الإستثمار المُستدام لتَحسين مُستَقبل المُحيطات والغُلاف الجَليدي للحَدِ من الآثار السَلبية للتَغيُرات المُناخِية
مركز البحوث الزراعية/ مصر
قَامت الهيئة الحُكومية الدولية المَعنية بالتَغيرات المُناخية في سبتمبر من العام 2019 بنشر تَقريرها الخَاص الثَالث والأخير من سلسلة التَقارير الخاصة بها قبل صدور التَقرير السادس للتغيرات المُناخية في عام 2022 تَحت عنوان المُحيطات والغُلاف الجَليدي في ظل تَغير المُناخ (تَناول التَقرير الأول من هذه السلسلة موضوع التَغيرات المُناخية والأرض، وتَنَاول التقرير الثاني تَغير المُناخ والتصحر وتَدهور الأراضي والإدارة المُستَدامة للأراضي والأمن الغذائي وتَدفقات غازات الإحتباس الحراري في النظم الإيكولوجية الأرضية).
وُوثق التَقرير الثَالث والخَاص بالمُحيطات والغلاف الجليدي في ظل التغيرات المناخية الفوائد النَاجمة عن إتخاذ اجراءات طَموحة ونَاجحة للتَكيف من أجل تَحقيق التَنمية المُستدامة، كما تَناول أيضاً التَكاليف والمَخاطر المُتَرتبة عن التأخر في تَنفيذ هذه الإجراءات.
وأشَار التَقرير الخَاص بالمُحيطات والغلاف الجليدي في ظل التغيرات المناخية إلى أن درجات الحرارة في العصر الحالي تَجاوزت درجات الحرارة في عصر الثَورة الصناعية وما قَبلها بنحو درجة مئوية واحدة بسبب ارتفاع نسب غازات الإحتباس الحراري، كما أن ثمة دليلٌ دامغ على أن لهذا آثار سلبية على النُظم الايكولوجية، كما اصبحت المُحيطات أكثر حُمُوضَةُ وأقل إنتاجاً، وتَسَبَب إنصهار الصَفائح الجليدية في ارتفاع مستوى سطح البحر وفي زيادة شدة الظواهر المُتطرفة.
المُقدمة
يَعتمدُ الجنس البشري على ظهر الكرةِ الأرضية بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ على المُحيطات والغُلاف الجليدي، وتُغطي المُحيطات نحو 71% من مساحة الأرض وتَحتَوي على نحو 97% من المياه في كوكبِ الأرض.
ويُعرَّف الغلاف الجليدي على أنه أحد مُكونات نظام الأرض، ويَشمل كل ما هو مُتَجمد فوق سطح الأرض أو أسفلها والمُحيطات المُتجمدة بما في ذلك الغِطاء الثَلجي والأنهار الجَليدية والصَفائح الجَليدية والأرفُف الجَليدية وجِبالِ الجَليد وجليد البحر (مياه البحار التي تَتَجمد) والبحيرات الجَليدية والأنهار الجَليدية والتُربة الصقيعية Thawing Permafrost(هي أية أرض تَظل مُجمدة بالكامل عند صفر درجة مئوية أو أكثر بحد أدنى عامين على التوالي)، والأرض المُجمدة موسمياً.
تُغَطَي نحو 10% من مساحة الأرض بالأنهار الجَليدية أو الصفائح الجليدية (Ice Sheets)، وتَتَعرض المُجتمعات البشرية التي تَرتَبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئات الساحلية والجُزُر الصغيرة والمَناطق القطبية والجبال العالية بشكلٍ خاص، لتَغير في المحيطات والغلاف الجَليدي كارتفاع مستوى سطح البحر الشديد وتَقلص الغلاف الجليدي.
يَقطُن نحو أربعة ملايين شخص بشكلٍ دائمٍ في منطقة القُطب الشَمالي 10% منهم من السكان الأصليين، كما تَضُم المَنطقة السَاحلية المُنخفضة حَالياً ما يَقرُب من 680 مليون شخص ومن المُتَوقع أن تَصل إلى أكثر من مليار نسمة بحلول عام 2050، وتأوي دول الجُزُر الصغيرة النامية نحو 65 مليون شخص، ويَعيش نحو 670 مليون شخص بمن فِيهم السُكان الأصليون في المناطقِ الجبليةِ العاليةِ في جميع القارات بإستثناء القارة القطبية الجنوبية، ومن المُتَوقع أن يَصل عدد السكان في المناطق الجبلية العالية إلى ما بين 740- 840 مليون نسمة بحلول عام 2050.
