خاص بآفاق البيئة والتنمية
منطق
شهدت أسواقنا أزمة فاكهة، بعد قرار منع إدخال السلع الإسرائيلية، فارتفعت أسعارها بنسبة 100% لبعض الأصناف، واختفت عدة أصناف. تحاور تاجر خضروات وفاكهة حول الأزمة، والدروس الممكن تعلمها من القرار، فيؤكد أن ما حدث صب في صالح كبار التجار، وخاصة مالكي البرادات الكبيرة، إذ باعوا على سبيل المثال البرتقال بـ 4 شواقل للكيلو، بعد أن كان قبل الأزمة بـ شيقلين.
تقترح حلًا عمليًا للفاكهة والاعتماد المفرط على الأصناف الإسرائيلية بالتوجه نحو زراعة أصناف جديدة، والاستفادة من الفورة في العنب واللوزيات لتجفيفها، وتغيير الأنماط الاستهلاكية المفرطة في الفاكهة المستوردة إلى التمور، التي نصدر الأنواع الممتازة منها للأسواق العالمية، ونضخ لأسواقنا المحلية الأصناف الرديئة.
وبجردة حساب بسيطة، لو وفرنا الفارق بين ثمن التمور المصدرة إلى العالم، وثمن ما ندفع للفاكهة الإسرائيلية، لاكتشفنا فجوة كبيرة، تحتم علينا الاعتراف بغياب المنطق عن سلوكنا الاستهلاكي، وإدارة شؤوننا الاقتصادية.
اتصالات
تتابع منذ كانون الثاني الماضي أزمة ابراج إحدى شركات الاتصالات في قرية خرسا بالخليل، وتشاهد فيديوهات لوقفات احتجاجية، وبيانات، ومنشورات حول الأزمة، أولها بيان المجلس القروي في 30 كانون الثاني، الذي قال إنه "تابع عن كَثَبٍ وببالغِ الأهمّيّة موضوع وجود بُرج تابع لإحدى شركات الاتصالات الفلسطينيّة بالقرب من مدرسة خُرسا الأساسيّة المُختلطة، واحتجاج الأهالي المُبرَّر على وجود هذا البرج."
وأكد المنشور "وقوف المجلس برئيسه وكامل أعضائه وقوفاً كاملاً مع مطالب أولياء الأمور وأهالي خُرسا في استنكار وشجب نصب بُرج للاتصالات بالقرب من المدرسة، وفي أي مكانٍ مُكتظٍّ بالسّكّان".
ودعا إلى "مُخاطبة الجهات الرّسميّة الصحيّة منها والتّربويّة للوقوف عند مسؤوليّاتها للضغط وبقوة على المعنيّين بالأمر من أجل إزالة هذا البُرج فوراً."
ومضى المجلس: "حتّى وإن ثبت بالدليل العلمي عدم ضرر البُرج، فإنّ المجلس يرى وجوب إزالة البرج تهدئة للنّفوس، وخَلْق حالة من الاطْمِئنان النّفسي عند الأهالي والطّلبة أنفسهم".
ودعا إلى تشكيل لجنة لمتابعة الموضوع مع صاحب الشأن ومتابعة العمل مع المجلس في الميدان حتى إزالة البرج. كما دعا إلى مواصلة الدراسة وعدم تعطيل العمليّة التّعليميّة بالتّزامن مع مواصلة الاحتجاج السّلْمي المدروس والخَلَّاق وصولاً لإزالة هذا البرج."
يبدو الحل العملي لأبراج الاتصالات، ومن باب الحرص على صحة الناس، دون المس بمصالح الشركات، تشكيل فريق خبراء مستقل، يجري بحثًا علميًا ميدانيًا يسترشد بالتجارب العالمية، وينطلق من أن قانون البيئة الفلسطينية حمائي ووقائي، فقد عرف في مادته الأولى تلوث البيئة، بأنه "أي تغيير مباشر أو غير مباشر في خواص البيئة قد يؤدي الى الإضرار بأحد عناصرها أو يخل بتوازنها الطبيعي. كما أن المادة (5) منه كفلت:" أ- حق كل إنسان بالعيش في بيئة سليمة ونظيفة والتمتع بأكبر قدر ممكن من الصحة العامة والرفاه. ب- حماية ثروات الوطن الطبيعية وموارده الاقتصادية والحفاظ على تراثه التاريخي والحضاري دون أضرار أو آثار جانبية؛ يحتمل ظهورها عاجلاً أو آجلاً نتيجة النشاطات الصناعية أو الزراعية أو العمرانية المختلفة على نوعيات الحياة والنظم البيئية الأساسية كالهواء والماء والتربة والثروات البحرية والحيوانية والنباتية."
تخبط
قديمًا كنا ننعم بنشرة جوية يتيمة، أو اثنتين في أحسن حال. اليوم، نسترد إطلالة الراصد الأردني "البطاينة"، ونقارنه بحالة فوضى التنبؤات الجوية، التي نشهدها، فنتحسر على الماضي. نتابع كل يوم ألف نشرة، ونسمع مئة ادعاء، ونصنع شائعات بعدد أيام الشتاء، وبتنا نطارد السحب، ونقدم نشرات كل دقيقة، دون أدنى مسؤولية. رغم كل هذا، نعيش بلبلة، وننجر وراء مبالغات ورغبات. لو نترك للغيوم حريتها، ولو نغلق صفحات هواة الطقس، ونضع ضوابط مهنية وعلمية على عمل المختصين منهم، ونكتفي بجهة رسمية، لنَعمنا بشتاء سعيد، ولما تخبطنا كالسيد شباط.
