كورونا...أزمة النفايات إلى الواجهة مجدداً
حبيب معلوف
من قال إن كل ما أتت به أزمة الكورونا كارثي؟ إذ يبدو أن بين "النعم" التي حلّت مع الأزمة، قلة إنتاج النفايات، ما زاد من القدرة الاستيعابية للمطامر! وتؤكد مصادر متابعة في مجلس الإنماء والإعمار أن بين "الحلول" المدهشة التي زادت القدرة الاستيعابية لمطمر الجديدة (برج حمود)، والتي كان يفترض أن تنتهي منذ سنة، تراجع حجم النفايات ما بين 10 و30 في المئة بسبب تراجع الاستهلاك، ولا سيما في المناطق التي تضم عدداً كبيراً من الفنادق والمطاعم.
هذا التراجع حصل من دون أي تقدم في تقنيات الفرز ولا في طرق تخمير المواد العضوية، كما يحاول أن يوحي بعض المتعهدين، ما يؤكد أن الأسباب الرئيسية لتراجع الأحجام تعود إلى تراجع الاستهلاك بشكل رئيسي. فمهما تحسنت معامل الفرز، لن يزيد حجم المواد المعاد تصنيعها، ليس بسبب عدم تقدم وجود تقنيات في هذه المعامل، بل لأن جامعي المواد القابلة لإعادة التصنيع من المستوعبات ومن أي مكان (مثل المكبات العشوائية أو مراكز التجميع غير المنظمة) لن يتركوا الكثير للمعامل والمتعهدين. كذلك الأمر بالنسبة إلى معامل تخمير المواد العضوية التي مهما حسّنت طرق عملها، فإنها لن تجعل الـ"كومبوست" الذي تنتجه خالياً من المعادن الثقيلة الملوّثة التي تجعله غير صالح للاستخدام الزراعي... فيعاد طمره بعد دفع كلفة إضافية على تخميره!
وهذا ما يعيد تأكيد المؤكد، وهو أن الفرز لن يكون مجدياً، وأن مواد التخمير لن تكون بحال أفضل ما لم يكن الفرز من المصدر من ضمن خطة لامركزية ومتكاملة. وهذا لن يحصل بشكل مقبول ما لم يكن من ضمن استراتيجية تعطي الأولوية للتخفيف ثم الفرز في المصدر، ويتم تطبيقها في خطط وقوانين تحدد المسؤوليات… وترجمتها في عقود الكنس والجمع والفرز والتخمير. مع الإشارة إلى أن قرار مجلس الوزراء السابق الرقم 3 والصادر في 27/8/2019 كان قد وافق على تخصيص اعتمادات لوزارة البيئة بقيمة خمسة ملايين دولار على خمس سنوات، وتم هدر بعضها في حملات التوعية على التخفيف وإعادة الاستعمال، رغم أن تطبيق قانون التخفيف (الضرائبي) كان يمكن أن يكون خير معلّم، ويعزز مداخيل الخزينة بدل أن يهدرها، ويقلل من النفايات وكلفة معالجتها. وهذا ما كان يتطلب أن تكون الضريبة مثلاً على الوزن وليس على مساحة الأبنية (فلا يتساوى من لا ينتج النفايات بمن يُنتج، ولا يتساوى المسكن بالمقهى والفندق والسوبرماركت والمنتجع السياحي!)، بعكس ما ورد في مقترحات قانون المقاولين الذي يحتاج إلى تعديل.
لا نورد هذه المعلومات لنقول شكراً للأزمة بالطبع، بل لنؤكد مجدداً أن فلسفة التخفيف التي طالما اعتبرت أساسية في معالجة النفايات قبل الفرز وإعادة التصنيع وقبل أي حل تقني آخر، مثل الطمر أو الحرق، هي مرحلة أساسية ويمكن أن تخفف أكثر من 30% من حجم النفايات في أقل تقدير وفي المرحلة الأولى. ولكي نتذكر دائماً أن تخفيف الاستهلاك يعتبر المدماك الرئيس وهدفاً له الأولوية في أي إستراتيجية أو خطة مستقبلية. إلا إذا كان مقصوداً في مشاريع الطوارئ الأخيرة، وفي العقود التي ترجمتها، تحويل مراكز التخمير إلى مراكز لتجفيف النفايات العضوية على حرارة 60 درجة، تمهيداً لتحويلها إلى وقود بديل لمعامل شركات الترابة، وهو الخيار الذي تم تشريعه بشكل أو بآخر، إضافة إلى خيار التفكك الحراري في قانون النفايات الأخير (80/2018)، من دون أي إستراتيجية، لا بل استباقا لأي إستراتيجية يمكن أن تستبعد هذه الخيارات المكلفة والخطرة! وقد وضع وزير البيئة السابق فادي جريصاتي، من ضمن لائحة مشاريع المراسيم والقرارات التطبيقية للقانون المذكور، ما يتعلق بـ"معايير وشروط التسبيخ والتفكك البيولوجي وإنتاج الوقود" و"معايير وشروط التفكك الحراري"، كترجمة قانونية لهذه الخيارات البالغة الخطورة والسوء! كل ذلك كبرهان على سيطرة العقل الاستثماري على العقل البيئي في إدارة شؤون البيئة والانتقال دائماً من كارثة إلى أكبر.
