التسونامي الالكتروني
أعلم أنه بمجرد قراءتكم لعنوان المقالة قد يتبادر إلى أذهانكم العديد من الأفكار، فقد يكون الموضوع متعلق بالتسونامي او ممكن بالتجارة الالكترونية أو الاثنين معا، لكن العنوان يعكس واقعا آخر، نعم إنها النفايات الالكترونية، التي غزت العالم بطريقة متسارعة جدا نتيجة الثورة الالكترونية التي شهدها هذا القرن، حيث يبلغ حجم النفايات الالكترونية في العالم مابين 20 الى 50 مليون طن سنويا! انه رقم ثقيل جدا، ما يجعله سوقاً خصباً ومدرّاً للأموال ومدمراً للبيئة والصحة العامة للأفراد، فما هي إذن النفايات الالكترونية؟
عرّف المشرّع الجزائري النفايات الالكترونية على أنها عبارة عن نفايات خاصة خطرة وهذا في المادة 03 من القانون 01-19 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001، والمتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وازالتها، حيث نصت هذه المادة أن كل نفاية خاصة خطرة هي نفاية بفعل مكوناتها والمواد السامة فيها التي تشكل خطراً على الصحة العمومية والبيئة، كما صنفها المرسوم التنفيذي رقم 06-104 المؤرخ في 28 فبراير 2006، والمحدد لقائمة النفايات بما في ذلك النفايات الخاصة الخطرة، صنفها في الملحق الثالث تحت رقم 16-02 "نفايات ناجمة عن التجهيزات الكهربائية"، حيث أن هذه النفايات هي عبارة عن الأجهزة الكهربائية الغير قابلة للاستهلاك مثل "التلفاز، والاجهزة المنزلية" والالكترونية مثل مخلفات الهواتف النقالة والحواسيب، كما أنها تحتوي على مواد خطرة ومسرطنة ومدمرة للجهاز المناعي في حالة التعامل الخاطئ معها، حيث نذكر بعض المواد السامة مثل مادة الرصاص والزئبق والكادميوم.
ولكن في نفس الوقت فإن ذات الاجهزة تحتوي على بعض المواد النفيسة والنبيلة مثل الذهب، حيث أن طن واحد من هذه النفايات يعطي كمية معتبرة من الذهب الخالص، لهذا بات البعض يغامر بصحته من أجل استخراجها واستغلالها، حيث يقوم بحرق هذه المواد الالكترونية ما يولد انبعاث غازات سامة قد تؤدي إلى أمراض مستعصية والى الموت أحيانا عند استنشاقها. وتجنبا لكل هذه المخاطر وللقضاء على نشاط تدوير هذه المواد بطريقة عشوائية، سنت الدولة الجزائرية مجموعة من المراسيم التي تحدد عملية تسيير النفايات الإلكترونية، حيث أن جامعي وحائزي هذا النوع من النفايات يجب أن يحصلوا على رخصة الاعتماد من أجل ممارسة النشاط، وهذا طبقا للمادة رقم 05 من المرسوم التنفيذي رقم 05-314 الموافق لـ10 سبتمبر 2005، والمحدد لكيفيات اعتماد تجمعات منتجي وحائزي النفايات الخاصة، كما ان هذا الاعتماد يمنح فقط من طرف الوزير المكلف بالبيئة وهذا طبقا للمادة 06 من نفس المرسوم، وبهذا فان أي شخص يقوم بجمع وحيازة النفايات الخاصة الخطرة عامة والنفايات الالكترونية خاصة، فإنه سيتعرض لعقوبات جزائية ومتابعات قضائية تصل الى فرض الغرامات المالية والسجن.
التصدير هو الحل
وللتخلص الآمن من النفايات وتفادي حدوث كوارث بيئية نتيجة التدوير الغير علمي لمثل هذه النفايات، ولعدم وجود أي منشأة تقوم بتدوير تسونامي المخلفات الالكترونية على مستوى التراب الوطني، فإن المشرّع الجزائري منح الترخيص لتصدير مثل هذه النفايات نحو البلدان التي تملك منشآت خاصة بالمعالجة والتدوير وهذا طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 19-10 المؤرخ في 23 يناير 2019، والذي ينظم تصدير النفايات الخاصة والخاصة الخطرة. كما أخضع المشرع الجزائري تصدير هذا النوع من النفايات لرخصة تُسلم من طرف الوزير المكلف بالبيئة، وذلك طبقا للمادة 04 من ذات القانون.
التشريع الجزائري كان صارماً حيال الممارسات الغير مسؤولة من مافيا تدوير النفايات، والكم الهائل من القوانين والمراسيم التنفيذية تؤكد تقنين وتسيير هذا النوع من النفايات، وسعي الدولة للتحكم في سوق النفايات الخاصة الخطرة، لكن هل حقا هذه القوانين تعكس الواقع الحقيقي للنفايات الالكترونية في الجزائر، هل حقا تتحكم الدولة في كمية هذه النفايات وتتابع حركتها أم أنه مجرد حبر على ورق؟ ولماذا التسونامي الالكتروني غزا المفارغ العمومية والأماكن الغير مرخصة؟
لذلك يقع على صناع القرار البيئي في الجزائر تنسيق العمل مع جمعيات المجتمع المدني وتفعيل المراسيم والقوانين وعمل دراسات تعكس الواقع الحقيقي لمسار الكثير من النفايات الخاصة الخطرة على غرار النفايات الإلكترونية، فالنزول إلى الميدان أصبح ضرورة لا بد منها والاختباء وراء الكم الهائل من القوانين؛ لم يعد يرقى لتطلعات المواطن الجزائري.
URL: https://ghazellebouchra.blogspot.com/2020/07/dz_15.html