قرية برقين قديما
وَقِع
يسكنك التاريخ الشفوي، فتجمع منذ سنوات قصصًا عديدة حول شؤون وشجون كثيرة. اليوم، تسترد قصة مرتبطة برعب الفايروسات. ففي زمن غابر، عصف ببلدتنا وباء غامض، وربما كان الكوليرا. وقتها راجت بين الأجداد أن ما حدث هو (وقع). كانت البلدة الوادعة تودع أحبتها تباعًا، وأجبرت على استحداث مقبرة في كهف. كان تفسير العامة أن المقبرة فتحت أبوابها، ولن تقفل شهيتها للأرواح إلا على عدد فردي وغالبًا 13. إن صحت الروايات، فقد حصد الوباء أرواحًا هائلة، وضاقت بلدنا ذرعاً بأزمتها، وتناقصت النفوس. تواجه البشرية اليوم أشد أنواع الذعر. لكن هذا الرعب يعجز عن إعادتها إلى ذاتها، فلا الرصاص يتوقف، ولا الظلم والسواد يقبلان بهدنة.
عاطفة
تقرأ وتسمع وتشاهد في النهار التالي لإعلان ما تسمى "صفقة القرن" مئة ألف تحليل وموقف ورأي من إعلان ترامب الأسود. لسوء الطالع، لم نر غير العاطفة، وردة الفعل. في اللحظات الحالكة نحتاج لإخراج خططنا البديلة، التي يفترض أننا صنعناها بحكمة منذ زمن، ومهدنا لإنجاحها. فعلنا السياسي إنشائي، يسرف في استعارة (س، وسوف). كان علينا استباق خطاب ترامب براوية واضحة للداخل والخارج، تؤكد أن كل شعوب العالم تخلصت من احتلالها برفض المستعمر. وتقديم مرافعة قانونية وأخلاقية للنخب البيضاء، وتذكير أبناء السيدة العجوز بأن احتلال ألمانيا لفرنسا مماثل لاحتلال واشنطن لبغداد، وهو ذاته الذي يطحننا منذ 72 عاماً. من القرارات التي يمكننا تحويلها إلى فعل: مقاطعة كل سلع الاحتلال، والعودة إلى الأرض، والتحرر من نمط الرفاه الذي نعيشه، وإصلاح النظام المالي والإداري بمنع القروض، وتحويل غالبية "جيش الموظفين الرسميين والأهليين" لأعمال جوهرها الأرض لا الورش وطحن الكلام. وتغيير جوهر التعليم الأساسي والعالي، والخروج من ثقافة الافتراض والوهم إلى الفعل. واستخدام سلاح العصيان المدني الشامل بدل المقاومة الشعبية التي تجري في مواقع محدودة. وعدم التعويل على المؤسسة الرسمية العربية البائسة، وتقوية جبهتنا الداخلية باكتفاء ذاتي في كل شيء. الشعارات والعاطفة وحدها لن تغير شيئًا، بل تجعلنا نحضر أنفسنا لتلقي ضربة جديدة.
أرقام
وفق مقياسك الخاص، وحتى التاسعة من صباح 22 شباط، نالت برقين غرب جنين، 530 ملم من المطر، فيما كان نصيبها الشتاء الفائت 864 ملم، وبلغ معدل الربع الأول من القرن الماضي 493 ملم، أما المعدل بين أعوام 1983-2008 فوصل 467 ملم.
استعجال
تسترد بعد انتهاء "عاصفة العجول"، إحدى وسائل انتفاضة الحجارة، وهي الصراخ على جنود الاحتلال وتشبيههم بـهذا الحيوان المُدلل في أوروبا، ولا أدري ما السبب! ثم جاء السيد الصحّاف ونعت الأمريكان بـ"العلوج" (حمار الوحش السمين القوي) كان بوسعه أن يصفهم بالعجول للتسهيل.
ولا أدري لماذا نصرّ على استثمار أسماء الحيوانات للتقبيح واللعن وحتى الغزل والثناء. فلم نترك النعامة من شرنا، وسطونا على عيون المها، واستهلكنا الغزلان والأسود، وهاجمنا الكلاب الوفية. وأذكر أن سائق مركبة عمومية وسم سيارته بشطر من آية قرآنية ( صفراء فاقع لونها تسر الناظرين).
اليوم يختفي تقريبًا باعة لحوم البقر من الأسواق، ويتباهى الجزارون بنحر أولادها، والغش صفة شائعة في عالم اللحوم، كما تزّين البقرات الباسمات منتجات كثيرة.
استغرب من جمعيات الرفق بالحيوان أنها-كما نحن أنصار البيئة- لم تدل بدلوها في أزمة العجول، أو تحث على الاكتفاء بما تنبته الأرض، فقد كانت تلك لحظة ذهبية.
المهم والمؤكد أننا نتعجل في كل شيء، ونصاب بقصر النفس. رافقنا هذا البؤس طوال هبّاتنا وثوراتنا وانتفاضاتنا ومعاركنا، فلا نُراجع سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، ونكاد نُحرّم التقييم، ونصر على تجريب المُجرب، ونكرر الوسائل الفاشلة.
aabdkh@yahoo.com