن الاحتفاظ به ما دام بإمكان بعض الفئات رؤية مبادئها وقيمها الخاصة مُتجلية ومقدرّة. بينما يرى آخرون أن لمنهجية التخطيط أهمية كبرى، وأن الافتقار إلى ارتباط عاطفي مع الأهداف الموضوعة سيؤدي إلى إعاقة استخدامها كمعيار مرجعي. لذا نؤكد أن الأهداف تتحقق بفاعلية وعمق أكبر عند إشراك المجتمعات المحلية في التخطيط، بحيث يتوافق التخطيط مع الوضع الحالي، حتى تعم المنفعة على نطاق أوسع.
إن تشجيع الأهداف المتعددة التي تنجزها مبادرات تنموية فردية عامل أساسي آخر يمكن للأمم المتحدة الترويج له؛ من أجل مساعدة مختلف الدول في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهذا الأنموذج نجده في المغرب، غير أنه يمكن اعتباره مؤشرًا على ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في جميع أنحاء العالم.
ففي تقاليد عدد كبير من المجتمعات والثقافات، تقتصر زراعة الأشجار المثمرة على المزارعين الذكور فقط. ولسوء الحظ، أظهرت التقييمات أن المشاريع الزراعية المنجزة دون إدماج النساء، تؤدي مباشرة إلى سيطرة الرجال على الإيرادات، فيما تبقى الفوائد غير المباشرة، مثل مبادرات محو الأمية لدى النساء وفرصهن التنموية محدودة وغير مستوفاة. لذلك، فإن دمج النساء منذ البداية عبر بناء قدراتهن مثل تعزيز الثقة، والإيمان بالذات، وتحرّي أفكارهن الزراعية من أجل التغيير؛ لن يؤدي فقط إلى مزيد من المساواة بين الجنسين (الهدف التنموي 5)، بل سيساهم أيضًا في تقويم الأمن الغذائي (الهدف التنموي 2)، وتحسين أنظمة إدارة المياه والبيئة القابلة للتكيف (الهدف التنموي 6)، والتعليم (الهدف التنموي 4)، وتوفير العمل الكريم والنمو الاقتصادي (الهدف التنموي 8)، وأنماط الإنتاج والاستهلاك المسؤولة (الهدف التنموي 12)، ومحاربة الفقر (الهدف التنموي 1).
وفي الواقع أن التنمية المستدامة يتعين عليها القيام بدور كبير إلى الحد الذي تلبي فيه الاحتياجات والمصالح المتعددة، وتشجع المبادرات بشكل متناسب يواكب احتياجات الناس ويعود عليهم بالفائدة.
هكذا وجب على الأمم المتحدة أن تقر بانتظام التنمية متعددة الأوجه لتحقيق نتائج واسعة النطاق، في مختلف المجتمعات المحلية أو المشاريع الإقليمية، وبذلك لن نبلغ الأهداف التنموية الموضوعة فحسب، بل ستشكل لدينا أيضًا قاعدة نجاح.
ومع العلم بأن أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وثيقة الصلة بكل المجتمعات والدول، وعلى المبادئ التوجيهية المعتمدة في تنفيذها أن تسير على نفس النهج. ومن الواضح أن مشاركة الناس في التنمية مع تبني أي أهداف تنموية مستقبلية باتت مسألة مفروغ منها؛ فسكان العالم هم من يقررون مسار النمو، وبالتالي فإن اللامركزية خيار ضروري لا مفر من اعتماده، بشكل ودرجة ما، في معظم الأماكن.
أخيرًا، إذا عُززت الشراكات لتلبية طموحات المجتمع نحو النجاح، فستظهر نتائج أعمق وفوائد أكبر في ظل احتفاظ كل المجموعات برؤيتها والسهر على استمراريتها.
وأرى أنه لا بد وأن تعبّر أهداف التنمية المستدامة والنصوص المفسرة لها عن هذه الرؤى صراحة. وعند القيام بذلك، لن تكون النتائج مجرد تجسيد للغاية الأسمى التي نسعى لتحقيقها معًا وبشكل جماعي، لكنها ستمثل أيضًا الطريقة الأنجع والمفتاح الذي يمكننا من الوصول إلى تلك الوجهة، وبالتالي تكون مؤشراً يتناسب مع أهداف التنمية المستدامة.
ولنتذكر أن تحديد ما سنفعل وأين سنقوم به لن يكون كافيًا، لأن هذين العنصرين وحدهما لا يرقيان لمستوى الحافز الحقيقي، وإنما دعونا نبذل قصارى جهدنا لتحديد الطريقة المثلى للتطبيق، بحيث تراعي تنوع كل المجتمعات.