خاص بـآفاق البيئة والتنمية
أنهت مبادرة مئوية مدرسة برقين الثانوية، غرب جنين مرحلتها الأولى منتصف آب بعد تسعة أشهر من انطلاقها، واستطاعت جمع نحو ربع مليون شيقل من 220 خريجًا ومتبرعًا، بينهم 14 سيدة، احتفلوا بمرور مئة عام على تأسيس المؤسسة التربوية التي تستقر فوق ربوة غرب البلدة، صارت اليوم تستضيف ساريتين واحدة تحرس علم الوطن، والأخرى تصون شعار المئوية بشمسه وخريجيه.
وجلس أعضاء اللجنة العليا للمئوية وخريجون أسفل جدارية المدرسة، التي حملت شعار (100 عام.. 100 أمل)، وقيموا المبادرة التطوعية في أولى مراحلها، واستعرضوا كشفًا بإنجازاتها، وأقروا خطة مستقبلية لتطوير مدارس البلدة، التي يسكنها نحو 7500 نسمة.
أرشيف مدرسة برقين الثانوية
عمل
وأوضح رئيس بلدية برقين، محمد صّباح، أن الأهم في المبادرة إنعكاسها على العملية التعليمية، وما رافقها من تفاعل كبير داخل الوطن وخارجه، كما جددت التأكيد على استعداد المجتمع المحلي على التطوع والتبرع، وهو ما تحقق في الماضي ببناء مدرسة دلال المغربي بمساهمات الأهالي.
وأشار إلى أن الشراكة في الترميم والعمل، تحفز الطلبة وأعضاء المجتمع للمحافظة على ما تم ترميمه وزراعته، وإشاعة الروح الإيجابية بينهم، وتغيير الصورة النمطية السائدة.
وقال صاحب الفكرة، عبد الباسط خلف، إن المبادرة "ردت الاعتبار للعمل التطوعي المغيّب"، واهتمت بإعادة المجتمع إلى المدرسة، وتطوير مرافقها، وتوثيق إرثها التربوي، والربط بين خريجيها، واستطاعت جمع مساهمات وتبرعات من خريجيها وأصدقائها المنتشرين في فلسطين، والولايات المتحدة، والإمارات، والأردن، والدنمارك، والبحرين، والسعودية، وعملت بشفافية عالية، ونشرت كل التفاصيل المالية والفنية عبر صفحتها الإلكترونية.
وبيّن أن المئوية حرصت على تخضير المدرسة، وتزيين جدراناها، وافتتحت عيادة طبية فيها، وطورت حدائقها، وأمدتها بمشارب جديدة، وبمقصف صحي واسع، وأكملت نواقص غرفها الصفية، ومكتبتها، ومختبراتها.
وذكر خلف أن اللجنة التطوعية كانت فريقًا واحدًا، وحسنت من بيئة المدرسة وستتنقل إلى جوهر التعليم، وتحفيز الطلبة على الإبداع، وإعادة المجتمع إلى المدرسة، والمضي لتطوير البيئة التعليمية لمدارس البلدة كلها، والبناء على ما تم إنجازه.
أعضاء اللجنة العليا لمئوية مدرسة برقين الثانوية
سباق
وأشار عضو الهيئة الإدارية في "حكي القرايا" عبد الكريم شلاميش إلى أن المئوية قدمت نموذجًا للعمل الجماعي تشاركت فيه البلدية ومجلس أولياء الأمور ومتطوعون وناشطات نسويات، وأسست لثقافة الاعتماد على الذات، ولم تهمل الجوانب التراثية من جمع لوثائق وصور ومذكرات، وتواصلت مع عائلات المديرين السابقين، وكرّمت المعلمين المتقاعدين بتوثيق سيرهم.
وأكّد أن فريق المئوية، واصل الليل بالنهار، وكان في سباق مع الزمن، وحقق رغم جائحة "كورونا" إنجازات في وقت قياسي، قلبت حال المدرسة إلى الأفضل، وتستعد للانطلاق نحو المرحلة الثانية، والاهتمام بمدارس برقين الأربع الأخرى.
