جنة الله على الأرض... مزارع الفراولة المعلّقة في قطاع غزة
مختبر بيرزيت للتحاليل البيئية

عندما تزرع بذرة؛ تزرع الأمل. وعندما تصبح البذرة غصنا أخضرا؛ يبتسم الأمل. وعندما يزهر الغصن الأخضر؛ تضحك الحياة. عندها تكون الرائحة هي مرشدك السياحيّ للمكان. جنّة الله على الأرض ... مخضرة لا يكسر اخضرارها إلا احمرار حباتها كوردات جوريات مخمليات، تختبئ بين الوريقات الخضراء، وتطل بالمواربة على استحياء.
أجل هي تلك المزارع المعلّقة الغنّاء بهوائها النقيّ وسط سمفونيات العصافير المغردة التي تُطيب روحك، أما كوب من عصيرها الأحمر فكأنه الشهدّ، بل هي بحدّ ذاتها ذهب فلسطين الأحمر.
يُزرع محصول الفراولة المعلّقة؛ داخل صومعات زراعية وفي أحواض ضيقة ومعلقة في داخلها تربة عضوية منتجة من مخلفات زراعية، وتروى بطريقة التنقيط وباستخدام مياه الأمطار المجمعة من سطح الصومعات والمياه الجوفية.
وقبيل الزراعة تحتاج الفراولة المُعلّقة لعملية تشتيل تُجهز فيها الشتلات الزراعية حيث تحتاج الشتلة فيها لـ "التشريش" قبيل نقلها في المصاطب أو الكلاكل، ويُعد مناخ بيت لاهيا من أفضل المناخات حول العالم لزراعتها، وتتميز حبات الفراولة الفلسطينية بطول مدة إنتاجها عمن سواها، إذ تزيد إنتاجيتها لشهرين ونصف فتبدأ من 15/11 – 15/6 من كل عام.
إن إنتاج محصول من الفراولة المعلقة يفوق إنتاج نظيره في الزراعة التقليدية، فالدونم الواحد منها ينتج ثلاث أضعاف التقليدي الذي يخرج 7500 شتلة، بينما المعلقة تنتج 21 ألف شتلة في الدونم، كما توفر مياه بنسبة 80% عن التقليدية، وهي أسهل في الزراعة والتلقيط بالنسبة للعمال وأنظف وأرتب وأكثر جودة وذات منظر جذاب، ما شكّل دفعة قوية لكثير من المزارعين للتحول إلى هذا النوع من الزراعة، ووفر مساحات خضراء لاستجمام الوافدين إليها.
معيقات ولكن!
ورغم ارتفاع قيمة تكاليف التجهيزات والمعدات الأساسية اللازمة لمشروع زراعة الفراولة المعلقة، لكنها تبقى مجديةً اقتصاديا للمزارعين أكثر من الزراعة التقليدية من حيث توفير الأيدي العاملة والحد من استخدام المبيدات وغيرها، لأن معظم المصروفات هي تكاليف ثابتة يستفيد منها المزارعون لسنوات طويلة.
ورغم إعاقة الاحتلال الإسرائيلي وصول بعض من المواد الخام اللازمة لهذه التجربة من الزراعة، وتأخر نضوج المحصول المعلق نتيجة لذلك، فإن نجاحها فتح الباب أمام المزارعين الغزيين على نوع جديد من الزراعة، سيكون له كبير الأثر في علاج العديد من الإشكاليات المرتبطة بالواقع الزراعي المتردي في القطاع.
وإذا كان ينصب اهتمام مزارعي الفراولة على وفرة المحصول وجودته، فإن الفائدة الأعم تكمن فيما ستوفره الزراعة المعلقة من حلول خَلاقة لشح المياه والإفراط في استخدام المبيدات الحشرية، وقلة مساحات الأراضي الزراعية بالقطاع. وهو ما سيقود إلى توفير منتج عالي الجودة وخال من المبيدات والأسمدة الكيميائية الزراعية.

وتعتبر الفراولة شتلة شتوية لا تحتمل الانتظار ثلاثة أيام للتصدير ففي الأشهر الأولى يصدرها المزارعون؛ لأن القدرة الشرائية للمواطن في قطاع غزة لا تحتمل بيع الكيلو بأكثر من 5 شيكل، بينما في الخارج يُباع بـ 15 أو 10 شيكل، لذلك وجب العمل على إيجاد حلول منطقية وبالتعاون مع وزارتي الزراعة والاقتصاد، للمواءمة بين حاجة السوق المحلي والعمل على سد احتياجاته؛ قبل البدء بالتصدير للخارج عملاً بمبدأ الاكتفاء الذاتي.