ويُوثق التَقرير الخاص بالمُحيطات والغلاف الجليدي في ظل التغيرات المُناخية والتابع للهيئة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية الفوائد الناجمة عن إتخاذ اجراءات طموحة ونَاجحة للتَكيف من أجل تَحقيق التَنمية المُستدامة.
وخلُصَ مُلخص صانعي القرار لهذا التقرير إلى رصد بعض الشواهد والتي تَتَمثل في التالي:
أولاً: التَغيرات المَرصودة وتَأثيراتها
- التَغيُرات المادية (الفيزيائية) المرصودة
- على مدارِ العقودِ الماضية أدي الاحتباس الحراري إلى تَقلُص واسع النطاق للغلاف الجليدي وانخفاض الغطاء الثلجي وتَقَلُص سماكة الجليد البحري في القطب الشمالي وزيادة درجة حرارة التربة الصقيعية.
- لا شك أن المحيط العالمي قد زَادت درجة حرارته دون انقطاع مُنذ عام 1970 وامتصَ أكثر من 90٪ من الحرارة الزائدة في النظام المناخي، ومنذ عام 1993 زاد مُعدل ارتفاع دَرجة حرارة المُحيطات بأكثر من الضعف، كما تَضَاعفت وتيرة موجات الحرارة البحرية منذ عام 1982 فضلاً عن تَزايد حِدتِها، كما أن امتصاص المَزيد من ثاني أكسيد الكربون يَعمل على زيادة حُمُوضَةِ المُحيطات. وبحلول عام 2100 ستَمتَص المُحيطات نحو 2- 4 أمثال الحرارة مُقارنةً بسبعينيات القرن العشرين، وامتصت المُحيطات منذ ثمانينيَاتِ القرن الماضي ما مقداره بين 20- 30% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، والنَاجمة عن الأنشطة البشرية مما تَسَبَب في زيادة حُمُوضَةِ المُحيطات.
- مُتوسط مُستوى سطح البحر العالمي (GMSL) آخذ في الارتفاع المُتزايد في العقود الأخيرة بسبب زيادة مُعدلات فقدان الجليد من الغطاء الجليدي فيجرينلاند والقطب الجنوبي، بالإضافة إلى استمرار فقدان الكتلة الجليدية والتَمدد الحراري للمحيطات. وتُؤدي الزيادات المُتَتَالية في رياح الأعاصير المَدارية وهطول الأمطار والزيادات في الأمواج الشَديدة إلى جَانب الارتفاع النسبي في مستوي سطح البحر إلى تَفاقُم الأخطار على المُدن الساحلية.
- التَأثيرات المَرصودة على النظم الإيكولوجية
- أثرت التَغيرات الجيولوجية في الغلاف الجليدي وما يَرتبط به من تَغييرات هيدرولوجية على النُظم الإيكولوجية الأرضية والمياه العذبة في المناطق الجبلية العالية والقطبية عن طريق ظهور الأرض التي سبق أن غطاها الجليد والتَغيُرات في الغِطاء الثَلجي وانصهار الثليج المُغطي للتربة الصَقيعية. وسَاهمت هذه التَغييرات في تغيير الأنشطة الموسمية ووفرة وتَوزيع الأنواع النباتية والحيوانية ذات الأهمية الإيكولوجية والثقافية والاقتصادية وزيادة الاضطرابات البيئية وخلل في وظائف النظام الإيكولوجي.
- منذ عام 1950 خَضعت العديد من الأنواع البحرية في مُختلف المَجموعات لتَحولات في النطاق الجغرافي والأنشطة المُوسمية استجابة لارتفاع درجة حرارة المُحيط وتَغير الجليد البحري والتَغيرات في الدورات البيوجيوكيميائية (الجيو كيميائية الحيوية) المُختلفة.
