كيف نقرأ ملامح التغير المناخي في فلسطين؟ وما علاقة تفشي الأمراض والأوبئة بالتغيرات المناخية؟
خاص بآفاق البيئة والتنمية
عالجت بعض الدراسات بالتفصيل الآثار المتوقعة لاتجاهات تغير المناخ، وتحديدا فيما يتعلق بعدد من العوامل المتصلة بحياتنا اليومية؛ إذ من المتوقع، خلال العقود القادمة، أن تزداد مخاطر الكوارث الطبيعية والفيضانات وتلوث المياه، والهجرة القسرية والأوبئة والمجاعة وزيادة التوترات الحدودية. وفيما يتعلق بالاحتباس الحراري، تعد بلاد الشام بخاصة، وما يعرف بمنطقة "الشرق الأوسط" عموما، بقعة جغرافية ساخنة، ما يعني أن منطقتنا العربية ستتأثر بدرجة أكبر من التغير المناخي.
|

يُجمع خبراء المناخ بأن فلسطين وسائر بلاد الشام تتأثر سلبا بأربعة اتجاهات مناخية وهي: ارتفاعات في درجات الحرارة، ارتفاعات في نسب الرطوبة، ارتفاعات في مستويات سطح البحر وتقلبات أكثر تطرفا في الطقس. بعض الدراسات عالجت بالتفصيل الآثار المتوقعة لاتجاهات تغير المناخ، وتحديدا فيما يتعلق بعدد من العوامل المتصلة بحياتنا اليومية؛ إذ من المتوقع، خلال العقود القادمة، أن تزداد مخاطر الكوارث الطبيعية والفيضانات وتلوث المياه، والهجرة القسرية والأوبئة والمجاعة وزيادة التوترات الحدودية. وفيما يتعلق بالاحتباس الحراري، تعد بلاد الشام بخاصة، وما يعرف بمنطقة "الشرق الأوسط" عموما، بقعة جغرافية ساخنة، ما يعني أن منطقتنا العربية ستتأثر بدرجة أكبر من التغير المناخي.
أحداث الطقس المتطرفة التي شهدناها في السنوات الأخيرة، والمتوقع أن تزداد تطرفا خلال العقود القادمة، تتجسد في زيادة تواتر وشدة موجات الحرارة (صيف فلسطيني أكثر سخونة سنة تلو الأخرى)، ارتفاع في الهطول المطري القوي (عواصف عنيفة)، وحدوث تغيير في توزيع هطول الأمطار، بمعنى حدوث تغييرات في وتيرة ومدة وشدة أحداث هطول الأمطار (كمية أكبر من الأمطار خلال فترة زمنية قصيرة).
تقارير الأمم المتحدة المناخية تقول بأن متوسط درجة الحرارة في فلسطين ارتفع بمقدار 1.4 درجة مئوية خلال الفترة 1950-2017، علما أن الثلاثين سنة الأخيرة سجلت الجزء الأكبر من تلك الزيادة. أما الهطول المطري فقد شهد، خلال ذات الفترة، هبوطا بمقدار 2 سم، أي هبوطا بنحو 0.4 سم كل عشر سنوات.
وفي حال التنفيذ الفوري لإجراءات الطوارئ لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، فإن السيناريو المتفائل يتوقع ارتفاعا إضافيا في متوسط درجة الحرارة في فلسطين بمقدار 0.9 درجة مئوية بحلول عام 2050؛ بينما السيناريو المتشائم، يتوقع زيادة مقدارها 1.2 درجة مئوية، وذلك في حال لم يتخذ أي إجراء للحد من انبعاثات غازات الدفيئة. أي أن مقدار الزيادة القصوى المتوقعة خلال الفترة 1950-2050 قد تصل إلى 2.6 درجة مئوية.
نتائج القياسات الحرارية تظهر بوضوح أن درجة الحرارة في فلسطين آخذة في الارتفاع أكثر بوتيرة أسرع من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية، وبخاصة خلال فصل الصيف. الاتجاه التصاعدي خلال العقود القادمة واضح أيضًا، ويبدو أننا بحلول منتصف القرن، سنواجه خلال الصيف عبئا حراريا ثقيلاً.
