عدادات الدفع المسبق للمياه تثير الجدل مجددا.. 50 عائلة في مردة بسلفيت ترفض النظام الجديد
خاص بآفاق البيئة والتنمية
الجدل حول الدفع المسبق للمياه ليس جديدا ولم يقتصر على بلدة مردة قضاء سلفيت، فمنذ صدور قرار مجلس الوزراء عام 2010 أخذ الموضوع مساحة واسعة من النقاش لدى المجتمع المحلي ومؤسسات حقوقية ومراكز قانونية. قرار آخر صدر عن مجلس الوزراء عام 2018 شجع مــزودي الخدمــات علــى تركيــب العــدادات مســبقة الدفــع مقابــل تحمــل الحكومــة %100 مــن تكلفــة توريــد وتركيــب هــذه العــدادات. فكرة العدادات مسبقة الدفع تتناقض مع حقيقة أن الحصول على المياه حق اساسي من حقوق الانسان، ونصت عليه العديد من الاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة، وذلك ضمن الحق بمستوى معيشي ملائم ومرتبط بالحق في الصحة والغذاء. المفارقة الصارخة تكمن في فرض الحكومة الفلسطينية على الناس أن يدفعوا مسبقا ثمن المياه المنهوبة أصلا من الاحتلال الذي يتحكم بها بشكل كامل بينما الحكومة لا تملك أية سيادة عليها. |
 |
عداد مياه الدفع المسبق |
قبل عام ونصف بدأت بلدة مردة شمال سلفيت بإلزام المواطنين بتركيب عدادات دفع مسبق للمياه أسوة بعشرات القرى والبلدات في الضفة الغربية. منذ ذلك الوقت لم يتوقف الجدل في البلدة حول هذه العدادات ومدى جدواها في بلد يتحكم الاحتلال الإسرائيلي ب 85% من موارده المائية. ويؤكد المجلس القروي أن 90% من سكان مردة التزموا بتركيب العدادات مسبقة الدفع، في إجراء إجباري تم تنفيذه بشكل تدريجي. في المقابل بقي في البلدة قرابة خمسين عائلة ترفض العدادات الجديدة وتصر على حقها في الاختيار بعد بروز مشاكل في الدفع المسبق على حد تعبيرها.
الجدل حول الدفع المسبق للمياه ليس جديدا ولم يقتصر على بلدة مردة، فمنذ صدور قرار مجلس الوزراء عام 2010 أخذ الموضوع مساحة واسعة من النقاش لدى المجتمع المحلي ومؤسسات حقوقية ومراكز قانونية. ونص القرار الصادر بتاريخ 7 حزيران/يونيو 2010، على تركيب عدادات الدفع المسبق ضمن شروط ومواصفات فنية ومساهمة حكومية تصل إلى 50% من تكلفة توريد وتركيب هذه العدادات وأن يكون تركيبها اختياريا وليس إجباريا.
قرار آخر صدر عن مجلس الوزراء عام 2018 شجع مــزودي الخدمــات علــى تركيــب العــدادات مســبقة الدفــع مقابــل تحمــل الحكومــة %100 مــن تكلفــة توريــد وتركيــب هــذه العــدادات، بعــد أن كانــت القــرارات الســابقة تنـص علـى تحمـل مـا نسـبته %50 فقـط مـن هـذه التكلفـة، وخصـم هـذه القيمـة مـن ديـون الهيئـات المحليـة المسـتفيدة.

تركيب قسري لعدادات الدفع المسبق في قرية مردة دون استشارة الأهالي
50 عائلة في مردة ترفض العدادات مسبقة الدفع
رغم مرور عام ونصف على بدء عملية تركيب العدادات الجديدة في بلدة مردة، يصر المواطن محمد الخفش "35 عاما" على رفض العداد مسبق الدفع في منزله، ويؤكد على حقه في الاختيار خصوصا أن القرارات الحكومية منحت هذا الحق لأي مواطن. يستنكر الخفش ما وصفها طريقة "الخاوة" التي لجأ إليها المجلس القروي في فرض العدادات، ويدلل على ذلك بربط حصول أي مواطن على خدمة أو معاملة من المجلس إلا بالحصول على براءة ذمة ومن أحد شروطها كما يقول، تركيب عداد مسبق للدفع. تقدم الخفش وهو معيل لسبعة أفراد، لطلب لمجلس مردة للانتفاع من مشروع لتركيب خلايا شمسية، تم رفض الطلب لإن ليس لديه براءة ذمة ولم يقم بتركيب العداد مسبق الدفع. ليس هذا فحسب، بل تفاجأ مواطنون بوضعهم تحت الأمر الواقع بعد قيام المجلس بخلع العدادات القديمة أثناء غيابهم عن منازلهم واستبدالها بالجديدة.