- تَأثرت النُظم الإيكولوجية السَاحلية تَأثُراً مَلحوظاً ومَرصوداً بإرتفاع حرارة المحيطات بما في ذلك موجات الحر البحرية المُكثفة وزيادة حُمُوضَةِ المُحيطات وفقدان الأكسجين وتَسرب المياه المالحة الى الطبقات الجوفية وارتفاع مستوى سطح البحر جَنباً إلى جَنبٍ مع الآثار الضارة النَاجمة عن الأنشطة البَشرية على المُحيطات والبر.
- التَأثيرات المرصودة على الناس والخدمات الإيكولوجية
- منذ مُنتصف القرن العشرين أدى انكماش الغُلاف الجليدي في المناطق القطبية الشمالية والجبلية العالية، إلى تَأثر الأمن المَائي والغذائي وموارد المياه ونَوعية المياه، وسُبل العَيش والصحة والرفاهية والبنية التحتية والنقل والسياحة تَأثراً سَلبياً بالتَغيرات في الغطاء الثلجي والبحيرات الجليدية والأنهار الجليدية والتُربة الصقيعية، حيث أدت هذه التَغيرات إلى تَعطيل الوصول إلى مناطق الرعي والصيد البري وصيد الأسماك ومناطق التَجمع وإتاحة الغذاء، مما أضَر بسُبلِ العيشِ والهوية الثَقافية وخاصةً السكان الأصليون.
- هُناك عواقب سَلبية على الصحة والرفاهية المُجتمعية وعلى الشعوب الأصلية والمُجتمعات المَحلية التي تَعتمد على مصائد الأسماك نتيجة للآثار المُترتبة على خَدمات النظم الإيكولوجية، حَيثُ أدت التغييرات في المحيطات على النظم الإيكولوجية البحرية وخدمات النظم الإيكولوجية الى آثار سلبية على الأمن الغذائي، من خلال مَصايد الأسماك وسُبل العيش والسياحة وهو الأمر الذي يُشكل تَحدياً لنُظم الحَوكَمة.
- تَتَعرض المُجتمعات الساحلية لأخطار مُتعددة مُتعلقة بالمُناخ بما في ذلك الأعاصير المدارية وإرتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات الشَديدة والأمواج البحرية الحَارة وفُقدان الجليد البحري وذوبان التربة الصقيعية. وتم تَنفيذ مجموعة مُتنوعة من الإجراءات في جميع أنحاء العالم مُعظَمُها بعد الأحداث الشديدة التي حَدثت في كثير من الدول، ولكن منها أيضاً إجراءات تَحسُباً لارتفاع مستوى سطح البحر مُستقبلياً.
ثانياً: المخاطر والتغييرات المُتوقعة
- التغييرات المادية (الفيزيائية) المُتوقعة
- من المُتوقع استمرار فقدان الكتلة الجليدية على النطاق العالمي وإنخفاض مساحة التربة الصقيعية وتَراجع الغطاء الثلجي ومدي الجليد البحري في القطب الشمالي في المدى القريب (2031- 2050) بسبب زيادة درجة حرارة الهواء السطحي. ومن المُتوقع أن تُفقَد الصَفائح الجليدية لجرينلاند والقطب الجنوبي بمُعدل مُتزايد خلال القرن الحادي والعشرين وما بَعده.
- تُؤكدُ كافة الدراسات على إستمرار مياه المُحيطات في الدفء طوال القرن الحادي والعشرين، وبحلول عام 2100 من المُتَوقع أن تَزداد حرارة طبقة السطح ( 0- 2000 متر من المحيط) نحو 5-7 أمثال مُعدل حرارة المحيط المُتَراكمة والمرصودة منذ عام 1970 تحت السيناريو (RCP8.5) أو 2-4 أمثال المُعدل المرصود في عام 1970 تحت السيناريو (RCP2.6). ويُؤدي إستمرار امتصاص ثاني أكسيد الكربون من قبل المحيطات بفعلِ الأنشطةِ البشرية بحلول عام 2100 بالضرورة إلى أن حُمُوضَة مياه البحر تَتَعدَّل في عملية تُعرف باسم تَحمُّض المحيطات، وبحلول عام 2081 - 2100 فمن المُتوقع أن يَتَنَاقص الأسّ الهيدروجيني (PH) لسطح المحيطات بحوالي 0.3 وحدة من الأس الهيدروجيني مقارنةً بالفترة 2006 -2015 وذلك تَحت ظروف السيناريو (RCP8.5).