وانسجاما مع اتجاه الاحترار العالمي، الحرارة في فلسطين آخذة في الارتفاع، وبوتيرة أسرع. القياسات تقول بأن متوسط درجة الحرارة كان يرتفع بشكل واضح منذ الثمانينيات؛ إذ أن أمتوسط الزيادة في السنوات الثلاثين الماضية بلغ 0.53 درجة مئوية لكل عشر سنوات. وعلى المديين القصير والطويل، لكلا اتجاهي الاحترار دلالة إحصائية. خلال الفترة 2021-2050، من المتوقع أن يكون متوسط درجة الحرارة أعلى بمقدار 1.5 إلى 1.8 درجة مئوية، بالمقارنة مع المتوسط في 1961-1990. وخلال ذات الفترة (2021-2050) من المتوقع أن يكون متوسط درجة الحرارة في فصل الصيف أكثر بـِ 1.9 إلى 2.2 درجة مئوية، بحيث تمتد حرارة ساعات النهار إلى الفترة الليلية أيضا. كما يتوقع أن يكون متوسط درجة الحرارة في فصل الشتاء أكثر دفئًا بمقدار 1.3 درجة مئوية.
ومن الملاحظ وجود زيادة كبيرة في عدد الأيام التي تكون فيها درجة الحرارة القصوى أعلى من 30 درجة مئوية. ووفقًا لتوقعات المناخ ، سيستمر هذا الاتجاه خلال العقود القادمة. وبحسب السيناريو المتفائل، من المتوقع أن يزداد عدد الأيام الحارة في السهل الساحلي بمقدار 20 يومًا، وإذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لتقليل انبعاثات غازات الدفيئة والحد من الزيادة في درجة الحرارة، فقد تصل الزيادة إلى 40 يومًا. كما تتوقع التقديرات العلمية المناخية بأن تهبط كميات الأمطار بمقدار 15-25% في المتوسط، وذلك خلال الفترة 2071-2100.

غزيون يسيرون على الشاطئ بمحاذاة مستنقع مياه عادمة
خلخلة النظام الإيكولوجي
قد تؤدي التغيرات المناخية إلى تجفيف الأنهار والموائل الرطبة، وستؤثر على النظام الإيكولوجي المتعلق بالتنوع البيولوجي الأرضي والبحري الضروري لرفاهية الإنسان، علاوة على تغيير أنماط هجرة بعض الأنواع، ما سيجعل غزو الأنواع الضارة أكثر شيوعا، بينما حرائق الغابات سوف تصبح أكثر انتشارا. كما أن التأثير على الزراعة سيكون مدمرًا ، حيث ستتأثر المحاصيل والماشية والسيطرة على الآفات وتآكل الأراضي.
وتتوقع التقديرات العلمية حدوث تغييرات ضارة على صحة الجمهور، لأن الارتفاع الحاد في درجات الحرارة سيؤدي إلى تفشي الأمراض المختلفة بسبب انتشار الحشرات الضارة التي تحمل أنواع بكتيرية خطيرة؛ علاوة على تفشي الأوبئة المعدية النابعة من سلالات جينية فيروسية وبكتيرية جديدة وخطيرة. وفي هذا السياق، يبرز السؤال الوجيه: هل من علاقة ما بين التغيرات المناخية وفيروس COVID-19/كورونا المتفشي حاليا في مختلف أنحاء العالم؟
يضاف إلى ما ورد، أن الارتفاع المستمر في مستويات التلوث سيؤدي إلى أمراض مختلفة في الجهاز التنفسي. كذلك، سوف تصبح الأمراض النفسية أكثر انتشارًا.
وبالطبع، الاقتصاد ليس محصنا ضد آثار تغير المناخ. فكما الاقتصاد العالمي، سينكمش إلى حد خطير الاقتصاد الفلسطيني بحلول نهاية القرن الحالي؛ فالتأثير على المحاصيل الزراعية واضح، إذ أن كميتها ونوعيتها عرضة للتأثر بشكل كبير. مصادر المياه هي أيضا ليست محصنة ضد التدهور؛ فمن المتوقع حدوث ارتفاع في ملوحة المياه الجوفية وانخفاض جودتها، بالإضافة إلى انخفاض مستوى إنتاج المياه. كما ستهبط كمية المياه في حوض بحيرة طبريا، وسوف تتغير ملوحة المياه في البحيرة.
ما العمل؟
الضرورة الملحة تفيد بأن المطلوب ليس فقط خفض انبعاثات غازات الدفيئة، بل أيضًا تكثيف الاستعدادات العملية للتعامل مع تأثير أزمة المناخ. ولهذه الغاية يفترض إنشاء هيئة حكومية-أهلية خاصة بتغير المناخ، بحيث تتحمل مسؤولية دمج عمل الوزارات الحكومية والجهات الأهلية في هذه المسألة وبلورة خطة عمل؛ ما يتطلب تخصيص موازنة خاصة وبعض العاملين المتفرغين.