ومن الأسباب الأخرى التي تجعل الخفش غير مقتنع بالعداد الجديد؛ زيادة الاستهلاك. ويضيف: "بعض الذين ركبوا العدادات المسبقة يعانون من ارتفاع في الاستهلاك، في السابق مثلا كان الشخص يدفع 50 شيكلا، ومع الدفع المسبق أصبح استهلاكه يصل إلى 130 شيكلا".
في المقابل، يؤكد رئيس المجلس القروي على لسان رئيسه بسام ابداح، أن تركيب العدادات مسبقة الدفع أوقف التعديات على شبكة المياه وقلل من الاستهلاك، بالإضافة إلى توفير راتب موظف كان يقوم في السابق بقراءة العدادات. وفي رده على الشكاوي من تزايد الفاتورة الشهرية لأصحاب العدادات الجديدة نفى ابداح هذا الأمر وقال: "من تجربتي الشخصية، كنت أدفع شهريا 120 شيكلا فاتورة للمياه، أما اليوم ومع العداد الجديد انخفض استهلاكي إلى 70 شيكلا".
وبخصوص براءة الذمة أوضح رئيس المجلس القروي أنها مفروضة من وزارة الحكم المحلي وهي إجراء لتنفيذ سياسة عامة بالتوجه نحو العدادات مسبقة الدفع. وشدد على مسألة عدم حرمان أي مواطن من المياه بسبب عدم توفر المال لديه "لم يسبق أن بات مواطن بلا ماء أو كهرباء، أي شخص يأتي إلينا لم نقل له لا، وبخصوص المخاوف من انقطاع المياه فهي متوفرة وقوية ولم تنقطع نهائيا".
ويذكر أن المجلس القروي اتخذ جملة من القرارات في سبيل الوصول إلى تركيب عدادات مسبقة الدفع بنسبة 100% في البلدة. ومن هذه القرارات الإعلان عن تسعيرة مياه مخفضة للملتزمين بالدفع المسبق، الكوب يباع لهم ب 3.5 شيكل مقابل 4.5 شيكل لأصحاب العدادات القديمة.

قرار بعدم إيصال المياه للعدادات القديمة- أي عمليا تعطيش أصحاب تلك العدادات
الحصول على المياه حق أساسي من حقوق الإنسان
الحق في المياه كما حددته خطة عمل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمياه المنعقد في الأرجنتين عام 1977 هو "حق الشعوب في الحصول على مياه الشرب بكميات وبنوعية مساوية لاحتياجاتها الأساسية، بغض النظر عن مرحلة التنمية التي بلغتها وظروفها الاجتماعية والاقتصادية".
أما في القوانين الفلسطينية السارية، فقد نص قانون المياه رقم 3 لسنة 2002 في المادة 3 منه على أن جميع مصادر المياه الموجودة في فلسطين هي أملاك عامة، ولكل شخص الحق في الحصول على حاجته من المياه ذات الجودة والمناسبة لاستعمالها، وعلى كل مؤسسة رسمية أو أهلية تقدم خدمات المياه أن تقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان هذا الحق ووضع الخطط اللازمة لتطوير هذه الخدمات.
وفي دراسة أجراها الباحث معز كراجة لصالح مركز القدس للمساعدة القانونية أفاد أن عدادات الدفع المسبق هي تعبير عن نمط اقتصادي وليس مجرد سياسات إدارية، وهو النمط النيو ليبرالي القائم على تقليص مسؤولية القطاع الحكومي إلى أقصى درجة مقابل تحميل المواطن القسم الأكبر من الأعباء المعيشية. مشيرا إلى أن هذا الأمر يتم دون الالتفات للسياق الفلسطيني المتمثل في وجود احتلال إسرائيلي، وبالتالي يتطلب نمطًا اقتصاديًا قائمًا على ضرورة توفير كل مقومات الصمود.