- يَستمر مستوي سطح البحر في الارتفاع بمُعدل مُتزايد، فمن المُتَوقع أن تَحدُث أحداث الطقس المُتطرفة مرة كل عام على الأقل (extreme events) والتي كانت تُعد نَادرة الحدوث تَاريخياً (مرة كل قرن في الماضي القريب) في العديد من المواقع بحلول عام 2050 وفي جميع سيناريوهات(RCP) وخاصةً في المناطق الأستوائية. كما أنه من المُتَوقع أن يَستَمر ارتفاع مستوي سطح البحر الى ما بعد 2100 في جميع سيناريوهات (RCP) وبالنسبة لسيناريوهات الإنبعاثات العالية (RCP8.5) فإن تَوقعات ارتفاع مستوى سطح البحر في العالم بحلول عام 2100 أكبر مما كَانت عليه في التقرير الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (AR5) نَظراً لمساهمة أكبر من الغطاء الجليدي في انتاركاتيكا في ارتفاع مستوى سطح البحر.
- المخاطر المُتَوقعة على النظم الإيكولوجية
- سَتَستَمر التغيرات المستقبلية للغلاف الجليدي في تَغيير النظم الإيكولوجية الأرضية والمياه العذبة في المناطق الجبلية العالية والمناطق القطبية مع حدوث تَحولات كبيرة في تَوزيع الأنواع مما يُؤدي إلى تَغييرات في بنية النظام الإيكولوجي ووظائفه وفي نهايةِ المطاف فقدان التَنوع البيولوجي الفريد عالمياً. ومن المُتَوقع أن تَزداد الحَرائق فيما تَبقى من أعوام في هذا القرن بشكلٍ كبير في معظم مناطق التَندرا والغَابات الشمالية (غابات تحت قطبية مُتميزة بغطاء نباتي متكون من الأشجار الصنوبرية مُستديمة الخضرة والمُتأقلمة مع المناخ البارد)، وكذلك في بعض المناطق الجبلية.
- من المُتوقع أن يَحدُث انخفاض في الكتلة الحَيوية العالمية لمُجتمعات الحيوانات البحرية وإنتاجها ومَصايد الأسماك المُحتملة، كذلك تَحَول في تَكوين الأنواع في النظم الإيكولوجية للمُحيطات من السطحِ إلى القاعِ العميق تَحت جميع السيناريوهات المُختلفة للإنبعاثات. ومن المُتوقع أيضاً أن يَكون مُعدل وحجم الإنخفاض في الكتلة الحيوية أعلى في المناطق الإستوائية، في حين تَظل التَأثيرات مُختلفة في المناطقِ القطبية. زيادة حُمُوضَة مياه المحيطات وفقدان الأكسجين وانخفاض مدى الجليد البحري فضلاً عن الأنشطة البشرية غير المُناخية تُؤدي الى تَدمير النُظم الإيكولوجية.
- من المُتوقع في ظلِ درجات الحرارة المُرتفعة أن تَكون مخاطر التَأثيرات الشَديدة على التنوع البيولوجي وهيكل ووظيفة الأنظمة الإيكولوجية الساحلية مُرتفعة، وتَشمل استجابات النظام البيئي المُتوقعة فقدان موائل الأنواع وتَنَوعِها وتَدهور وظائف النظام الإيكولوجي. ومن المُتوقع للنظم الإيكولوجية الحساسة مثل الأعشاب البحرية (seagrass meadow) وغابات العشب البحري (kelp forest) أن تَتَعرض لمخاطر عالية إذا تَجاوزت درجات الحرارة درجتين مئويتين أعلى مما كانت عليه إِبّان ما قبل عصر الثورة الصناعية. كما أن هناك خطورة كبيرة على الشِعاب المُرجانية في المياهِ الدافئة ومن المُتَوقع أن تَنتَقل إلى درجة عالية من الخطورة حتى لو اقتصر ارتفاع درجة الحرارة على 1.5 درجة مئوية وليس درجتين مئويتين.