بلورة خطة العمل وتنفيذها لا بد أن يكونا بقيادة عالم (أو خبير) مناخ. ولا بد من تخصيص موازنة لتنفيذ الخطة، بحيث تشمل تأسيس فريق خبراء متعدد الاختصاصات للتفكير والبحث الاستراتيجيين (think tank) يوفر بانتظام بيانات عالية الدقة، ومعلومات وتقديرات وبحوث حول المناخ والقضايا الهيدرو-مناخية للوزارات والجهات الأهلية المعنية ولمراكز الدراسات والبحوث بشكل عام، التي يسهم عملها في فهم التغيرات المناخية في فلسطين وسائر المنطقة. خلاف ذلك، لا يمكننا معرفة مدى سرعة الاستعداد ولأي غرض. وغياب هكذا استثمار يكاد يعتبر انعداما للمسؤولية الوطنية.

مع تفاقم ملامح التغير المناخي سيعاني الفلسطينيون أكثر فأكثر من شح المياه التي يتحكم بها الاحتلال
مزاعم مضللة
تزعم شركات النفط والغاز بأن توليد الطاقة بكافة أشكالها من الغاز الطبيعي تحديدا أقل ضررا من النفط والفحم. إلا أن المعطيات العلمية تفند هذا الزعم وتؤكد بأن الغاز الطبيعي ضار جدا للمناخ ولصحة الناس. فأثناء عملية استخراج الغاز ومعالجته، ومن ثم نقله، تنبعث كميات غاز الميثان أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقا. هذه الانبعاثات تحوي مواد عضوية متطايرة، تأكد بأن بعضها مسرطن. وهنا، من المفيد التذكير بأن 50 دولة في العالم التزمت بأن تتحول نحو الطاقة المتجددة بنسبة 100%، وذلك قبل الهبوط الكبير في أسعار النفط خلال الأشهر الأخيرة. لذا، يفترض بمنطقتنا العربية التي تتمتع بالإشعاع الشمسي الهائل معظم أيام السنة، أن ترفع سقف أهدافها في مجال الطاقة المتجددة، وذلك على ضوء الأزمة المناخية والتحولات العالمية في سوق الطاقة.
وحاليا، تكلفة الطاقات المتجددة أقل من أشكال الطاقة الأخرى. ففي عام 2018، على سبيل المثال، بلغ متوسط أسعار الكهرباء في العالم 36 دولار أميركي للطاقة الشمسية، بالمقارنة مع 102 دولار للفحم و59 دولار للغاز الطبيعي. وبسبب هذا الفارق السعري، فإن 66% من الإنشاءات الجديدة للكهرباء في العالم خلال عام 2018 كانت تحديدا من مصادر الطاقة المتجددة النظيفة وليس من الطاقات الأحفورية (نفط، غاز، فحم). ومن الواضح، أن الاقتصاد المستقبلي للطاقة لن يكون مركزيا أو احتكاريا، كما هو الحال في المستوى الفلسطيني، بل موزعا وقائما على أساس شبكات منطقية أو بلدية صغيرة.
لذا، فإن الخطط والسياسات الحكومية القائمة على إنشاء شبكة محطات طاقة خاصة تعتمد على الغاز الطبيعي، تتعارض مع الاتجاهات الاقتصادية القائمة حاليا في سوق الطاقة، وتُحَمِّل المواطنين مخاطر اقتصادية عالية، ولا تنسجم مع التعهدات الفلسطينية الدولية في مجال التغير المناخي.
الانبعاثات الفلسطينية
لدى مقارنة واقع انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن فلسطينيي الضفة والقطاع بالانبعاثات العالمية أو الإسرائيلية، فسنجدها هامشية؛ إذ أن نسبة الانبعاثات الفلسطينية (الضفة والقطاع) تساوي 0.01% من إجمالي الانبعاثات العالمية (سلطة جودة البيئة، 2016. البلاغ الوطني الأول المقدم إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ)، وهذه النسبة لا تتجاوز انبعاثات مصنع عسكري إسرائيلي ضخم. أما انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد الفلسطيني فتبلغ نحو 0.5 طن سنويا (المصدر السابق)، بالمقارنة مع حوالي 11 طن سنويا للفرد الإسرائيلي (صحيفة هآرتس، 20/9/2018)، أي أن متوسط انبعاثات الفرد الإسرائيلي تعادل 22 ضعف انبعاثات الفرد الفلسطيني؛ بل هي أكبر من معظم الدول الأوروبية.
وبحسب القرار الحكومي الإسرائيلي في عام 2015، يفترض بالطاقات البديلة أن تزود 17% من قدرة إنتاج الكهرباء في إسرائيل حتى عام 2030، وبخاصة من الطاقة الشمسية؛ علما أن الهدف متوسط المدى حتى سنة 2020 كان 10%. لكن، وفقا لمعطيات سلطة الكهرباء الإسرائيلية فإن قدرة الإنتاج الحالية من الطاقات البديلة 6% فقط، علما أن حصة طاقة الرياح تقترب من الصفر.