هذه الخلاصة لا تقلل من حراجة الوضع عندما تنتهي القدرة الاستيعابية للمطمر، ولا تقلل من الكارثة المتمادية التي ستعود وتنفجر أمام الحكومة الجديدة، لكون القدرة الاستيعابية لمطمر الجديدة انتهت عملياً رغم كل ما أسلفنا، ما يعني أن نصف نفايات بيروت وجبل لبنان ستبقى في الشوارع.
لا نعرف إذا ما كان وزير البيئة الجديد دميانوس قطار قد وُضع أمام حراجة الموقف، ولا سيما وضع أكثر من نصف نفايات لبنان الصلبة التي تنتج في العاصمة والضواحي والقسم الأكبر من جبل لبنان والتي رمتها الخطة الطارئة الثانية (بعد أزمة 2015) على الشاطئ، مناصفة تقريباً، بين الكوستابرافا وبرج حمود، بأكلاف ومخاطر عالية جداً على كل المستويات. ولا نعرف إذا ما كان قد شعر بأنه يمكنه تأجيل البحث في الموضوع إذا قال له بعض المتعهدين والمشرفين على هذه الخطة ومستشاروهم في الوزارة إن القدرة الاستيعابية لمطمر الكوستابرافا تنتهي بعد سنتين (بعد توسيعه ورغم زيادة نفايات الشوف وعاليه، ورغم تأخر بناء معمل التخمير)، وأن قدرة مطمر الجديدة - برج حمود ستنتهي بعد شهر (رغم نهاية قدرته الرسمية منذ سنة تقريباً!)
وكان مجلس الإنماء والإعمار، بناءً على استشارة الاستشاري ليبون كونسولت، قد وضع مجلس الوزراء (السابق) أمام خيارين لتوسعة مطمر برج حمود، مرجّحاً ضمناً الخيار الأول الذي يقضي بردم المساحة المائية الواقعة بين مطمري برج حمود والجديدة واستعمالها لإنشاء خلية لطمر النفايات (بعد نقل أنابيب النفط الموجودة في المنطقة) وإلغاء مرفأ الصيادين في المكان أيضاً، على أن يؤمن هذا الحل مساحة لطمر الكمية نفسها من النفايات تقريباً (مليون و650 ألف طن) لمدة لا تقل عن أربع سنوات إضافية اعتباراً من آذار 2019. وقد تم تقدير الكلفة بمبلغ 60 مليون دولار، بالاعتماد على الأسعار التعاقدية للمقاول الحالي، و«تفضيل» أن تتم أعمال التوسعة، كإنشاء حاجز بحري بطول 200 متر، والردم وإنشاء الخلايا معه (داني خوري)، وهي لا تشمل كلفة نقل أنابيب النفط ولا إنشاء مرفأ بديل للصيادين!
والسؤال الذي يطرح الآن: ماذا سيكون موقف وزير البيئة الجديد الذي يدرس هذا الملف ولم يبلور موقفاً بعد، كما قال في شباط الماضي لجريدة "الأخبار"؟ هل سيمدّد لخطط الطوارئ من دون محاسبة ومن دون أن يفتح تحقيقاً عن الفترة السابقة؟ ومن سيتحمّل دفع المبالغ الإضافية الضخمة لتوسيع المطامر والتمدد مجدداً في ردم البحر في ظل شح التمويل؟ وأيّ بدائل يمكن أن يبلور وزير جديد في اللحظات الأخيرة والحرجة؟ وبأي فريق يستعين لأخذ المعلومات والوقائع وبلورة الرؤية المجردة بعد تقييم المرحلة السابقة وما شابها من تنفيعات والتزامات وصفقات وأرباح خيالية على حساب البيئة والخزينة؟ وهل يستعين بالفريق الفاشل نفسه الذي أفشل الوزراء السابقين؟ وهل ستكون لديه الجرأة على فضح من سبقه من تجاوزات وتقصير وقصر نظر؟ وهل تمّ إعلامه بأن هذا الملف هو بين أخطر الملفات الأساسية والبنيوية الحارقة في لبنان، ويفوق خطورة ملفي الكورونا والجراد الوهميين بالنسبة إلى تأثيراته المزمنة والقاتلة على كل المستويات؟