- المخاطر المُتَوقعة على الناسِ والخدمات الإيكولوجية
- من المُتوقع أن تُؤثر التغييرات المُستقبلية للغلاف الجليدي على موارد المياه واستخداماتها، مثل الطاقة المائية (الكهرومائية) والزراعات المروية في المناطق الجبلية العالية وفي أسفل مجري النهر وكذلك سُبل العيش في القطب الشمالي، ومن المُتوقع أن تُؤدي التَغييرات في الفيضانات والانهيارات الثلجية والانهيارات الأرضية إلى زيادة المَخَاطر على البنيةِ التَحتية والمواقع الثقافية والسياحية والتَرفيهية.
- من المُتوقع أن تُؤثر التغييرات المستقبلية للتغيرات المُناخية سلبياً على تَوزيع الأسماك وقلة كميات هذه الأسماك وإمكانية صيدها وهو ما له من تَأثير سلبي بالتبعية على الدخل وسُبُل العيش والأمن الغذائي للمُجتمعات التي تَعتَمد على الموارد البحرية. كما أن فقدان النظم الإيكولوجية البحرية وتَدهورها على المدى البعيد، يُعَرض القيم الثقافية والترفيهية والجوهرية المُهمة في هوية ورفاهية الإنسان للخطر.
- من المُتوقع أن يُؤدي إرتفاع مستوى سطح البحر بالإضافةِ إلى ارتفاع درجة حرارة المحيطات وزيادة حُمُوضَة المُحيطات إلى تَفاقم المخاطر التي تُهدد المُجتمعات البشرية في المَناطق الساحلية المُنخفضة.
- وفي ظلِ غياب خُطَط وبرامج التَكيف الطموحة لمجابهة التغيرات المناخية وفي ظل الاتجاهات الحالية المُتَمَثلة في زيادة هشاشة المجتمعات الساحلية، فإن المخاطر الناجمة عن إرتفاع مستوى سطح البحر مثل التَعرية وفقدان الأرض والفيضانات والملوحة وتَأثيراتها المُتَتَالية من المُتوقع أن تَزداد بشكلٍ كبيرٍ خلال هذا القرن تحت ظروف جميع سيناريوهات انبعاثات غازات الإحتباس الحراري، ووفقًا لهذه السيناريوهات فمن المُتَوقع أن تَزيد الأضرار النَاجمة عن الفيضانات الساحلية السنوية بحلول عام 2100 بمقدار 2-3 أمثال ما عليه اليوم.
ثالثاً: تَنفيذ إجراءات التكيف على التغيرات الحادثة في المحيط والغلاف الجليدي
- التحديات
تَتَحدى تَأثيرات التَغيرات المُناخية على المُحيط والغلاف الجليدي بشكلٍ مُتزايد جهود الإدارة الحالية لتَطوير وتَنفيذ إجراءات التَكيف على الصَعيدين المَحلي والعَالمي. كما وتُوجد عَوائق مَالية وتُكنولوجية ومُؤسسية وغيرها من العوائق أمام تَنفيذ إجراءات التَكيف ضد الآثار السلبية الحَالية والمُتَوقَعة للتَغيرات المُناخية على المُحيطات والغلاف الجليدي، ما يَعوق بناءِ القدرة على الصمود وتَدابير الحد من المخاطر.
- تعزيز خيارات الاستجابة
- من المُمكن دَعم الخَدمات والخيارات بعيدة المدى التي تُوفرها النظم الإيكولوجية المُتعلقة بالمحيطات والغلاف الجليدي عن طريقِ الحمايةِ والإصلاحِ والإجراءات الاحترازية القَائمة على النظام الإيكولوجي لإستخدام الموارد المُتجددة والحد من التلوث وغيرها من الضغوطات الأخرى. فالإدارة المُتكاملة للمياه والتَكيف القائم على النظم الإيكولوجية (EBA) يَعمل على تَقليل مَخاطر المُناخ مَحلياً وتُوفر فوائد مُجتمعية مُتَعددة. ومع ذلك تُوجد قيود بيئية ومالية ومُؤسسية وحكومية لمِثل هذه الإجراءات، وفي نهاية المطاف لن يَكون التَكيف القائم على النظم الإيكولوجية فعالاً إلاّ في ظلِ أدنى مُستويات الاحتباس الحراري (خفض درجات الحرارة 2 درجة مئوية).
