
ريو دي جانيرو/ خاص: في مواجهة الضغوط القوية من مستثمرين يطلبون "نتائج" ملموسة في مكافحة عمليات قطع الأشجار في الأمازون، يبدو أن الحكومة البرازيلية بدأت اعتماد نهج مغاير، لكنها لا تزال تحت الاختبار بانتظار ترجمة أقوالها إلى أفعال. فمجرد تعهد نائب الرئيس هاميلتو نموراوفي تموز الماضي تقليص عمليات إزالة الأحراج والحد من الحرائق إلى "حد أدنى مقبول"، هو في ذاته اختراق كبير.
وقبل أقل من سنة حين كان المجتمع الدولي وعلى رأسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحت الصدمة لرؤية النيران تلتهم مناطق برمتها في غابات الأمازون، اختار الرئيس البرازيلي اليميني غايير بولسونارو الهروب إلى الأمام، عبر إنكار المشكلة والحديث عن مؤامرة "استعمارية" تهدد سيادة البرازيل.
لكن في نهاية الشهر الماضي، مع تهديد صناديق استثمارية من أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية تدير أصولا بأربعة آلاف مليار دولار بسحب استثماراتها من البرازيل، تبدلت الصورة تماماً.
ويقول أندريه برفيتو، الخبير الاقتصادي في شركة "نيكتون" الاستشارية "أن يأتي الضغط من مستثمرين لا من قادة دول يُغيِّر المعادلة". واستمعت الحكومة البرازيلية إلى هؤلاء المستثمرين الأسبوع الماضي عبر الفيديو، وأقر نائب الرئيس موراو بأن الكلام المعسول لا يكفي لمواجهة الأزمة. وقال إثر الاجتماع "هم لم يتعهدوا في أي لحظة تقديم أموال بل إنهم يطالبون برؤية نتائج عبر الحد من عمليات قطع الأشجار".
وتأخذ الحكومة البرازيلية تهديدات المستثمرين على محمل الجد، إذ أنها ستحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أموال من الخارج لإعادة إطلاق الاقتصاد المحلي بعد التبعات الثقيلة لوباء كورونا الذي أصاب مليوني مواطن. ويوضح السفير البرازيلي السابق لدى الولايات المتحدة، روبنس باربوسا، وهو مدير "معهد العلاقات الدولية والتجارة"، أن "البرازيل تعوّل على الاستثمار الخارجي لتحضير مسار الخروج من الأزمة، مع مشاريع كبرى في مجال البُنى التحتية خصوصاً معالجة المياه".
وأكد وزراء مال سابقون ورؤساء سابقون للبنك المركزي البرازيلي في تموز الماضي في رسالة مفتوحة أن نقص الجهود لمكافحة ارتفاع درجة حرارة الأرض وما ينجم عنه من تغير المناخ "قد تكون له تبعات أخطر بكثير من الوباء". كذلك لا يتوقع الناشطون البيئيون الكثير من التغير في خطاب الحكومة اليمينية الراغبة في استغلال أراضي السكان الأصليين والمحميات الطبيعية للأنشطة المنجمية أو الزراعية ما يزيد عمليات قطع الأشجار. ويقول مارسيو أستريني، الأمين التنفيذي لـ"مرصد المناخ"، وهو ائتلاف منظمات غير حكومية ناشطة في مكافحة تغير المناخ "أين هي الخطة الملموسة وبأي موازنة؟ لا نرى سوى شعارات من دون أي إشارة إلى تغيير حقيقي في السياسة".
وتبعث الأرقام المسجلة في هذا المجال على القلق، مع مستوى قياسي في عمليات قطع الأشجار في النصف الأول من السنة الحالية، بنسبة أعلى بـ25% مقارنة مع الأشهر الستة الأولى من العام المنصرم.
وفي مايو/أيار الماضي، وتحت ضغوط المجتمع الدولي ومنظمات حماية البيئة، أرسلت الحكومة الجيش إلى غابات الأمازون للتصدي للحرائق التي تأتي على مساحات حرجية واسعة في كل موسم جفاف. غير أن نائب الرئيس موراو أقر بأن هذه العمليات "تأخرت كثيراً".
ونتيجة لذلك، عاشت البرازيل أسوأ شهر يونيو/ حزيران منذ 13 عاما على صعيد حرائق الغابات التي غالباً ما يتسبب بها مزارعون كبار بهدف الزراعة أو رعاية الماشية.
مع ذلك، أكدت وزيرة الزراعة البرازيلية تيريزا كريستينا أخيراً أن البرازيل "لا تحتاج" إلى قطع الأشجار في الأمازون لاستغلال قدراتها الهائلة في المجال الزراعي.
وتدرك الوزيرة، المدافعة بشراسة عن مصالح المجموعات العملاقة في مجال الصناعات الغذائية البرازيلية، أن هذا القطاع يعتمد على التصدير إلى بلدان تتمنع بصورة متزايدة عن شراء منتجات "متأتية من أنشطة قطع أشجار". وبيّنت دراسة نشرت نتائجها مجلة "ساينس" الأميركية في تموز الماضي أن خُمس صادرات الصويا واللحوم من البرازيل إلى الاتحاد الأوروبي مصدرها أراضٍ شهدت عمليات قطع أشجار غير قانونية.
ويحذر روبنس باربوسا من أن "البرازيل لا يمكن أن تسمح بعزل نفسها وعليها التكيف مع التغييرات في نظرة العالم إلى المسائل البيئية". ويضيف "لا يمكن الحديث عن تهديد لسيادتنا. فقد وقعت حكومة بولسونارو بملء إرادتها على الاتفاق التجاري بين السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية والاتحاد الأوروبي والذي يشمل فصلا مخصصا للتنمية المُستَدامة". ويشير مارسيو أستريني إلى أن "العالم تغير غير أن حكومة بولسونارو تواصل السباحة عكس التيار".