وذكر شلاميش أن أول متطوع في المدرسة كان الأستاذ نضال عفانة، الذي عمل 17 يومًا بمفرده في تقوية جدران المدرسة وتزيينها، تبعه المتطوعان الأخوان أحمد وقدري حريص في أعمال البناء، تلاهما الأخوان هيثم عتيق وأيمن عتيق، وسبقهما المهندسان الأخوان أيضًا خالد ورامي صبح بأعمال تخطيط وإشراف.
وقالت الناشطة بهية عتيق إن ما حققته المئوية "قفزة نوعية" في بيئة المدرسة، حيث طوّر مرافقها، وقدم تجربة عمل جماعي.
ورأت المربية عبلة حبايب إن المئوية حولت من فكرة افتراضية إلى إنجاز وجهد على الأرض، في "حدث استثنائي" يجري داخل مؤسسة تربوية، تحتفل بمئة عام على تدشينها، وتنطلق إلى المدارس الأخرى، وتحافظ على ما تم إنجازه.
تخضير مدرسة برقين الثانوية بأيادي شبابية تطوعية
تمويل
وبينت المربية وداد شلبي أن الاحتفال بالمدرسة بشكل عملي، قدم رسالة للأهل وللمعلمين وللطلبة أثبت حرص المجتمع المحلي ومؤسساته وفي مقدمته البلدية، على تطوير مشاريعه دون انتظار تمويل دولي.
وقال د. عبد الفتاح عتيق إن المبادرة عبرت عن"روح الانتماء للوطن وللبلدة"، وعززت الارتباط بالأرض والفخر بها، ومن الأهمية بمكان الحرص على استمرارها، وانتقالها إلى قطاعات أخرى صحية وبيئية.
ترميم تطوعي لمدرسة برقين الثانوية
فارق
وأوضح عضو مجلس أولياء الأمور، محمد صبح، أن المبادرة جهد فارق في تاريخ العمل الجماعي، حيث تتوجه مدرسة حكومية بإحياء 100 عام على تأسيسها، ويلتف حولها المجتمع المحلي بالدعم والإسناد، ما ساهم في تقريب المجتمع من المدرسة.
وأضاف: عملنا في المئوية بالبناء، والترميم، والتجميل، وغرس الأزهار والأشجار، وتحسين البيئة الصفية، وحفزنا المجتمع على التطوّع، وعلينا من الآن نقل الاهتمام إلى العنصر البشري.
ووصف المدير الإداري في "التربية والتعليم، عبد السلام أبو العز ما شهدته المبادرة بـ "عمل تشاركي" وجد صداه في كل المحافظات، وميّز مدرسة برقين عن كثير من نظيراتها في الوطن، بما شهدته من تطوير وتجميل، وما وفرته من مقومات.
وأضاف إن الانظار موجهة الآن نحو الطلبة وتنتظر منهم الإنجاز، كما تحث المجتمع المحلي على دعم موقع المدرسة كجزء هام، يحتاج كل جهد.
جدار مدرسة برقين الثانوية أثناء ترميمه
استدامة
واقترح أبو العز تعميم مبادرة المئوية والإبقاء على لجنتها التطوعية، كي تعمم على قطاعات أخرى تربوية وصحية وخدماتية وبيئية في برقين، ولتكون المئوية مثالاً يحتذى به.
وأوضح مدير المدرسة، رائد عرقاوي، أن المئوية جمعت أطراف العملية كلهم للمحافظة على صرح تربوي، وكرمت المدراء والمعلمين السابقين، وأعادت ترميم العلاقة بين المدرسة والمجتمع.
وقال عرقاوي إن المئوية إنعكست على المدرسة، وطوّرت مرافقها، ورممت أسوارها، وكانت "حدثًا لم يسبق له مثيل".
واعتبر الأستاذ هشام عتيق المئوية تكريساً لإرادة التغيير، وتعزيزاً لروح العمل كفريق.
وذكر منسق مركز إبداع المعلم، عبد الله جرار، أن سر نجاح المبادرة تخصصها في شأن تعليمي، وبذلها جهودًا كبيرة في تطوير المدرسة، منتظراً ان ينعكس ذلك على التعليم.
وأضاف أن المئوية نجحت في ظل ظرف صعب بفعل "الكورونا"، واستطاعت جمع الخريجين وتوثيق ذكرياتهم، وإعادتهم إلى مؤسسة عريقة كانت مسرحًا لطفولتهم ولأيام شبابهم.