- تُواجه المُجتمعات الساحلية خيارات صعبة في صياغة استجابات مُحددة ومُتكاملة لارتفاع مستوى سطح البحر تَعمل على موازنة التكاليف والإيرادات (المنافع) والمُفاضلة بين الخيارات المُتاحة والتي يُمكن تَعديلها بمرور الوقت.
- شروط التمكين
- يَعتمد تَمكين التَكيف ضد التَغيرات المناخية والتَنمية المُستدامة بشكلٍ حاسمٍ على تخفيضاتٍ مُلحّة وطَموحة للانبعاثات مقرونة بإجراءات تكيف مُنسقة وطموحة بشكلٍ مُتزايد. وتَشمل عوامل التَمكين الرئيسية لتنفيذ الاستجابات الفعالة للتغيرات ذات الصلة بالمُناخ في المحيطات والغلاف الجليدي، تَكثيف التعاون والتنسيق بين الجهات التنفيذية بالحكومة عبر النطاقات المكانية وآفاق التخطيط، وتَشمل أيضاً التعليم ومحو الأمية المناخية والرصد والتَنبؤ واستخدام جميع مصادر المَعرفة المُتاحة وتَبادل البيانات والمعلومات والمعارف والتَمويل والدعم المؤسسي والمساواة والشفافية.
- وتُتيح الاستثمارات في مجالات التَكيف بناء القدرات والتعلم الاجتماعي والمشاركة في التكيف من خلال السياق المحدد، بالإضافة إلى التفاوض بشأن تَحقيق المنافع المُشتركة في تقليل المخاطر قصيرة الأجل وبناء المرونة والاستدامة على المدى الطويل.
وفي الآخير يُمكننا القول أنه إذا فَهمنا جَيداً أسباب التَغيرات المُناخية والآثار النَاجمة عنها وقَيمنا الخيارات المُتاحة والتي لم يَعد من المُمكن التغاضي عنها الآن للتكيف مع التغيرات المناخية والتي يَتعرض لها ساكنو كوكب الأرض والتي ستواجهها الأجيال المقبلة، فبوسعنا تَعزيز قُدرتنا على التكيف مع هذه التغيرات وذلك وفقاً لأهداف التنمية المستدامة، كما أنه كلما إتخذنا القرارات الصحيحة في وقتٍ مبكر ٍوبطريقةٍ حاسمة كلما تَمكنا من إدارة التغيرات المُناخية ومَخاطرها وتَحسين سُبل العيش وتَحقيق الإستدامةِ للنظم الإيكولوجية المُختلفة على سطح الأرض. ومن جهةٍ أخرى يجب العمل على تَطوير وتنمية الإطار الإستثماري للأنشطة المَعنية بالتخفيف والتكيف مع آثار التغيرات المُناخية حيثُ يجب أن يكون الإطار الإستثماري مَعنِيّ تماماً بالبيئةِ النظيفةِ في جميع مجالات وقطاعات الإقتصاد العالمي، والتركيز على إزالة المعوقات وتَحويل الأسواق من أجل الطاقة النظيفة وآليات التنمية المستدامة.
ويتناول الإستثمار المستدام تحويل أنشطة القطاعات الإقتصادية المختلفة إلى الإقتصاد الأزرق (المحيطات) مع تَوجه فرص الإستثمار إلى الإقتصاد الأزرق بالإضافة إلى الإقتصاد الدائري ويَشمل مفهوم اقتصاد المحيطات الأنشطة قليلة الإستخدام للموارد الطبيعية والتي تَدعم أنماط الاستهلاك المستدامة التي لا يَتولد عنها أي من غازات الإحتباس الحراري او يَتولد عنها انبعاثات قليلة من غازات الإحتباس الحراري. كما يَسعى إلى المساهمة في جهود التَخفيف والتكيف لمعالجة مخاطر تَغير المناخ التي تَتَجلى في ارتفاع مستوى سطح البحر وارتفاع حُمُوضَة مياه البحر.
وعليه فإنه يَجب تَعديل التشريعات البيئية وتَطوير نظم الإدارة البيئية وذلك لتَوفير فرص الإستثمار الجادة والحقيقية، وتَسهيل جذب الإستثمارات بدون أي عوائق أوقيود.