وبدلًا من تقييد الحق في المياه، واتباع سياسات الدفع المسبق مقابل الخدمات الأساسية (كتركيب العدادات مسبقة الدفع للمياه) لترشيد استهلاك المياه من قبل المواطنين، يطالب الباحث كراجة السلطة الفلسطينية بوضع سياسات عامة تهدف الى زيادة كمية المياه (حصة الفلسطيني من المياه) التي يحصل عليها من الجانب الإسرائيلي.
بدوره أكد المحامي داود درعاوي المختص في القضايا الدستورية وحقوق الانسان على أن الحصول على المياه حق اساسي من حقوق الانسان، ونصت عليه العديد من الاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة، وذلك ضمن الحق بمستوى معيشي ملائم ومرتبط بالحق في الصحة والغذاء.

ازدواجية الأسعار بين عدادات الدفع المسبق والعدادت القديمة
وبالاستناد لهذا الحق يطالب درعاوي بأن "تكفل الدولة حق المياه لكل فرد، بحيث تضمن له مياه الشرب بكمية كافية وغير ملوثة وبشكل ميسور النفاذ والوصول، وبتكلفة مقدور عليها، ولا يجوز للدولة تقييد هذا الحق وفرض قيود تحد من وصول هذا الحق للمواطن أو فرض وسائل تجعل من التكلفة عبئا ومعيقا للوصول الى حق مياه، اذا ما أقدمت الدولة على ذلك فإنها تكون قد انتهكت حقوق الانسان".
وشدد درعاوي على أن إجبار المواطنين على العدادات مسبقة الدفع غير دستوري، مبينا أن "هناك قاعدة دستورية أساسية، تنص على حق المواطن الفلسطيني في العيش بكرامة، ووفقا لقانون اصول المحاكمات المدنية والتجارية: من حق أي مواطن فصلت عنه الخدمات الاساسية الماء أو الكهرباء أن يلجأ الى قاضي الامور المستعجلة وأن يعيدها فورا، الحكومة أيضا بدأت بهذه الاجراءات في وقت أغلقت فيه منافذ الوصول للعدالة وليس المياه فقط عبر رفع رسوم المحاكم بشكل خيالي ".
ويتفق رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة صلاح هنية مع كل ما سبق، ويحذر من تبعات صحية لسياسية تركيب عدادات مسبقة للمياه. قائلاً إن " الدراسات التي اجريت في قرى غرب جنين التي تم تركيب عدادات فيها، بينت اتباع المواطنين لسياسات في تقطير استهلاك المياه، فبدأت تظهر حالات من عدم النظافة، وبداية ظهور لبعض الامراض نتيجة شح المياه والترشيد المبالغ فيه".
وقال هنية ان حجة عدم التزام المواطنين في تسديد فواتير المياه وتراكم الديون باتت غير مقنعة، لإن السبب في تراكم الديون هو المجالس البلدية التي لا تلتزم بتسديد المبالغ المطلوبة منها، رغم قيام المواطنين بتسديد فواتيرهم. وأضاف: "رئيس المجلس المحلي حينما تتوفر في يده سيولة بسبب تسديد فواتير المياه، فإنه يفضل تنفيذ مشاريع صغيرة في بلديته، كشق شوارع صغيرة وطرقات، لنيل وكسب ثقة المجتمع المحلي على حساب الأموال التي دفعها المواطن كأثمان للمياه، فالموضوع بالأساس ناتج عن سوء إدارة".

تعميم من مجلس قروي مردة
مفارقة صارخة: دفع مسبق في بلد يتحكم الاحتلال بكل مصادره المائية
في عام 2105 أنتج مركز العمل التنموي/معا، بالشراكة مع مؤسسة "هينريش بل" الألمانية فيلما وثائقيا ناقش إقرار الحكومة الفلسطينية تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع. وأوضح الفيلم المفارقة الصارخة الكامنة في فرض الحكومة على الناس أن يدفعوا مسبقا ثمن المياه المنهوبة أصلا من الاحتلال والذي يتحكم بها بشكل كامل، بينما الحكومة لا تملك أية سيادة عليها.
ويتساءل الفيلم: كيف نفسر أن بريطانيا صاحبة براءة اختراع خصخصة المياه تراجعت عن تطبيق فكرة العدادات مسبقة الدفع بعد أن انتشر مرض الدوسنطاريا في بعض أحياء الفقراء إثر تركيب عدادات الدفع المسبق؟
لمشاهدة الفيلم الوثائقي يرجى النقر على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=-F0EhzhSLGI&feature=emb_title