وقال عضو بلدية برقين فاعور صبح إن المئوية "استنهضت البلد في العمل التطوعي"، وقدمت مثالًا لعمل كبير برؤية وإصرار، وحفزت المجتمع المحلي على العطاء.
وأوضح صبح أن نقل رسالة المئوية ومبادرتها إلى الأبناء، وتحويلها إلى نقاش يومي داخل الأسرة، سينعكس إيجابًا على المدرسة، وسيغير الواقع التربوي للأفضل.
وذكر عضو البلدية، أحمد جلامنة، أن المئوية نجحت في تفعيل الجانب المادي والالتفاف نحو المدرسة، وينتظرها "مهمة أكبر" في التأثير على العنصر البشري، ودفعه للاهتمام بالمنجز.
حديقة في مدرسة برقين الثانوية أنشأها متطوعون شباب وشابات
توثيق
وشهد فضاء "فيس بوك" الأزرق نشرًا يوميًا لوثائق وصور وذكريات ومقترحات تفاعلية جديدة، ونقلاً لمستجدات التبرعات، والتطوع، حيث استقبل عشرات الأصدقاء من شخصيات اعتبارية فلسطينية وعربية.
وفي رصيد الوثائق، ثمة نحو 100 ألف صورة وذكرى وتفاعل في فترة قياسية، كما وصلت لكل المدراء السابقين للمدرسة خلال مئة عام، 4 منهم من نابلس: المرحوم المؤسس نجيب الخياط، ووزير الأشغال العامة في الحكومة الأردنية الأسبق المرحوم عبد اللطيف عنبتاوي، والشيخ حريص الخطيب، والمرحوم حافظ شاهين، واللافت أن غالبية المدراء قبل النكبة تنقلوا بين اللد ويافا والقدس ونابلس وحيفا. وجرى التواصل مع أولادهم وأحفادهم وجمع صورهم وذكرياتهم.
واللافت انضمام عشرات المتطوعين في التخطيط والهندسة المعمارية والمدنية، والبناء، والتمديدات الصحية، والدهان، والصيانة، والفن على الجدران، وأشغال الألمنيوم، والحدادة، وغيرها.
عمل جماعي تطوعي في مدرسة برقين الثانوية تشاركت فيه البلدية ومجلس أولياء الأمور ومتطوعون وناشطات نسويات
جائحة
وقطعت جائحة "كورونا" التحضيرات لأحياء المناسبة بفعاليات ضخمة، وعقد تظاهرة تجمع أكبر عدد من معلميها وطلبتها القدامى، وتدشين حديقة بيئية تعليمية، وتوثيق تراثها وعرضه، وإنتاج فيلم وثائقي قصير حولها، وتلحين أنشودة خاصة، وإطلاق جائزة للأبحاث التطبيقية التربوية على مستوى الوطن، وتنفيذ فعاليات إبداعية وتطوعية، وإطلاق مارثون رياضي بمشاركة محافظات الوطن
وتعاقب على المدرسة 13 مديرًا بعد عام 1948، وخرّجت العديد من الأطباء، والمهندسين، والتربويين، والمبدعين، ووزير الثقافة الأردني، ومهندس في وكالة "ناسا" الأميركية، ورياديين، وأكاديميين.
وتُنشر مراراً على الصفحة مقتطفات من تاريخ المدرسة المرتبط بالبيئة والطبيعة، اشتملت نشاطات جماعية أبرزها فرقة الكشافة، والتجوال في رحلات جبلية، وانتخاب هيئة الهلال الأحمر والنشاط البيئي، والعمل الزراعي، وتوزيع الحديقة على الطلبة، وتقديم حوافز للأفضل زراعيًا، إضافة إلى غرس أشجار في محيطها، ورعايتها من الطلبة بإشراف معلم العلوم العامة والتعليم الزراعي، وهو ما تسعى المبادرة إلى إعادته.
وكان د. عبد الرازق جرار، الذي تعلم في المدرسة مطلع الأربعينيات، هو وطلبة صفه يتناوبون يومياً على ري شتلات السرو والصنوبر، وكانوا ينقلون المياه بالأيدي إلى أن كبرت وأصبحت باسقة.
aabdkh@yahoo.com